1 |
... في زمانٍ يُصارحني: لَسْتَ مِنّي |
وأصارحُه: لستُ منكَ، وأجهد أن أفهَمَهْ... |
وأنا الآن طيفٌ |
يَتشرّدُ في مَهْمَهٍ |
ويُخيّم في جمجمهْ. |
2 |
ألفضاءُ مدىً يَتضاءَلُ، نافذةٌ تتناءَى، |
والنّهارُ خيوطٌ |
تتقطّع في رئتيّ وتَرْفو المساءَ. |
صخرةٌ تحت رأسي،- |
كلّ ما قلتُه عن حياتي وعن مَوتِها |
يتكرّر في صمتِها. |
3 |
أتناقَضُ؟ هذا صحيحٌ |
فأنا الآنَ زرعٌ وبالأمس كنتُ حَصاداً |
وأنا بين ماءٍ ونار |
وأنا الآن جمرٌ ووردٌ |
وأنا الآن شمسٌ وظِلٌّ |
وأنا لستُ رَبّاً |
أتناقَضُ؟ هذا صحيحٌ... |
4 |
مُغلَقٌ بابُ بيتي |
والظّلامُ لِحافٌ،- |
قمرٌ شاحبٌ حامِلٌ في يديهْ |
حفنةً من ضياءٍ، |
عجزت كلماتي |
أن توجّهَ شكري إليهْ. |
5 |
أغلقَ البابَ، لا ليقيّدَ أفراحَهُ |
... لِيُحرِّرَ أحزانَهُ. |
6 |
كلّ شيءٍ سيأتي، قديمٌ |
فاْصطحبْ غيرَ هذا الجنونِ - تهيّأ |
كي تَظلّ غريباً... |
7 |
لم تعد تُشرقُ الشمسُ: تَنْسل في خِفْيةٍ |
وتُواري |
قدميها بِقشٍّ... |
8 |
أتَوقّع أن يأتي الموتُ، ليلاً |
أن يُوَسّد أحضانَهُ |
وردةٌ |
تعبتْ من غبارٍ يُغطّي جبينَ السّحَرْ |
تعبت مِن زفير البشَرْ. |
9 |
يهبطُ اللّيلُ [هذا |
وَرَقٌ كان أعطاهُ للحِبْر - حِبْر الصّباح الذي لم |
يَجِئْ] |
يهبط الليلُ فوق السرير - [ الذي كان هيّأهُ |
عاشقٌ لم يَجئْ] |
يهبط اللّيل - لا صوت [ غيْمٌ، دخانٌ...] |
يهبط الليل [ شخصٌ |
في يديهِ: ارانبُ؟ نمْلٌ؟] |
يهبط الليل [ سورُ البناية يَهتزُّ ، كلّ السّتائر شفّافةٌ] |
يهبط اللّيل، يُصْغي: |
[ أنجمٌ مثلما يعرف اللّيل خرْساءُ |
والشجرات الأخيرة في آخر السّورِ لا تتذكّرُ |
ماذا يقول الهواءُ لأغصانها] |
يهبط اللّيل [بين النّوافذ والرّيح همْسٌ] |
يهبط الليل [ضوءٌ تسّربَ، جارٌ |
يَتمدّدُ في عُرْيِه] |
يهبط الليلُ [شخصانِ، ثوبٌ يعانقُ ثوباً |
والنوافذ شفّافةٌ] |
يهبط الليل [هذا مزاجٌ- |
قمرُ اللّيل يشكو لسِرْوالِه |
ما شَكاهُ المحبّون دوماً] |
يهبط اللّيل [يرتاح في جَرّةٍ |
مُلِئَتْ خمرةً - لا ندامى |
رَجلٌ واحِدٌ يتقلّبُ في كأسِهِ] |
يهبط اللّيل [يحملُ بعضَ العناكِب، يرتاح للحشراتِ التي |
لا تُسيءُ |
لغير البيوتِ/ إشاراتُ ضوءٍ: |
أَملاكٌ أتى؟ أم قذائفُ، أم دعواتٌ؟ |
