طَرَقَ الخَيالُ فَهاجَ لي بَلبالا
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
طَرَقَ الخَيالُ فَهاجَ لي بَلبالا | أَهدى إِلَيَّ صَبابَةً وَخَبالا |
أَنّى اِهتَدى حَتّى أَتاني زائِراً | مُتَنَكِّراً يَتَعَسَّفُ الأَهوالا |
بِأَبي وَأُمّي مَن طَلَبتُ نَوالَهُ | إِذ زارَني فَأَبى عَلَيَّ دَلالا |
لَو أَنَّهُ خَلَطَ الدَلالَ بِنائِلٍ | فَأَنالَنا كانَ الدَلّالُ حَلالا |
بارَزتُهُ وَسِلاحُهُ خَلخالُهُ | حَتّى فَضَضتُ بِكَفِّيَ الخَلخالا |
هَذا الخَيالُ فَكَيفَ لي بِمُنَعَّمٍ | رودِ الشَبابِ تَخالُهُ تِمثالا |
صَمَتَت خَلاخِلُهُ وَغَصَّ سِوارُهُ | وَالقُلبُ وَاِضطَرَبَ الوِشاحُ وَجالا |
ما زالَ يَدعوني بِمُقلَةِ ساحِرٍ | مِنهُ وَيَنصِبُ لِلفُؤادِ حِبالا |
حَتّى خَضَعتُ لِحُبِّهِ فَاِقتادَني | وَأَذَلَّني بِصُدودِهِ إِذلالا |
جَلَبت دُموعي عَبرَةٌ مِن زَفرَةٍ | شَجَتِ الفُؤادَ فَأَسبَلَت إِسبالا |
كَسَبَت لِقَلبي نَظرَةً لِتَسُرَّهُ | عَيني فَكانَت شَقوَةً وَوَبالا |
ما مَرَّ بي شَيءٌ أَشَدُّ مِنَ الهَوى | سُبحانَ مَن خَلَقَ الهَوى وَتَعالى |
يا رُبَّ خِدنٍ قَد قَرَعتُ جَبينَهُ | بِالطاسِ وَالإِبريقِ حَتّى مالا |
أَنهَضتُهُ مِن بَعدِ ما أَسكَرتُهُ | فَمَشى كَأَنَّ بِرِجلِهِ عُقّالا |
وَمُهَذَّبينَ أَكارِمٍ لا كارِمٍ | أُدَباءَ حازوا نَجدَةً وَكَمالا |
ثاروا إِلى صَفقِ الشَمولِ فَأَشعَلوا | نَيرانَ حَربِ كُؤوسِها إِشعالا |
بَوَّأتُهُم غُرَفاً جَعَلتُ تُرابَها | مَدَرَ العَبيرِ وَعَنبَراً قَسطالا |
وَخَلَوا بِأَنواعِ النَعيمِ وَلَذَّةٍ | دامَت وَعَيشٍ ما يُريدُ زَوالا |
في مَجلِسٍ بَينَ الكُرومِ مُظَلَّلٍ | جُعِلَت لَهُ أَغصانُهُنَّ ظِلالا |
وَلَدَيهِمُ حورُ القِيانِ كَأَنَّها | غِزلانُ وَحشٍ يَرتَعينَ رِمالا |
قَد حازَ كُلُّ فَتىً لَدَيهِ غادَةً | رُودَ الشَبابِ خَريدَةً مِعطالا |
مَمكورَةً عَجزاءَ مُضمَرَةَ الحَشى | قَد حُمِّلَت مِن رِدفِها أَثقالا |
كَالشَمسِ تُبصِرُ وَجهَهُ في وَجهِها | تَمشي فَتَسحَبُ خَلفَها أَذيالا |
لِلقَصفِ مُتَّكِئينَ فَوقَ نَمارِقٍ | يُسقَونَ بِالطاسِ الرَحيقَ زُلالا |
فَإِذا نَظَرتَ رَأَيتَ قَوماً سادَةً | وَنَجابَةً وَمَهابَةً وَجَمالا |
رَكِبوا المُدامَ فَأَدبَرَت بِهِمُ عَلى | سُبُلِ السُرورِ وَأَقبَلَت إِقبالا |
وَلَدَيهُمُ كَرخِيَّةٌ شَمسِيَّةٌ | قَد خُلِّيَت في دَنِّها أَحوالا |
حَتّى إِذا بَلَغَت وَحانَ خِطابُها | ساوَمتُ صاحِبَها البَياعَ فَغالى |
