مصر و الشام
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
البلبل السجين يا ربّ بلا سناء | كأنّما بدره يتيم |
مشى به اليأس في الرّخاء | كأنّه النار و الهشيم |
* | |
ليت الدّجى رقّ للمحبّ | أو ليت لي مهجة حجر |
أقضّ هذا الفراش جنبي | كأنّ في مضجعي الإبر |
هل بك يا نجم مثل كربي ؟ | أم أنت من طبعك السّهر ؟ |
سهرت شوقا إلى ذكاء ؟ | أم عندك المقعد المقيم ؟ |
أبكي و تصغي إلى البكاء | يا ربّ ! هل تعشق النجوم ؟ |
* | |
قد نال فرط السّهاد منّي | و اشتاق طرفي إلى الهجوع |
و قرّح الجفن ماء جفني | في الحبّ ما فاض من دموعي |
و شاب رأسي من التّجنّي | ياليت ذا الشّيب في الولوع |
لعلّ في سلوتي شفائي | هيهات . داء الهوى قديم |
ما يحسب الناس في ردائي ؟ | في بردتي هيكل رميم ! |
* | |
قد طال يا ليل فيك صبري | و أشبهت ساعك القرونا |
فقل لهذي النجوم تسري | أو إسأل الصّبح أن يبينا |
و إن تشأ أن تكون قبري | فكن كما شئت أن تكونا |
في سكون إلى البلاء | قد يألف العلّة السّقيم |
من كان في قبضة الهواء | هان على نفسه النّسيم ! |
* | |
قرّب بين الضّنى و جسمي | ما أبعد النّوم عن جفوني |
يا ليل فيك الرّقاد خصمي | يا ليل ما فيك من معين |
سوى شج همّه كهمّي | ينشد و اللّيل في سكون ! |
أيمرح البوم في الخلاء | و تمسك البلبل الهموم ؟ |
هذا ضلال من القضاء | فلا تلمني إذا ألوم |
* | |
سا سيّد المنشدين طرّا | و صاحب المنطق المبين |
لو كنت بوما أو كنت نسرا | ما بتّ في أسرك المهين |
خلقت لما خلقت ، حرّا | فزجّك الحسن في السّجون |
و أطلق البوم في الفضاء | زعم الورى أنّه دميم |
و أنّه غير ذي رواء | و لا له صوت الرّخيم ! |
* | |
تيّمك الروض فيه حتّى | تخذت باحاته مقاما |
رأيت فيه النعيم بحتا | و لم تر عنده الأناما |
مدّوا الأحابيل فيه شتّى | أقلّها يجلب الحماما |
لو كنت كالبوم في الجفاء | ما صادك المنظر الوسيم |
أصبحت تبكي من الشّقاء | ليضحك الآسر المضيم ! |
* | |
و المرء وحش فإن ترقّى | أصبح شرا من الوحوش |
فخفه حرّا و خفه رقّا | و خفه ملكا على العروش |
فالشرّ في الناس كان خلقا | و أيّ طير بغير ريش ؟ |
ما قام فيهم أخو وفاء | يحفظ عهدا و لا رحيم |
فكلّ مستضعف مرائي | و كلّ ذي قوّة غشوم ! |
* | |
إن كان للوحش من نيوب | فالناس أنيابهم حديد |
ما كان ، و الله ، للحروب | لولا بنو آدم وجود |
لو امّحى عالم الخطوب | لقام منهم لها معيد |
قد نسبوا الظلم للسماء | و كلّهم جائر ظلوم |
لم يخل منه أخو الثّراء | و لا الفتى البائس العديم |
* | |
أعجب ما في بني التراب | قتالهم فوقه عليه |
قد صيّر و الأرض كالكتاب | و انحشروا بين دفّتيه |
و استعجلوا الموت بالعذاب | و كلّهم صائر إليه |
ما خاب داع إلى العداء | و لم يفز ناصح حكيم |
ما رغب الناس في الفناء | لكنّما ضاعت الحلوم !! |
* | |
لو لم يك الظلم في الطّبائع | ما استنصر العاجز العداله |
لو عدلت فيهم الشرائع | ما استحدثوا للقتال آله |
عجبت للقاتل المدافع | جزاؤه الموت لا محاله |
لكنّما سافكو الدماء | يوم الوغى قادة قروم |
و هكذا المجرم الدائي | في عرفهم فاتح عظيم ! |
* | |
أقبح من هذه الضّلاله | أن يحكم الواحد الألوفا |
و يدّعي الفضل و النّباله | من يسلب العامل الرّغيفا |
يا قوم ما هذه الجهالة | قد حان أن تنصفوا الضّعيفا |
فراقبوا ذمّة الإخاء | و لتنس أحقادها الخصوم ! |
لا تتبعوا سنّة البقاء | فإنّها سنّة ظلوم ! |