أَتَجهَلُ قَدرَ بِشرٍ إِنَّ بِشرا
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أَتَجهَلُ قَدرَ بِشرٍ إِنَّ بِشرا | لَأَرفَعُ مِنكَ في الناسوتِ قَدرا |
نَما بَينَ الأَباعِرِ في البَراري | وَغَيرَ الكَهفِ لَم يَعرِف مَقَرّا |
ولكِن حَلَّ في بُردَيهِ وَحيٌ | كَفاكَ تَفاخُراً وَكَفاهُ فَخرا |
وَهَل في بُردَتَيكَ سِوى دَعِييٍّ | تَسَوَّدَ في القَبيلَةِ حينَ أَثرى |
رَأَت بِشراً عَجوزٌ ذاتَ يَومٍ | وَقَد حَزَرَت بِهِ وَطَراً وَأَمرا |
فَقالَت أَنتَ تَبحَثُ عَن عُروسٍ | وَبِاِبنَةِ عَمِّكَ المِضيافِ أَحرى |
فَقالَ لَها وَهَل هِي ذاتُ حُسنٍ | فَقالَت إِنَّها في الحُسنِ بُشرى |
لَها شَعرٌ كَأَنَّ اللَيلَ مِنهُ | تَمَنّى البَدرُ فيهِ أَن يَمُرّا |
كَأَنَّ ذُؤابَتَيهِ حِبالُ أَسرٍ | تُشَدُّ بِها قُلوبُ العُربِ أَسرى |
فَخَفَّ لِعَمِّهِ نَشوانَ جَذلاً | وَكاشَفَهُ فَلاقى مِنهُ زَجرا |
فَقالَ لَهُ أَبَيتَ اللَعنَ قُل لي | أَفاطِمَةٌ لِغَيرِ دَمي تُسَرّى |
أَتَأباها عَلَيَّ وَمِن ذِراعي | لِآمالِ القَبيلِ عَمِلتُ جِسرا |
فَمَن لَكَ في الرَعِيَّةِ غَيرُ بِشرٍ | يَرُدُّ غَوائِلَ الغَزَواتِ حُمرا |
وَكَم بِكرٍ وَهَبتُكَ مِن دِمائي | وَتَأبى يا ظَلومُ عَلَيَّ بِكرا |
وَهامَ مُشَعَّثَ الأَحلامِ غَيظاً | يُخَرِّبُ تارَةً وَيَعُجُّ أُخرى |
وَثارَ عَلى قَبيلَتِهِ بِضُرٍّ | فَكانَ الذِئبَ فَتكاً أَو أَضَرّا |
فَضَجَّ بَنو الرَعِيَّةِ مِن أَذاهُ | وَأَوجَسَ عَمُّهُ خَوفاً وَذُعرا |
فَقَرَّبَهُ إِلَيهِ وَقَد تَحَرّى | لَهُ شَرَكاً لِيوقِعَ فيهِ ذِمرا |
وَقالَ لَهُ إِذا ما كُنتَ شَهماً | أَنِلني مِن خُزاعَةَ مِنكَ مَهرا |
فَدَبَّت سورَةُ العَرَبِيِّ فيهِ | وَأَسرَجَ مُهرَهُ حَتّى يَكُرّا |
وَجَنَّبَ في حِمالتِهِ جُرازاً | لَهيبُ المَوتِ يَنفُثُ مِنهُ جَمرا |
وَكانَ النَجَوُّ مُربَدّاً رَهيباً | كَاَنَّ مِنَ الجَحيمِ عَلَيهِ سِترا |
فَسامَرَهُ حَفيفُ الغابِ حيناً | وَحيناً سامَرَتهُ طُيوفُ ذِكرى |
وَفيما بِشرُ يَطوي البيدَ طَيّاً | وَيَنشُرُها عَلى الامالِ نَشرا |
إِذا بِالمُهرِ أَجفَلَ وَاِعتَراهُ | جُمودُ دُمىً وَأَحجَمَ وَاِقشَعَرّا |
