عَجَباً لِطَيفِ خَيالِكِ المُتَجانِبِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
عَجَباً لِطَيفِ خَيالِكِ المُتَجانِبِ | وَلِقَلبِكِ المُستَعتِبِ المُتَغاضِبِ |
ما لي بِهَجرِكِ وَالبِلادُ عَريضَةٌ | أَصبَحتُ قَد ضاقَت عَلَيَّ مَذاهِبي |
أَبكي وَقَد ذَهَبَ الفُؤادُ وَإِنَّما | أَبكي لِفَقدِكِ لا لِفَقدِ الذاهِبِ |
جَلَبَ السُهادَ لِمُقلَتي بَعدَ الكَرى | وَنَفى السُرورَ مَقالُ واشٍ كاذِبِ |
أَقصَيتِني مِن بَعدِ ما جَرَّعتِني | كَأساً لِحُبِّكِ ما تَسوغُ لِشارِبِ |
لَو كانَ ما بي مِثلَ ما بِكِ لَم أَبِت | نَدمانَ أَحزانٍ صَديقَ كَواكِبِ |
شابَ الهَوى في القَلبِ وَاِحتَنَكَ الجَوى | أَسَفاً وَما شَمَلَ المَشيبُ ذَوائِبي |
ثُوبي عَلَيَّ لِكَي أُنَفِّسَ كُربَةً | فَإِذا بَدا لَكِ في الذُنوبِ فَعاتِبي |
ما لي رَأَيتُ خَيالَ طَيفِكِ مُعَرِّضاً | إِذ زارَني مُتَغاضِباً في جانِبِ |
وَاللَهِ لَولا أَنَّ قَلبَكِ عاتِبٌ | ما كانَ طَيفُكِ في المَنامِ بِعاتِبِ |
إِن كان ذَنبي أَنَّ حُبَّكِ شاغِلي | عَمَّن سِواكِ فَلَستُ عَنهُ بِتائِبِ |
لَو رامَ قَلبي عَن هَواكِ تَصَبُّراً | ما كانَ لي طولَ الحَياةِ بِصاحِبِ |
سَلَبَ الهَوى عَقلي وَقَلبي عَنوَةً | لَم يُبقِ مِنّي غَيرَ جِسمٍ شاحِبِ |
إِنّي لَأَستُرُ عَبرَتي بِأَنامِلي | جُهدي لِتَخفى وَالبُكاءُ مُغالِبي |
الحُبُّ سَمٌّ طَعمُهُ مُتَلَوِّنٌ | بِفُنونِهِ أَفنى دَواءَ طَبائِبِ |
يا سِحرُ قَد جَرَّعتِني غُصَصَ الهَوى | كَدَّرتِ بِالهِجرانِ صَفوَ مَشارِبي |
أَشعَبتِ قَلبي بِالهَوى وَصَدَعتِهِ | بِالهَجرِ مِنكِ فَما لَهُ مِن شاعِبِ |
صَبراً عَلَيكِ فَما أَرى لي حيلَةً | إِلّا التَمسُّكَ بِالرَجاءِ الخائِبِ |
سَأَموتُ مِن كَمدٍ وَتَبقى حاجَتي | فيما لَدَيكِ وَما لَها مِن طالِبِ |
ها قَد هَلَكتُ وَمِتُّ مِن أَلَمِ الهَوى | قُوموا فَعَزّوا مَعشَري وَأَقارِبي |
طَيفٌ يُعاتِبُني وَقَلبٌ مُغضَبٌ | نَفسي فِداءُ مُغاضِبي وَمُعاتِبي |
سَأَجيبُ داعي الحُبِّ مُنقاداً لَهُ | إِن كانَ مَن أَحبَبتُ غَيرَ مُجاوِبي |
إِنَّ المُحِبَّ لَناعِمٌ مِن حُبِّهِ | وَمُرَزَّأٌ فيهِ عَظيمُ مَصائِبِ |
لا تَسأَلَنَّ عَنِ الهَوى إِلّا اِمرِءاً | خَبِراً بِطِعمَتِهِ طَويلَ تَجارِبِ |
وَمُخَدَّراتٍ ناعِماتٍ خُرَّدٍ | مِثلِ الدُمى حورِ العُيونِ كَواعِبِ |
مُتَنَكِّراتٍ زُرنَني مِن بَعدِ ما | هَدَتِ العُيونُ وَنامَ كُلُّ مُراقِبِ |
لَقَبَنَّني أَسماءَ مِنها سَيِّدي | وَأَخي وَسالِبُ مَن أُحِبُّ وَسالِبي |
وَسَفَرنَ عَن غُرَرِ الوُجوهِ كَأَنَّها | بِاللَيلِ مِصباحٌ بِبيعَةِ راهِبِ |
حورٌ أَوانِسُ يَقتَنِصنَ بَأَسهُمٍ | مِن طَرفِهِنَّ إِذا نَظَرنَ صَوائِبِ |
زَرَعَ الشَبابُ لَهُنَّ رُمّانَ الصِبا | في أَنحُرٍ قَد زُيِّنَت بِتَرائِبِ |
أَبدَينَ لي ما بَينَ طَرفٍ ساحِرٍ | وَدَلالِ مَغنوجٍ وَشَكلٍ خالِبِ |
وَحَديثِ سَحّارِ الحَديثِ كَأَنَّهُ | دُرٌّ تَحَدَّرَ مِن نِظامِ الثاقِبِ |
فَقَطَفتُ رُمّانَ الصُدورِ لِلَذَّةٍ | وَلَمَستُ أَردافاً كَفِعلِ اللاعِبِ |
وَتَزَعفَرَت شَفَتَي لِلَثمِ تَرائِبٍ | عَبَقَت بِها ريحُ العَبيرِ الغالِبِ |
ما زِلتُ أُنصِفُهُنَّ مِنّي في الهَوى | حَتّى أَخَذنَ فَما تَرَكنَ أَطايِبي |
أَحيَينَ لَيلَتَهُنَّ بي وَبِمَجلِسي | في قَصفِ قَيناتٍ وَعَزفِ ضَوارِبِ |
حَتّى إِذا وَدَّعنَني أَهدَينَ لي | تَسليمَهُنَّ بِأَعيُنٍ وَحَواجِبِ |
كَم مَنقَبٍ لي في الحِسانِ مُشَهَّرٍ | وَمَناقِبٍ مَحمودَةٍ وَمَناقِبِ |
ما لَذَّةُ الدُنيا إِذا ما لَم تَكُن | فيها فَتى كَأسٍ صَريعَ حَبائِبِ |