وجاراتُنا |
كُلّهن ذهبْنَ إلى الحجّ- عدن أقلَ ضُموراً، وأكثر |
غُنجاً] |
يهبط اللّيل [يدخل بين ثُديّ الأيامى |
وجاراتُنا أيَامَى] |
يهبط اللّيل [تلك الأريكة- تلك الوسادةُ: هذي ممرٌ |
وهذي مَقرٌّ] |
يهبط اللّيل [ماذا نُعدّ؟ نبيذاً؟ أم ثريداً ولحماً؟ |
يُخبئ اللّيل عنّا شهيّة أحشائه] |
يهبط الّيل [يلهو قليلاً |
مع حلازينِه، |
مع يَمامٍ غريبٍ، ونجهلُ من أين جاءَ، ومع حَشَراتٍ |
لم تردْ في فصولِ الكتابِ الذي خطّهُ اللّقاحُ عن |
الحيوانِ وأجناسِهِ] |
يهبط الليل [رعْدٌ |
أم ضجيجُ الملائِكِ جاءت بأفراسِها؟] |
يهبط الليل [يَهْذي |
يتقلّب في كأسِه...] |
10 |
مَن يُريني كوكباً |
يمنحني الحِبْرَ لكي أكتبَ ليلى؟ |
11 |
كتبَ القصيدةَ،- |
(كيف أقنعهُ بأنّ غدي صحَارى؟) |
كتبَ القصيدةَ،- |
(من يزحزح صخرة الكلمات عنّي؟) |
كتبَ القصيدةَ،- |
(لستَ مِنّا، إن أنتَ لم تقتل أخاً) |
كتبَ القصيدةَ،- |
(كيف نفهم هذه اللّغة الطريدَهْ |
بين التّساؤل والقصيده؟) |
كتبَ القصيدةَ،- |
(هل سيقدر ذلك الفجرُ المشرّدُ، |
أن يعانِقَ شمسَهُ؟) |
كتبَ القصيدةَ،- |
(بين وجه الشمس والأفُقِ التباسٌ) |
كتبَ القصيدةَ،- (فَلْيَمُتْ...) |
12 |
أتكَلّمُ؟ عن أيّ شيءٍ؟ |
وبأي اتّجاهٍ أسيرُ؟ |
سألتكَ يا نَوْرَساً يتموّج في زُرْقَةِ البَحْرِ.../كلا |
من يقولُ: سألتُ، ومن قال: |
أَسْتَشْرِفُ البحرَ، أو أتحدّثُ مع نَوْرَسٍ؟ |
لم أكنْ، |
لم أسِرْ، |
لم أقُلْ... |
13 |
سَأُناقُضُ نَفسي |
سأضيفُ إلى معجمي: |
لُغتي لستُ منها، فمي |
لم يكن مرّةً فمي- |
آهِ، يا نجمة الخرابِ، ويا وردةَ الدّمِ. |
14 |
كان لي أَنْ أُمَزّقَ، أنْ أَتَناثَرَ في غابةٍ من لَهَبْ |
كي أضيءَ الطّريقْ، |
مُدّ لي يَدكَ الحانيه |
رُدّ ما أخذتْهُ لياليك من شمسَ الدّاميهْ |
أيّهذا الصديقْ |
أيّهذا التّعَبْ. |
15 |
كلّ ما أنكرتْهُ العيون سَتَرْعاهُ عيني،- |
ذاك عهد الصّداقة بين الخراب وبيني. |
16 |
منذُ أسْلمتُ نفسي لنفسي، وساءَلْتُ: |
ما الفَرْقُ بيني وبين الخرابْ؟ |
عشتُ أقصى وأجملَ ما عاشه شاعِرٌ: |
لا جوابْ. |
17 |
بعدَ أن مَزّقَ الشعر ثوب الزّمانْ |
صرتُ أدعو الرّياحَ لأهديَها، لِتصيرَ يداها |
إبَراً |
كي تخيطَ بأشلائِه المكانْ. |
18 |