فَأَغمَدَ في الدياجي ناظِرَيهِ | فَأَبصَرَ في ثَناياها هِزَبرا |
وَفاضَت نَشوَةً مِن مُقلَتَيهِ | مُشَعشَعَةٌ فَقالَ عُقِرتَ مُهرا |
وَحينَ جَذا اِنتَضى السَيفَ المُرَوّى | وَقالَ اِنبُت فَإِنَّكَ لَن تَفِرّا |
فَلَستُ بِراجِعٍ يا لَيثُ حَتّى | يَصِرَّ بِكَ الذبابُ الغثّ صَرّا |
وَأَقدَمَ مُثبِتَ الأَبصارِ فيهِ | فَكانَ كِلاهُما أَسَداً تَسَرّى |
وَكانَ اللَيثُ يَفرَقُ مِنهُ طَوراً | وَيَبسُطُ تارَةً لِلوَثبِ ظُفرا |
وَفي أَلحاظِهِ لَهَبٌ غَضوبٌ | يُراشِقُهُ بِهِ شَفعاً وَوِترا |
يَنِشُّ بِشِدقِهِ زَبَدٌ حَرورٌ | وَيَنفُثُ صَدرُهُ حُمَماً أَحَرّا |
وَضَجَّ الغابُ فَالدُنيا صِراعٌ | تُفَجِّرُ في رُواقِ اللَيلِ حُرّا |
وَحينَ رَآهُ أَرسَخَ منهُ بَأساً | تَذَأبَ وَالغَضَنفَرُ كانَ حُرّا |
وَأَطلَقَ بِشرُ مُنصَلَهُ عَلَيهِ | فَقَدَّ لَهُ مِنَ الأَضلاعِ عَشرا |
وَثارَ الكَونُ ثَورَتَهُ فَأَلقى | عَلى اللَيلِ الحُسامَ فَدارَ فَجرا |
وَأَسكَرَ مَشهَدُ الضِرغامِ بِشراً | وَكَم شَرِبَ الدَمَ المُهراقَ خَمرا |
فَقَدَّ قَميصَهُ عَنهُ وَأَملى | عَلَيهِ بِالدَمِ المَطولِ شِعرا |
أَفاطِمَ لَو شَهِدتِ بِبَطنِ خَبتٍ | وَقَد لاقى الهِزَبرُ أَخاكِ بِشرا |
وَوالى سَيرَهُ يَمتَلُّ فيهِ | لِيَبلُغَ مَأرَباً قَد كانَ وَعرا |
وَأَنداءُ الصَباحِ تَفوحُ طيباً | وَيَسكُبُها النَسيمُ عَلَيهِ عِطرا |
وَفيما الحُبُّ يَنهَبُهُ عَراهُ | فَحيحٌ مَرَّ في أُذُنَيهِ مَرّا |
وَأَبصَرَ حَيَّةً طَلَعَت عَلَيهِ | مِنَ الأَدغالِ مِثلَ التُربِ سَمرا |
أَذابَ الصُبحُ خَمرَتَهُ عَلَيها | فَمالَت مِن خُمورِ الصُبحِ سَكرى |
وَشَعَّت كَالزُجاجِ وَقَد تَلَوَّت | عَلى أَعشابِها بَطناً وَظَهرا |
فَقالَ أَخوكِ كانَ عَلَيَّ وِقراً | وَلكِن أَنتِ أَثقَلُ مِنهُ وِقرا |
فَهَل بُعِثَت بِهِ روحٌ تَرَدَّت | بِجِلدِ الأَفعوانِ تَرومُ ثَأرا |
ولاقاها بِصَدرٍ راضَ صَبراً | وَلاقَتهُ بِصَدرٍ ضاقَ صَبرا |
فَكانَت تَنثَني عَنهُ اِغتِيالاً | وَتُنشِبُ رَأسَها لِلفَرسِ غَدرا |
تُرى ماذا يَحُلُّ بِنا إِذا ما | أُصيبَ بِنَكبَةٍ اللَهُ أَدرى |
فَبِشرٌ مَرجِعُ الفُرسانِ فينا | وَحامينا إِذا الجَوُّ أَكفَهَرّا |
