ألا عللاني بالتمدن تعليلا
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
ألا عللاني بالتمدن تعليلا | فصبري من دون المؤانس قد عيلا |
ولا تذكرا لي عافيا من ربوعهم | فجسمي اعفى منه رسما ومدلولا |
وما شائق نفسي الخراب وانما | يشوقها ان تنظر القفر مأهولا |
وان فسيح البر يمرع ناضرا | وان صفيح البحر يحمل اسطولا |
وان تجرى الارتال كالبرق سرعة | وكالرعد جلجالا وكالغيث تنويلا |
تقل صدورا يملأ الكون خيرها | فتسبقها في نائل البر تخويلا |
وحسن وجوه كالبدور وانها | لأجمل منها اذ اقلت اكاليلا |
فان وقفت في موقف خلت اهله | ملوكا لهم تجبى النفائس تفضيلا |
وان تشغل الناس العواجل مرة | وتحفل اخرى في الحوافل تعجيلا |
على سرر مرفوعة قد تقابلوا | بها فوقوا حرا وبردا وزليلى |
وان تجرى الانهار في الارض عذبة | ومن حولها الاشجار باسقة طولا |
وان ديار الساكنين رحيبة | تزار فتولى كل من زارها السولا |
وان رياضا حولها وحدائقا | يفوح لها عرف فينعش متبولا |
وان ترتع الارآم ارام انسها | على بسط الزهر المنوع تشكيلا |
هنالك انغام المعازف حولت | عن القلب ما يلقى من الهم تحويلا |
هنالك دارت بالكؤوس سقاتها | كؤوس من المزر الذي لذ تحليلا |
لقد توجت هاماتها بحبابه | وما ان عهدنا لابنة الكرم تكليلا |
فمن يتأمل ساعة في جمالها | يعد وهو فيها اكثر الناس تأميلا |
فيا ويح من لم يألف الشمس طرفه | اذا ما اجتلى انوارها النظرة الأولى |
ومن لم يجد للعشر زيدت لحكمة | على الشعر تعليلا صحيحا وتأويلا |
لقد غضب الساقي على الشرب اذراي | بها طرفهم عن حسنه كان مشغولا |
وليس لهم هم على فرط علمهم | بمن باء منصوبا ومن بات معزولا |
واجدر بمن قد حازها أن تشوقه | وقد لاح منها انجما وتهاويلا |
فتلك التي فيها اغالي لانها | حلال فلا تأثيم فيها ولا غولا |
فمن لا منى فليسعفني بذكرها | وما ضرني كوني على الحق معذولا |
لعمرك ليس العمر ما طال نحبه | ولكنه ما طاب بالانس تأجيلا |
فحسبي منه ما خلا عن سآمة | وسائره كالحمل يثقل محمولا |
وان تفعم الافراح افئدة الورى | وكل لفعل الخير أهل تأهيلا |
ويعلم أن الله ينصر عبده | اذا ما تحرى للهداية تعويلا |
وان تهدى الأنوار في حالك الدجى | خطى من سعى فيه ليدرك مأمولا |
لعمرك ان الله نور ومن يزد | من النور يزدد منه زلفى وتوسيلا |
ومن يتمحل للخلاف مكابرا | فسجل عليه انه كان ضليلا |
فهذا الذي اصبو اليه اصيبه | بمصر على ابهى الاساليب تكميلا |
فهمة اسماعيل قد اوجدت بها | محاسن هذا العصر اصلا وتاصيلا |
فمن كان في عيش التمدن راغبا | فان عليه ان يرى مصر والنيلا |
والا فلا يعتب على الدهر ساخطا | ولا يلقين من فيه قالا ولا قيلا |
ومن يقض في مدح العزيز زمانه | فذاك الذي لم يأت قط الاباطيلا |
ولو جاز بعد الذكر تنزيل آية | لكانت قوافي مدحنا فيه تنزيلا |
هو العادل البر الذي عم فضله | فلم يبق الا من به ظل مشمولا |
له ناصر من ربه ومؤازر | فمهما نوى من نية كان مفعولا |
ولو لم يكن عون الاله مصاحبا | له لم يرم ما عز روما وتحصيلا |
فدان له اقصى المطالب والمنى | فقرب ممطولا وابعد مملولا |
وسن من الافعال ما صار قدوة | وسنى من الآمال ما كان تخييلا |
واطلق بالجود الذي هو دأبه | وشيمته من كان بالعسر مغلولا |
وألف ما بين الزمان وأهله | فسواهما عدلى محاسن تعديلا |
وألبس مصرا ثوب عز وغبطة | يدوم على مر الجديدين مسدولا |
متى ما يشد في الأرض مأثرة فله | أشاد لها أهل السماوات تهليلا |
حديث علاه لا يزال مكررا | صحيحا على أقوى الاسانيد منقولا |
أرى العدل عند الناس مثل حروفه | غدا مهملا لا يشغلون به جولا |
ولكنه عند العزيز شريعة | منزلة لن تقبل الدهر تبديلا |
لقد جمل الدنيا به خالق الورى | وكمل أحكام السياسة تكميلا |
فلست ترى في مصر غير محاسن | كما سبقت عنه الكناية تفصيلا |
وللدين منه حرمة ورعاية | فكم في سبيل الله أجزل تسبيلا |
وأهل الزوايا والمساجد عززوا | بما أحرزوه من فواضله الطولى |
وكل امرء ناداه معتصما به | فان له في ثوب جدواه تزميلا |
سيذكر قوم بعد قوم صنيعه | وينبئ جيل عن صنائعه جيلا |
أدام اله العرش عز جنابه | وزاد علاه في البرية تأثيلا |
ومتعه بالنجل والاهل دائما | وصانهم طرا بطه وجبريلا |
وهنأهم بالعيد في كل حجة | هناء بادراك المآرب موصولا |
يحق علينا ان نعظم قدرهم | ونهديهم حمدا وشكرا وتبجيلا |