مذبحة أيار
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
مهداة إلى روح الضابط الوكيل "الطيب شربك" قائد حامية البرلمان ورأس شهدائها. | |
______________ | |
عقدوا اللهيبَ على قبابكِ غارا | وكسوْك من حللِ الدخان إزارا |
قصفت مدافعُهم وأزَّ رصاصهم | في عرس مجدك يا دمشق غيارى |
ورموكِ بالجيش المحطَّم لم يُجدْ | إلا فراراً في الوغى وإسارا |
وبكل أخرقَ في فرنسا فاته | عارُ الهزيمة فأبتغي بك عارا |
باريسُ شارية النجاة بعرْضها | بعثتْ تسومُكِ بالنجاة صَغارا |
المستجيرة من حرابِ عدوّها | بنعاله تطأ الرقابَ جُبارا |
ذلَّتْ لهمهمة الغزاة ببابها | والجيشُ كان ببابها جرّرا |
فجثتْ تضرّعُ بلدةً مفتوحةً | وأبيتِ إلا يا دمشقُ حصارا |
يا برجَ ايفلَ انت أدنى في الورى | من برجِ دنكزَ رفعةً وفخارا |
خفقتْ من الغازين فوقكَ رايةٌ | لما أبى إلا الأذانَ شعارا |
تلك الصدوعُ السفعُ في أحجاره | أضْحت على درْب الخلود منارا |
الله أكبرُ جلجلتْ من فوقها | تدْوي تحدّي فوقها الطيارا |
فرمى قذائفه الجبانُ بغليّه | ورمى المؤذن دعوةً معطارا |
الله أكبرُ لم تزلْ صخَّابةً | خسئَ الردى ، لن يخرس الاحرارا ! |
*** | |
الشمسُ لملمتِ الشعاعَ وصافحتْ | في الغوطتينِ الايكَ والأطيارا |
درجتْ على سفح الغروب ضنينةً | بشذاها أن يفغمَ الأسحارا |
لو تستطيع على المدى ما غيَّبتْ | عن جلّقَ الأضواءَ والأنوارا |
بلدِ الفتونِ ترى على علاتها | والثورةِ الحمراءِ حين تُضارى |
لولا السجايا الشمُّ في أعراقِها | ما أمَّنتْ من بطشها الغدارا |
ظنَّتْ بشُذّاذ الحروب شجاعةً | تحمي أذاهم عزَّلاً وصغارا |
فغفا على الظنّ الكريمِ كماتُها | وصحا الهوى في الغوطتين وثارا |
بردى يسوقُ الموجَ في أعطافه | نسمٌ كأنفاس الحبيب عطارا |
أومأ إلى شمس الأصيل مودّعاً | زحف الدجى فالى اللقاء نهارا |
ففرى الرصاص من الأصيل سكونه | وبدا الجبانُ بوجهه ختّارا |
عارٌ ، له بردى تنهَنهَ وانزوى | وشجا ذكاءَ فأسرعتْ تتوارى |
*** | |
الليلُ ، ذاك الليلُ ، كم في طيّه | من تائهينَ على الدروبِ حيارى |
سدَّ الرصاص عليهم طرق الرّجا | وبنى الظلامُ عليهمُ الأسْوارا |
ومن القلوبِ الخافقاتِ ترقبا | ومن الدموع الجاريات حرارا |
الأمهاتُ رقبْن في جنحِ الدجى | أبناءَهنَّ وما شفيْن أوارا |
والبائتون على الطوى لم يطْعموا | والبائتاتُ لرضّعِ أظئارا |
والآمنون تهدَّمتْ من فوقهم | ظُللُ الامانِ وهتكت استارا |
جُنَّتْ بأحشاءِ الظلام مدافعٌ | وكأن فيها من ذويها سُعارا |
باتت تصبُّ الموتَ من أفواهها | وتدكُّ فوقَ الوادعين ديارا |
في الليل برقٌ من سناها لامعٌ | وصدى يفتّتُ رجعُه الاحجارا |
نقمٌ أعِدّتْ للغزاة وبأسهم | ورموا بها الغافين والسُمَّارا |
لو في المعاركِ جرّبوا نيرانهم | لافي الحبوسِ وما استثرنَ مثارا |
كم موثقٍ لمسَ النجاة بكفّهِ | لعبَ الرصاصُ بكفهِ فأطارا |
ومقيَّدٍ كان الحديدُ قيودَه | فغدا الردى غلاً له وسوارا |
ومضرَّجين إلى الخلاص تدافعوا | نحوَ المنافذِ والدماءُ تجارى |
خاضوا البطونَ تقطعتْ أحشاؤها | ومشوْا على مِزقِ الجسومِ سكارى |