مازالَ حَتّى حُزتُها وَخَدَعتُهُ | وَلَقَد أَطَلتُ عَلى الخِداعِ جِدالا |
وَأَمَرتُ جالوتَ اليَهودِ بِقَبضِها | وَاِبتَعتُها فَبَذَلتُ فيها مالا |
لَم توطَ في حَوضٍ وَلَكِن خُلِّيَت | حَتّى جَرى مِنها السُلافُ فَسالا |
خَلَّيتُها وَسطَ الحِجالِ وَلم تَكُن | إِلّا الكُرومِ لَها هُناكَ حِجالا |
وَخَزَّنتُها في دَنِّها وَكَسَوتُهُ | مِن خَيشِ مِصرٍ وَالعَباءِ جِلالا |
حَتّى إِذا قَرُبَت بِهِ آجالُهُ | وَلَو اِستَطاعَ لَباعَدَ الآجالا |
فَطَعَنتُ سُرَّتَهُ فَسالَ دِماؤُها | فَبَزَلتُها في المُذهَباتِ بَزالا |
وَكَأَنَّما الساقي لَدى إِبريقِهِ | بَدرٌ أَنارَ ضِياؤُهُ فَتلالا |
يَسقيكَ بِالعَينَينِ كَأسَ صَبابَةٍ | وَيُعيدُها مِن كَفِّهِ جِربالا |
وَلَنا بِهِ كَأسا هَوىً كِلتاهُما | توهي القِوى وَتُفَتِّرُ الأَوصالا |
إِبريقُنا سَلَبَ الغَزالَةَ جيدَها | وَحَكى المُديرُ بِمُقلَتَيهِ غَزالا |
بَينا نَرى الساقي بِأَحسَنِ حالَةٍ | إِذ مَدَّ حَبلاً لِلفِرارِ طِوالا |
نادَيتُهُ اِرجِع لا عَدِمتُكَ فَاِسقِنا | وَاِرفِق بِكَأسِكَ لا تَكُن مِعجالا |
نَفسي فِداؤُكَ مِن صَريعِ مُدامَةٍ | مالَت بِهامَتِهِ الكُؤوسُ فَمالا |
فَمَضى عَلى غُلَوائِهِ مُتَحَيِّراً | سُكراً وَما أَلقى لِقَولِيَ بالا |
هَذا النَعيمُ فَكَيفَ لي بِدَوامِهِ | أَنّى يَدومُ وَعَيشُهُ قَد زالا |
أَصبَحتُ كَالثَوبِ اللِبيسِ قَد أَخلَقَت | جِدّاتُهُ مِنهُ فَعادَ مُذالا |
وَبَقيتُ كَالرَجُلِ المُدَلَّهِ عَقلُهُ | أَشكو الزَمانَ وَأَضرِبُ الأَمثالا |
سالَمتُ عُذّالي فَآبوا بِالرِضى | مِنّي وَكُنتُ أُحارِبُ العُذّالا |
وَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّهُ ما مِن فَتىً | إِلّا سَيُبدَلُ بَعدَ حالٍ حالا |
لَمّا رَأَيتُ الناسَ قَد تَرَكوا العُلى | بُخلاً وَبَعضُهُمُ يُريدُ سَفالا |
رُعتُ الزَمانَ بِسَيِّدٍ مِن وائِلٍ | وَاِحتَلتُ لِلحَدثانِ لَمّا غالا |
فَأَتَيتُ قَوماً مِن حَنيفَةَ لَم يَزَل | يُعطي يَميناً مَرَّةً وَشِمالا |
فَإِذا الرِجالُ رَأَتهُ يَوماً بارِزاً | أَغضَت لَهُ أَبصارَها إِجلالا |
ذاكَ الَّذي قَمَعَ الزَمانَ بِعِزَّةٍ | وَعَلا بِسَيفِ أَمانِهِ الزَلزَلا |
غَلَبَ الرِياحَ فَما تَهُبُّ بِبابِهِ | يَوماً إِذا هَبَّت صَباً وَشَمالا |
وَلَو أَنَّ في كِبدِ السَماءِ فَضيلَةً | لَسَما لَها زَيدُ الجَوادُ فَنالا |
