طبيبي الخاص
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
بتّ أرعى في الظلام الأنجما | ليس للعشّاق حظّ في الكرى |
صرعتني نظرة حتى لقد | كدت أن أحسد من لا يبصر |
نظرة قد أورثت قلبي الكمد | ما بلاء القلب إلاّ النّظر |
لا رعاك الله يا يوم الأحد | لا ولا حيّاك عنّي المطر |
أنت من أطلعت هاتيك الدّمى | سافرات فتنة للشّعرا |
همت فيمن حسنت صورتها | مثلما قد حسنت منها الخصال |
أخجلت شمس الضحى طلعتها | و استحى من لحظها لحظ الغزال |
كلّ ما فيها جميل يشتهى | ما بها عيب سوى فرط الجمال |
لو رآها لائمي فيها لمّا | لامني في حبّها بل عذارا |
ذات حسن خدّها كالورد في | لونه و الطيّب في نكهته |
زهرة لكنّها لم تقطف | و جمال الزّهر في روضتيه |
درّة ما خرجت من صدف | ترخص الدّرّ على قيمته |
بضّة الخدّين و النّهدين ما | سفرت إلاّ رأيت القمرا |
ذات شعر مسبل كالأفعوان | يتهادى فوق ردف كالكثيب |
و قوام لو رآه الغصن بان | خجلا من ذلك الغصن الرّطيب |
كاد لولا ما به من عنفوان | يقف الورق به و العندليب |
و جفون أشبهتني سقما | كمن السّحر بها و استترا |
تبعث الحبّ إلى الخليّ | و هو لا يدري و لا يستشعر |
و الهوى في بدئه عذب شهيّ | كلّ شيء بعده محتقر |
كلّ من لا يعرف الحبّ شقيّ | لا يرى في دهره ما يشكر |
يصرف العمر و لكن سأما | عبثا يطلب أن لا يضجرا |
لم أكن أعرف ما معنى الهنا | قبل أن أعرف ما معنى الغرام |
يضحك النّاس سرورا و أنا | عابس حتى كأنّي في خصام |
عجبوا منّي و قالوا علنا | قد رأينا الصّخر في زيّ الأنام |
أوشكوا أن يحسبوني صنما | لو رأوا الأصنام تخفي كدرا |
لم أزل في ربقة اليأس إلى | أن أعاد الحبّ لي بعض الرّجا |
كنت قبل الحبّ أسري في ظلا | م و لا ألقى لنفسي مخرجا |
فجلاه الحبّ عنّي فانجلى | مثلما يجلو سنا الشمس الدّجى |
بات قلبي بالأماني مفعما | و هو قبلا كان منها مقفرا |
روّعتني بالنّوى بعد اللّقاء | و كذا الدّنيا دنو و افتراق |
غضب الدّهر على كأس الصّفاء | مذ رآها فأبى ألاّ تراق |
و لو أنّ الدّهر يدري بالشّقاء | ساعد الصبّ على نيل التلاق |
لم أجد لي مشبها تحت السما | في شقائي ، لا ولا فوق الثّرى |
و أبي لو أن ما بي بالجبال | أصبحت تهتزّ من مرّ النسيم |
فاعذروني إن أكن مثل الخيال | و اعذلوني إن أكن غير سقيم |
إنّ دائي جاء من صاد ودال | و دواء القلب في ضاد و ميم |
بات صبري مثل جسمي عدما | إنّما يصبر من قد قدرا |
ربّ ليل عادني فيه السّهاد | و نأى عن مقلتي طيب الكرى |
هاجت الذّكرى شجونا في الفؤاد | فبكى طرفي عقيقا أحمرا |
نبّه الأهل بكائي و العباد | فأتوا يستطلعون الخبرا |
قلت داء في الفؤاد استحكما | كاد قلبي منه أن ينفطرا |
صدّقوا ما قلته ثمّ مضى | واحد منهم يستدعي الطبيب |
سار و الكلّ على جمر الغضا | و أنا بين أنين و نجيب |
لم يكن إلاّ كبرق و مضا | و إذا ( الدكتور ) من مهدي قريب |
قال للجمهور ماذا الاجتماع | أخرجوا أو زدتموه خطرا |
خرج الكلّ فأمست غرفتي | مثل قلب الطفل أو جيب الأديب |
فدنا يسألني عن علّتي | و أنا أسمع لكن لا أجيب |
فنضا الثّوب فأبصرت التي | كاد جسمي في هواها أن يغيب |
خلعت عنها لباس الحكما | فرأت عيناي بدرا نيّرا |
و اعترتني دهشة لكنّها | دهشة ممزوجة بالفرح |
كدت أن أخرج عن طزر النّهى | ربّ سكر لم يكن من قدح |
يا لها من ساعة لو أنّها | بقيت كالدّهر لم تستقبح |
عانقتني و أنا أبكي دما | و هي تبكي لبكائي دررا |
و جعلنا بعد أن طال العناق | تتناجى بأحاديث القلوب |
بينما نحن على هذا الوفاق | قرع الباب فأوشكنا نذوب |
فأشارت لي قد حان الفراق | فاقطعنا وارتدّت ثوب الطبيب |
أقبل القوم فقالت كلّ ما | كان يشكو منه عنه قد سرى |