حتى إذا بسمَ الرجاء بوجههم | هدَّتْ عليه القاذفاتُ جدارا.. |
تلكُ الفظائعُ لا فظائعُ بلسنِ | ملأوا بها صدرَ الدّنى اخبارا |
أترى بنتوّ حين أمد خنجراً | في ظهرهم ، ضلَّ الطريقَ وجارا ؟ |
نزلُ الجبانُ على جبانٍ مثلهِ | فسقاه من جُرَع الهوان مرارا |
وإذا أردْتَ من اللئيم تشفياً | فاحمل عليه صِنوه الخوَّارا |
*** | |
يا يوم يوم البرلمان وجندِه | غيَّبْت في ذاك الدُّجى الاقمارا |
وقفوا وللعلم المرفرفِ فوقَهم | خفقُ القلوبِ المشفقاتِ حذارا |
نذروا النفوسَ على الحرابِ رخيصةً | لا ينحنون لغيرهِ إكبارا |
علمي ازدهرْ ، ما تلكُ أوَّل ثلة | أهدتْ إليكَ نجيعها الفوّارا |
ضرّج نجومك بالدماءِ وتِه بها | لوناً إذا نصلَ المدادُ وحارا |
قانٍ تدفَّقَ من جراحِ أعزةٍ | يحدوهمُ بطلٌ أبرَّ فخارا |
ثبتٌ على نارِ الكفاحِ جنانهُ | إن عضَّتِ الحربُ الهلوعَ فخارا |
يختالُ أسمرَ والشجاعةُ مثله | سمرا لوناً والقنا خطارا |
ما زال في تلك الدجنَّةِ صامداً | حتى إذا أفلَ الكواكبُ غارا |
يا طيباً والطيبُ فيك سجيةٌ | أبعدْتَ داراً وانتأيتَ مزارا |
خفقاتُ خطوكَ لم تزلْ في مسمعي | والذكرياتُ أصوغُها أشعارا |
أخبا الشعاعُ بعين صقْرٍ جارحٍ | وطوى الرّدى ذاك الشبابَ ووارى |
والليلةُ الليلاءُ كيف قضيتها | في القِّلةِ العزلاءِ تحمي الدارا |
نفذ الرصاصُ من الصخور فلم تجِدْ | غيرَ الصدور بها تصدُّ النارا |
ناضلْتَ حتى خضَّب القاني الثرى | والصخرُ ملَّ نضالك الجبارا |
فسقطْتَ عن حرمٍ تصدَّعَ ركنهُ | قد كنتَ تُمسِكُ ركنَه فانهارا.. |
قلْ للمريدِ من العلى أمجادَها | متْ هكذا أو خل عنك الغارا |
للهِ ضربةُ بلطةٍ في منكبٍ | ما انحاز عن صدر العدى اودارا |
ضرباتُ لصٍّ في الظهور ومن رأى | لصاً تطلَّع في النُّحور جَهارا |
تيهي فرنسا صرح مجدِك باذخٌ | قتَّلتِ جرْحى وابتليتِ أسارى |
يا أمة أسمى مفاخرِ شعبِها | أيام فيها الشعبُ جُنّ وثارا ! |
*** | |
قفْ بالطلولِ الناطقاتِ رسومُها | بالويلِ ، واحبسْ دمعكَ المدرارا |
نبكي على طلل الأحبة إن نأوا | ونقلُّ في ساح الوغى استعبارا |
نحنُ الذين بلا الزمان مضاءنا | فرمى بنا العاتينَ والفجَّارا |
في كل قفرٍ من دمانا واحةٌ | تربي الإباء وتنبتُ الأحرارا |
قُدْنا الشعوبَ إلى الهدى حتى إذا | ملكت هدانا غمَّتِ الأنوارا |
وتحيَنت ضعف النسور وما درت | أن الفراخَ تولَّتِ الأوكارا |
قل للمعيدِ بذله ودموعهِ | آثارَ مجدٍ ودّعِ الآثارا |
ان كنتَ طالبَ عزة يوم الوغى | فاصمد بجيشكَ في حماةَ نهارا |
وانظر إلى الجبل الأشمّ ومت به | كمداً ، فما بك ان تموت شجارا |
أبناءُ معروفٍ على شرفاتهِ | حطمُوا قناكَ وقلموا الاظفارا |
حتى الرّدى منعوا عليك حياضه | سل سرَّزانَ ودمعَهُ الهمارا |
الموتُ في تلك الشعاف قلادةٌ | للنسر لا للمدَّعي استنسارا.. |
"ديغول" أغمضْتَ الجفون على القذى | ورقدتَ عن سهمٍ بجنبك غارا |
حدْ عن طريقِ السيل لا تغرق به | من أنت حتى تجبهَ التيَّارا |
ترجو رجاءً والحياةُ وأهلها | تبني سواه ، فغالبِ الاقدارا |