حكاية حال
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
هجرت القوافي ما بنفسي ملالة | سواي ، إذا اشتدّ الزّمان، ملول |
ولكن عدتني أن لأقول حوادث | إذا نزلت بالطود كاد يزول |
وبغّضني الأشعار أنّ دعاتها | كثير ، وأنّ الصّادقين قليل |
وأنّ الفتى في ذي الرّبوع عقاره | وأمواله والباقيات فضول |
سكتّ سكوت الطّير في الرّوض بعدما | ذوى الرّوض واجتاح النّبات ذبول |
فما هزّني إلاّ حديث سمعته | عن الغيد كالغيد الحسان جميل |
فما أنا في هذي الحكاية شاعر | ولكن كما قال الرّواة أقول |
فتّى من سراة النّاس، كلّ جدوده | سريّ، كريم النّبعتين، نبيل |
قضى في ابتناء المكرمات زمانه | ينال ويرجوه السّوى فينيل |
فدكّ مباني غزّه الدّهر بغتة | وقلّم منه الظّفر فهو كليل |
هوى مثلما يهوي إلى الأرض كوكب | كذاك اللّيالي بالأنام تدول |
وكان له الدّهر بطش وصولة | فأعوزه، عند البلاء، خليل |
تفرّق عنه صحبه فكأنّما | به مرض ، أعيا الأساة ، وبيل |
وأنكره من كان يحلف باسمه | كما ينكر الدّين القديم عميل |
فأصبح مثل الفلك في البحر ضائعا | يميل مع الأمواج حيث تميل |
يكاد يمدّ الكفّ لولا بقيّة | من الصّبر في ذاك الرّداء تجول |
زوى نفسه كي لا يرى النّاس ضرّه | فيشمت قال أو يسرّ عذول |
بدار... أناخ البؤس فيها ركابه | وجرّت عليها للخراب ذبول |
مهدّمة الجدران مثل ضلوعه | بها اليأس ضمت والسّقام يحول |
إذ ما تجلّى البدر في الأفق طالعا | رعاه ، إلى أن يعتريه أفول |
حبال الأماني عند قوم شعاعه | ولكنّه في مقلتيه نصول |
فيا عجبا حتّى النّجوم تضّلّه | وفي نورها للمدلحين دليل |
وهل تهتدي بالبدر عين قريحة | عليها من الدّمع السّجين سدول؟ |
غفا الناس، واستولت عليهم سكينة، | فما باله استولى عليه ذهول؟ |
تأمّل في أحزانه وشقائه | فهان عليه العيش وهو جميل |
فمدّ إلى السّكين كفا نقيّة | أبت أن يراها تستغيث بخيل |
وقرّبها من صدره ثمّ هزّها | وكاد بها نحو الفؤاد يميل |
وإذ شيح يستعجل الخطو نحوه | وصوت لطيف في الظّلام يقول: |
رويدك، فالضّنك الذي أنت حامل | متى زال هذا اللّيل سوف يزول |
نعم؛ هي إحدى محسنات نسائنا | ألا إنّ أجر المحسنات جزيل |
أبت نفسها أن يكحل النّوم جفنها | وجفن المعنّى بالسّهاد كحيل |
وأن تتولّى الابتسامات ثغرها | وفي الحي مكلوم الفؤاد عليل |
فألقت إليه صرّة وتراجعت | وفي وجهها نور السّرور يجول |
فلم تتناقل صنعها ألسن الورى | ولا قرعت في الخافقين طبول |
لا أحسنت كي تعلن الصّحف إسمها | فتعلم جارات لها وقبيل |
كذا فليواس البائسين ذوو الغنى | وإني لهم بالصّالحات كفيل |
فإن القصور الشّاهقات إذا خلت | من البّر والإحسان فهي طلول |
وخير دموع الباكيات هي التي | متى دمع البائسين تسيل! |
ألا إن شعبا لا تعزّ نساؤه | وإن طار فوق الفرقدين ، ذليل |
وكلّ نهار لا يكنّ شموسه | فذلك ليل حالك وطويل |
وكلّ سرور غيرهنّ كآبة | وكلّ نشاط غيرهنّ خمول |