ما الذي لامَسَ المتنبّئُ |
غيرَ التّرابِ الذي وطئتهُ خُطاهُ؟ |
هكذا- |
لم يَخُنْ ما تَراءَى له |
في نَبُوءاتِهِ، سِواهُ. |
19 |
لا تموتُ لأنّكَ مِن خالقٍ، |
أو لأنّكَ هذا الجَسَدْ |
أنتَ ميتٌ لأنّكَ وَجهُ الأبَدْ. |
20 |
لِيَكنْ، |
مِن حَقّ أحلاميَ أن تُهمل جسمي |
ولجسمي أن يخونَ الأرَقَ السّابحَ فيهِ... |
21 |
يَنْبغي أن أدعُوَ الذّئبَ لكي يجلوَ مِرآةَ خِرافٍ |
نسيت صورَتها... |
22 |
لم نَعُدْ نتلاقى |
لم يعد بيننا غيرُ نَبْذٍ ونَفْيٍ، |
والمواعيد ماتت، وماتَ الفّضاءْ،- |
وَحْدهُ الموتُ صارَ اللّقاءْ. |
23 |
زهرةً - |
أغْوتِ الرّيحَ كي تنقلَ الرّائِحهْ |
ماتتِ البارحهْ. |
24 |
تَعبي يرقدُ عصفوراً، - سأبقى |
مثلَ غُصْنٍ: |
لن أبوحَ الآنَ، لن أوقِظهُ... |
25 |
الغطاءُ يُشَقُّ، ويُفْتَضَحُ الترجمانْ |
في الحريق الذي يلبس الآنَ وجهَ المكانْ. |
26 |
مقْهى - والبحرُ، اليومَ، ينامُ كطفلٍ/ |
هذا وجهٌ اعرفُهُ - أهلاً، كيف الحالُ، وهذا |
صوتٌ أذكرُهُ... |
- لم يأتِ الفوّالُ اليومَ... |
- مريضٌ؟ أمْ هُجِّر؟ |
- مجهولونَ رَموهُ |
في بِئْرٍ... |
.../ والبحرُ ينامُ، اليومَ، كطفلٍ... |
27 |
لَسْتَ هذي المدينةَ أو تلك، |
لستَ الإقامَةَ والذكْرياتِ/ الأقاصي رهانُك- لكنْ |
خطواتُك مذعورةٌ |
وتواريخُ ذاك الفضاءِ الذي كنتَهُ |
طيوفٌ |
وبَوَارِقُ من شُعلةٍ تتلاشى... |
28 |
خالِقٌ يأكلُه الخَلْقُ، بلادٌ |
في الدّم الدّافِقِ من أشلائها تخْتَبِئُ،- |
إنه العَصْرُ الذي يبتدئُ. |
29 |
كلّما قلتُ: هذي بلاديَ تدنو |
وتُثمر في لغةٍ دانيهْ |
قَذفتني إلى بلدٍ آخرٍ |
لغةٌ ثانيهْ. |
30 |
شَجَرٌ ينحني ليقولَ وداعاً |
زَهَرٌ يتفتّح ، يزهو، ينكّس أوراقَه ليقولَ وداعاً |
طوقٌ كالفواصِلِ بين التّنفس والكلمات تقول وداعاً |
جسدٌ يلبس الرّمل، يسقط في تيهِهِ ليقول وداعاً |
ورقٌ يعشق الحِبْر |
والأبجديّةَ والشعراء يقول وداعاً |
والقصيدة قالت وداعاً. |
31 |
كلّ ذاك اليقين الذي عشتُه، يتلاشى |
كلّ تلك المشاعِل من شهواتي وأشيائها، تَتَلاشى |
كلّ ما كان بيني وبين الوجوه المضيئة في هجرتي، تتلاشى |
أبدأ الآنَ من أوّلٍ. |
32 |
يتساقطون، - الأرضُ خيطٌ من دخانٍ |
وأظنّ أنّ الوقت قافلةٌ |
تسير وراءهُ... |