سقوط ارضروم
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
أعد حديثك عندي أيّها الرّجل | وقل كما قالت الأنباء والرّسل |
قد هاج ما نقل الرّاوون بي طربا | ما لأجمل الرّسل في عيني وما نقلوا |
فاجمع رواياتهم واملأ بها أذني | حتى تراني كأنّي شارب ثمل |
دع زخرف القول فيما أنت ناقله | إنّ المليحة لا يزري بها العطل |
فكلّ سمع إذا قلت ((السّلاف)) فم | وكلّ قول، إليهم ينتهي ، عسل |
لا تسقني الرّاح إلاّ عند ذكرهم | أو ذكر قائدهم أو ذكر ما فعلوا |
هم المساميح يحي الأرض جودهم | إذا تنكّب عنها العراض الهطل |
هم المصابيح تستهدي العيون بها | إذا كفهرّ الدّجى واحتارت المقل |
هم الغزاة بنو الصّيد الغزاة، بهم | وبطشهم بالأعادي، يضرب المثل |
قوم يبيت الضّعيف المستجير بهم | من حوله الجند والعسّالة الذّبل |
فما يلم بمن صافاقهم ألم | ولا يدوم لمن عاداهم أمل |
تدري العلوج إذا هزّوا صوار مهم | أيّ الدّماء بها في الأرض تنهمل |
أيطلب التّرك أن تعلو | أهلّتهم... ... ... ... |
((وللغرندق)) رأي مثل صارمه | يزلّ عن صفحتيه الحادث الجلل |
المقبل الصّدر، والأبطال ناكصة | تحت العجاجة لا يبدو لها قبل |
والباسم الثّغر ، والأشلاء طائرة | عن جانبيه وحرّ الطّعن متّصل |
سعد السّعود على السّؤال طالعه | لكنّه في ميادين الوغى زحل |
في كلّ سيف سوى بتّاره فلل | وكلّ رأي سوى آرائه زلل! |
يا ابن الملوك الألى قد شاد واحدهم | ما لم تشيّده أملاك ولا دول |
وقائد الجيش ما للريح منفرج | فيه ، ولكن لها من حولها زجل |
موهّم الترك لّما حان حينهم | أن الألى وتروا آباءهم غفلوا |
حتّى طلعت من ((القوقاس)) في لجب | تضيق عنه فجاج الأرض والسّبل |
فأدركوا أنّهم ناموا على غرر | وأنّك البدر في الأفلاك تنتقل |
يا يوم صبّحتهم والنّقع معتكر | كأنّه اللّيل فوق الأرض منسدل |
ليل يسير على ضوء السّيوف به | ويهتدي بالصّليل الفارس البطل |
بكلّ أروع ما في قلبه خور | عند الصّدام ، ولا في زنده شلل |
وكلّ منجرد في سرجه أسد | في كفّه خذم، في حدّه الأجل |
وكلّ راعفة بالموت هادرة | كأنّها الشّاعر المطبوع يرتحل |
سوداء تقذف من فوهاتها حمما | هي الصّواعق إلاّ أنّها شعل |
لا تحفظ الدّرع منها جسم لا بسها | ولا ينجي الحصون الصّخر والرّمل |
فالبيض تأخذ منهم كيفما انفتلت | والذّعر يمعن فيهم كيفما انفتلوا |
وكلّما وصلوا ما انبتّ باغتهم | ليث يقطع بالفصّال ما وصلوا |
فأسلموا(( أرضروما)) لا طواعية | لو كان في وسعهم إمساكها بخلوا |
كم حوّطوها وكم شادوا الحصون بها | حتّى طلعت فلا حصن ولا رجل |
وفرّ قائدهم لّما عرضت له | كما يفرّ أمام القشعم الحجل |
ومن يشكّ بأنّ الوعل منهزم | إذا التقى الأسد الضّرغام والوعل؟ |
لم يقصر الزّمح عن إدراك مهجته | لكت حمى صدره وقع الظّبى ، الكفل |
تعلّم الرّكض حتّى ليس تلحقه | هوج الرّياح ولا خيل ولا إبل |
يخال من رعبة الأطواد راكضة | معه وما ركضت قدّامه القلل |
ويحسب الأرض قد مادت مناكبها | كذاك يمسخ عبن الخائف الوجل |
وبات((أنور)) في ((يلديز)) مختبئا | لأمّه وأبيه الشّكل والهبل |
يطير، إن صرّت الأبواب ، طائره | ويصرخ ((الغوث))لا إمّا وسوس القفل |
في جفنه أرق ، في نفسه فرق | في جسمه سقم، في عقله دخل |
في وجهه صفرة حار الطّبيب بها | ما يصنع الطّبّ فيمن داؤه الخبل؟ |
لم يبق فيه دم كيما يجمعه | في وجهه ، عند ذكر الخيبة ، الخجل |
يطوف في القصر لا يلوي على أحد | كأنّه ناسك في القفر معتزل |
لا بهجة الملك تنسيه هواجسه | ولا تروح عنه الأعين النّجل |
يزيد وحشته إعراض عوّده | وينكأ الجرح في أحشائه العذل |
إذا تمثّل جيش التّرك مندحرا | ضاقت به، مثلما ضاقت بذا، الحيل |
يا كاشف الضّرّ عمن طال صبرهم | على النّوائب ، لا مرّت بك العلل |
أطلقتهم من قيود الظّلم فانطلقوا | وكلّهم ألسن تدعو وتبتهل |
لو كان ينشر ميتا غير بارئه | نشرت، بعد الرّدى ، أرواح من قتلوا |
بغى عليهم علوج التّرك بغيهم | لم يشحذوا للوغى سيفا ولا صقلوا |
خانوهم وأذاعوا أنّهم نفر | خانوا البلاد بما قالوا وما عملوا |
يا للطّغام ! ويا بهتان ما زعموا | متى أساء إلى المخلب الحمل؟ |
أجدّكم ، كلّما جوّ خلا، ((أسد)) | وجدّكم ، كلّما شبت، وغى، ((ثعل))؟ |
قد جاء من يمنع الضّعفى ويرغمكم | إن تحملوا عنهم النّير الذي حملوا |
أمّنت (( أرمينيا)) مّما تحاذره | فلن تعيث بها الأوغاد والسّفل |
ظنّوك في شغل حتّى دهتهم | فأصبحوا ولهم عن ظنّهم شغل |
مزّقت جمعهم تمزيق مقتدر | على المهنّد ، بعد اللّه، يتّكلى |
فهم شراذم حيرى لا نظام لها | كأنّهم نور الآفاق أو همل |
ألسنتهم ثوب عار لا تطهّره | نار الجحيم ولو في حرّها اغتسلوا |
((جاويد)) فوق فراش الذّلّ مضطجع | و((طلعت)) برداء الخوف مشتمل |
أتستقر جنوب في مضاجعها | وفي مضاجعها الأرزاء والغيل؟ |
وتعرف الأمن أرواح تروّعها | ثلاثة : أنت والنّيران والأسل؟ |
لو لم تقاتلهم بالجيش قاتلهم | جيش بغير سلاح إسمه الوهل |
أجريت خوف المنايا في عروقهم | فلن يعيش لهم نسل إذا نسلوا |
قد مات كهلهم من قبل ميتته | وشاخ ناشئهم من قبل يكتهل |
وقد ظفرت بهم والرّأس مشتعل | كما ظفرت بهم والعمر مقتبل |
فتح تهلّت الدّنيا به فرحا | فكلّ ربع، خلا ((أستانة)) جذل |
الشّعب مبتهج، والعرش مغتبط | وروح جدّك في الفردوس تحتفل!.. |