العنقاء
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أنا ليست بالحسناء أول مولع | هي مطمع الدنيا كما هي مطمعي |
فاقصص علّي إذا عرفت حديثها | واسكن إذا حدّثت عنها واخشع |
ألمحتها في صورة ؟أشهدتها | في حالة؟ أرايتها في موضع؟ |
إني لذو نفس تهيم وإنها | لجميلة فوق الجمال الأبدع |
ويزيد في شوقي إليها أنها | كالصّوت لم يسفر ولم يتقنّع |
فتّشت جيب الفجر عنها والدّجى | ومددت حتى للكواكب إصبعي |
فاذا هما متحيران كالاهما | في عاشق متحير متضعضع |
وإذا النجوم لعلمها أو جهلها | مترجرجات في الفضاء الأوسع |
رقصت أشعتها على سطح الدجى | وعلى رجاء فيّ غير مشعشع |
والبحر... كم سائلته فتضاحكت | أمواجه من صوتي المتقطّع |
فرجعت مرتعش الخواطر والمنى | كحمامة محمولة في زعزع |
وكأنّ أشباح الدهور تألبت | في الشطّ تضحك كلّها من مرجعي |
ولكم دخلت إلى القصور مفتشا | عنها ، وعجت بدراسات الأربع |
إن لاح طيف قلت: يا عين انظري، | أو رنّ صوت قلت: يا أذن اسمعي |
فإذا الذي في القصر مثلي حائر | وإذا الذي في القفر مثلي لا يعي |
قالوا: تورّع ، إنها محجوبة | إلاّ عن المتزهّد المتورّع |
فوأدت أفراحي وطلّلقت المنى | ونسخت آيات الهوى من أضلعي |
وحطمت أقداحي ولما أرتو | وعففت عن زتدي ولما أشبع |
وحسبتني أدنو إليها مسرعا | فوجدت أني قد دنوت لمصرعي |
ما كان أجهل نصّحي وأضلّني | لما أطعتهم ولم أتمنّع |
فكأنني البستان جرّد نفسه | من زهرة المتنوّع المتضوّع |
ليحس نور الشمس في ذرّاته | ويقابل النسمات غير مقنّع |
فمشى عليه من الخريف سرادق | كالليل خيّم في المكان البلقع |
وكأنني العصفور عرّى جسمه | من ريشه المتناسق المتلمّع |
ليخفّ محمله، فخرّ إلى الثرى | وسطا عليه النمل غير مروّع |
وهجعت أحسب أنها بنت الروءى | فصحوت أسخر بالنيام الهجّع |
ليست حبورا كلها دنيا الكرى | كم مؤلم فيها بجانب مفزع |
تخفي أمانّي الفتى كهمومه | عنه ، وتحجب ذاته في برقع |
ولربما التبست حوادث يومه | بالغابر الماضي وبالمتوقّع |
يا حبّذا شطط الخيال وإنما | تمحي مشاهده كأن لم تطبع |
لما حلمت بها حلمت بزهرة | لا تجتنىء، وبنجمة لم تطلع |
ثم انتبهت فلم أجد في مخدعي | إلا ضلالي والفراش ومخدعي |
من كان يشرب من جداول وهمه | قطع الحياة بغلة لم تنقع |
ذهب الربيع فلم تكن في الجدول | الشادي، ولا الروض الأغنّ الممرع |
وأتى الشتاء فلم تكن في غيمه | الباكي، ولا في رعده المتفجع |
ولمحت وامضة البروق فخلتها | فيها، فلم تك في البروق اللمّع |
صفرت يدي منها وبي طيش الفتى | وأضلني عنها ذكاء الألمعي |
حتى إذا نشر القنوط ضبابه | فوقي ، فغيّبني وغيّب موضعي |
وتقطّعت أمراس آمالي بها | وهي التي من قبل لم تتقطّع |
عصر الأسى روحي فسالت أدمعا | فلمحتها ولمستها في أدمعي |
وعلمت حين العلم لا يجدي الفتى | أنّ التي ضيّعتها كانت معي! |