الفقير
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
همّ ألم به مع الظلماء | فنأى بمقلته عن الاغفاء |
نفس أقام الحزن بين ضلوعه | والحزن نار غير ذات ضياء |
يرعى نجوم الليل ليس به هوى | ويخاله كلفا بهنّ الرائي |
في قلبه نار (الخليل) وانما | في وجنتيه أدمع (الخنساء) |
قد عضة اليأس الشديد بنابه | في نفسه والجوع في الاحشاء |
يبكي بكاء الطفل فارق أمه | ما حيلة المحزون غير بكاء! |
فأقام حلس الدار وهو كأنه | -لخلو تلك الدار_ في بيداء |
حيران لا يدري أيقتل نفسه | عمدا فيخلص من أذى الدنياء |
أم يستمر على الغضاضة والقذى | والعيش لا يحلو مع الضراء |
طرد الكرى وأقام يشكو ليله | يا ليل طلت وطال فيك عنائي |
يا ليل قد أغريت جسمي بالضنا | حتى ليؤلم فقده أعضائي |
ورميتني يا ليل بالهم الذي | يفري الحشا، والهم أعسر داء |
يا ليل مالك لا ترق لحالتي | أتراك والأيام من أعدائي؟ |
يا ليل حسبي ما لقيت من الشقا | رحماك لست بصخرة صماء |
بن يا ظلام عن العيون فربّما | طلع الصباح وكان فيه عزائي |
وارحمتا للبائسين فانهم | موتى وتحسبهم من الاحياء |
إني وجدت حظوظهم مسودّة | فكأنما قدت من الظلماء |
ابدأ يسر الزمان ومالهم | حظ كغيرهم من السرّاء |
ما في أكفهم من الدنيا سوى | ان يكثروا الأحلام بالنعماء |
تدنو بهم آمالهم نحو الهنا | هيهات يدنو بالخيال النائي |
ابطر الأنام من السرور وعندهم | ان السرور مرادف العنقاء |
إني لاحزن ان تكون نفوسهم | غرض الخطوب وعرضة الارزاء |
أنا ما وقفت لكي اشبب بالطلا | مالي وللتشبب بالصهباء؟ |
لا تسألوني المدح أو وصف الدمى | إني نبذت سفاسف الشعراء |
باعوا لأجل المال ماء حيائهم | مدحا وبت أصون ماء حيائي |
لم يفهموا ما الشعر؛ إلا انه | قد بات واسطة إلى الاثراء |
فلذاك ما لاقيت غير مشبب | بالغانيات وطالب لعطاء |
ضاقت به الدنيا الرحيبة فانثنى | بالشعر يستجدي بني حواء |
شقي القريض بهم وما سعدوا به | لولاهم اضحى من السعداء |
نادوا علينا بالمحبة والهوى | وصدورهم طبعت على البغضاء |
ألفوا الرياء فصار من عادتهم | لعن المهيمن شخص كل مرائي! |
إن يغضبوا مما أقول فطالما | كره الأديب جماعة الغوغاء |
أو ينكروا أدبي فلا تتعجبوا | فالرمد طلوع ذكاء |
أو كلما نصر الحقيقة فاضل | قامت عليه قيامة السفهاء |
أنا ما وقفت اليوم فيكم موقفي | إلا لأنذب حالة التعساء |
عليّ احرّك بالقريض قلوبكم | ان القلوب مواطن الاهواء |
لهفي على المحتاج بين ربوعكم | يمسي و يصبح وهو قيد شقاء |
امسى سواء ليله وصباحه | شتان بين الصبح والامساء |
قطع القنوط عليه خيط رجائه | والمرء لا يحيا بغير رجاء |
لهفي! ولو أجدى التعيس تلهفي | لسفكت دمعي عنده ودمائي |
قل للغني المستعز بماله | مهلا لقد اسرفت في الخيلاء |
جبل الفقير أخوك من طين ومن | ماء، ومن طين جبلت وماء |
فمن القساوة ان تكون منعما | ويكون رهن مصائب وبلاء |
وتظل ترفل بالحرير أمامه | في حين قد امسى بغير كساء |
اتضن بالدينار في اسعافه | وتجود بالآلاف في الفحشاء |
انصر أخاك فان فعلت كفيته | ذلّ السؤال ومنة البخلاء |
أذوي اليسار وما اليسار بنافع | إن لم يكن أهلوه أهل سخاء |
كم ذا الجحود ومالكم رهن البلا | وبم الغرور وكلكم لفناء؟ |
ان الضعيف بحاجة لنضاركم | لا تقعدوا عن نصرة الضعفاء |
انا لا اذكّر منكم أهل الندى | ليس الصحيح بحاجة لدواء |
ان كانت الفقراء لا تجزيكم | فاللّه يجزيكم عن الفقراء |