بَعَثتُ بِهِ إِلى حَتفٍ ذَميمٍ | كَأَنّي لِلقَبِيلِ حَفَرتُ قَبرا |
فَإِن يَسلَم مِنَ الأَسَدِ اِبنِ داذا | فَلَن يَنجو مِنَ الأَفعى طِمِرّا |
وَشَمَّرَ لِلِّحاقِ بِهِ وَكانَت | دِماهُ تُثيرُهُ وَالعَينُ شَكرى |
عَلى فَرَسٍ كَأَنَّ الجِنَّ تَعدو | بِرِجلَيها فَتَختَفِيانِ سِرحا |
وَلَمّا أَدرَكَ اِبنَ أَخيهِ حَيّاً | يَروغُ الوَحشُ مِنهُ جَذا وَخَرّا |
وَقالَ اِعدِل عَنِ الأَفعى فَإِنّي | رَأَيتُكَ أَرحَبَ الأَعرابِ صَدرا |
لَأَنتَ أَحَقُّ مِن أُمَراءِ قَومي | بِفاطِمَةٍ فَكُن لي ابِناً وَصِهراً |
فَأَلهَبتِ الحَماسَةُ كَفَّ بِشرٍ | فَصَعَّدَ سَيفُهُ المَصدورُ جَمرا |
وَأَطعَمَ خَصمَهُ يُسرى يَدَيهِ | وَأَجرى المَوتَ مِن يُمناهُ نَهرا |
فَقَبَّلَ عَمُّهُ يَدَهُ بِحُبٍّ | وَقالَ أَتَيتُ أَطلُبُ مِنكَ عُذرا |
أَلا عُد بي إِلى حَيثُ السَرايا | تُقيمُ لِعُرسِكَ اليَومَ الأَغَرّا |
فَقَد شَهِدَت صُخورُ الغابِ يا اِبني | بِأَنَّكَ فارِسُ الأَعرابِ طُرّا |
وَعادا وَالغُصونُ تَميلُ تيهاً | كَأَنَّ بِها لِما شَهِدَتهُ سُكرا |
وَتَعطِفُ في الطَريقِ عَلى يَدَيهِ | تُقَبِّلُ مِنهُما يُمنى وَيُسرى |
وَإِذ كانا يَجوبانِ البَراري | وَيَنثُرُ بِشرُ آيَ الفَخرِ نَثرا |
إِذا بِمُلَثَّمِ العَينَينِ نَجدٍ | تَعَرَّضَّ في الطَريقِ لَهُ مُصِرّا |
وَقالَ كَفاكَ تَفَخرُ يا عِصاماً | فَفَخرُكَ مَرَّ في أُذُنَيَّ فَجرا |
قَتَلتَ بَهيمَةً وَقَتَلتَ سوساً | وَتَملأُ ماضِغَيكَ قَذىً وَنُكرا |
فَقالَ وَمَن تَكونُ فَقالَ إِنّي | نَذيرُ المَوتِ جِئتُ إِلَيكَ جَهرا |
أَنا دَهرٌ وَأَيّامي سَعيرٌ | إِذا نازَلتَني نازَلتَ دَهرا |
وَفي غَضَبٍ تَبَدّى المَوتُ فيهِ | عَلى سَيفَيهِما كَرّاً وَفَرّا |
أَصابَ مُلَثَّمُ العَينَينِ بِشراً | فَأَحجَمَ عَنهُ إِخفاقاً وَقَسرا |
وَصاحَ بِه أَبَيتَ اللَعنَ فَاِرفَع | لِثامَكَ لا تَظَلَّ عَلَيَّ سِرّا |
فَقالَ الخَصمُ وَهوَ يُميطُ سِتراً | أَنا اِبنُكَ فَاِنظُرِ الوَلَدَ الأَبَرّا |
فَعاوَدَ بِشرَ تَذكاراتُ عَهدٍ | تَصَرَّمَ تارِكاً في الصَدرِ ذِكرى |
وَقَبَّلَهُ وَقالَ أَراكَ يا اِبني | بِفاطِمَةَ اِبنَةِ الأَعمامِ أَحرى |