باقٍ عَلى حَدَثِ الزَمانِ كَأَنَّهُ | ذو رَونَقٍ عَضبٌ أَجيدَ صِقالا |
تَلقاهُ في الحَربِ العَوانِ مُشَمِّراً | كَاللَيثِ يَجمَعُ حَولَهُ أَشبالا |
حَزِنَت بِلادُ الفُرسِ ثُمَّتَ أَعوَلَت | شَوقاً إِلَيهِ بَعدَهُ إِعوالا |
وَتَرَحَّلَت مَعَهُ المَكارِمُ كُلُّها | لَمّا أَجَدَّ فَأَزمَعَ التَرحالا |
يا زَيدَ آلِ يَزيدَ ذِكرُكَ سُؤدَدٌ | باقٍ وَقُربُكَ يَطرُدُ الأَمحالا |
ما مِن فَتىً إِلّا وَأَنتَ تَطولُهُ | شَرَفاً وَإِن عَزَّ الرِجالُ فَطالا |
نَفَحاتُ كَفِّكَ يا ذُؤابَةَ وائِلٍ | تَرَكَت عَلَيكَ الراغِبينَ عِيالا |
الناسُ في سَلمٍ وَأَنتَ تَكَرُّماً | لِلمُعتَفينَ تَحارِبُ الأَهوالا |
يا اِبنَ الَّذين هُمُ الَّذينَ إِذا اِنتَموا | زادَ الأَفاضِلَ مَجدُهُم إِفضالا |
وَإِذا تُعَدُّ خُؤلَةٌ أَلفَيتَهُم | خَيرَ البَرِيَّةِ كُلِّها أَخوالا |
لَو كانَ أَدرَكَكَ الأُلى بَذَلوا النَدى | جَعَلوا يَمينَكَ لِلسَماحِ مِثالا |
أَحيَيتَ عُثماناً وَمُسلِماً الَّذَي | بَذّا المُلوكَ وَبَدَّدا الأَموالا |
وَلَقَد بَنى لَكَ في الذُرى مِن وائِلٍ | أَبياتَ مَجدٍ ما تُرامُ طِوالا |
وَلَقَد بَنى لَكَ أَرقَمٌ وَمُطَرِّفٌ | بَيتاً رَفيعَ السَمكِ عَزَّ فَطالا |
أَفتى حَنيفَةَ أَنتَ أَجوَدُ واحِدٍ | كَفّاً وَأَكرَمُ مَن يُعَدُّ فَعالا |
ما قُلتُ في أَحَدٍ سِواكَ عَلِمتُهُ | إِلّا رَأَيتُ القَولَ فيهِ مُحالا |
إِنَّ الخَليفَةَ بَدرُ آلِ مُحَمَّدٍ | وَلِوائِلٍ أَصبَحتَ أَنتَ هِلالا |
وَإِذا سَماءُ ذَوي السَماحَةِ لَم تَجُد | جادَت سَماؤُكَ مَسبِلاً هَطّالا |
كَم مِن أَسيرٍ قَد دَعاكَ مُكَبَّلٍ | فَفَكَكتَ عَنهُ القَيدَ وَالأَغلالا |
إِنَّ السُيوفَ إِذا الحُروبُ تَسَعَّرَت | بِكَ توعِدُ الفُرسانَ وَالأَبطالا |
وَلَقَد تَعَرَّضَ قَبلَ أَن أَلقاكَ لي | بَحرُ النَدى مِن راحَتَيكَ فَهالا |
وَكَّلتَ نَفسَكَ بِالمَحامِدِ وَالعُلى | فَجَعَلتَها لَكَ دَهرَها أَشغالا |
أَقسَمتُ لَولا أَنَّ نَيلَكَ واسِعٌ | ذَهَبَ النَوالُ فَلَم نُحِسَّ نَوالا |
بِكَ أَستَطيلُ عَلى الزَمانِ وَرَيبِهِ | وَلَرُبَّما بَذَخَ الزَمانُ وَصالا |
أَمَّلتُ مِنكَ نَوافِلاً فَأَصَبتُها | إِنَّ اليَقينَ يُصَدِّقُ الآمالا |
وَوَعَدتَني وَعداً فَقَد أَنجَزتَهُ | وَفَتَحتَ عَن أَبوابِكَ الأَقفالا |
إِنّي رَماني الدَهرُ مِنهُ بِنَكبَةٍ | حَتّى حَمَلتُ مِنَ الدُيونِ ثِقالا |
وَأَرى الحَوادِثَ ما تَزالُ تَنوبُني | غَرَضاً وَتَقصِدُ في الفُؤادِ نِبالا |