فنون الوصف
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
كأنّي في روض أرى الماء جاريا | أمامي ، و فوقي الغيم يجهد بالنشر |
توهّمته هما فقلت له انجلي | فإنّ همومي ضاق عن وسعها صدري |
بربّك سر حيث الخلي فإنّني | فتى لا أرى غير المصائب في دهري |
فأقشع حتّى لم أشكّ بأنّه | أصاخ إلى قولي و ما شكّ في أمري |
رعى الله ذيّاك الغمام الذي رعى | عهودي و أولاني الجميل ولم يدر |
تظلّلت بالأشجار عند اختفائه | و يا ربّ ظلّ كان أجمل من قطر |
جلست أبثّ الزّهر سرّا كتمته | عن الناس حتّى صرت أخفى من السّرّ |
و لمّا شكوت الوجد تمايلت | كأنّ الذي أشكوه ضرب من الخمر |
و أدهشها صبري فأدهشني الهوى | دهشت لأنّ الزّهر أدهشها صبري |
و لمّا درت أنّي محبّ متيّم | بكت و بكائي كلّ ضاحك مفتر |
عجبت لها تبكي لمّا بي و لم يكن | عجيبا على مثلي البكاء من الصخر |
كأنّي بدر ، و الزهور كواكب ، | و ذا الروض أفق ضاء بالبدر و الزهر |
كأنّي و قد أطلقت نفسي من العنا | مليك لي الأغصان كالعسكر المجر |
فما أسعد الإنسان في ساعة المنى | و ما أجمل الأحلام في أوّل العمر ؟ |
و هاتفه قد أقلقتني بنوحها | فكنت كمخمور أفاق من السّكر |
ترى روّعت مثلي من الدّهر بالفرا | ق ، أم بدّلت مثلي من اليسر بالعسر |
بكيت و لو لم أبك مما بكت له | بكيت لمّا بي من سقام و من ضرّ |
و نهر إذا والى التجعّد ماؤه | ذكرت الأفاعي إذ تلوي على الجمر |
تحيط به الأشجار من كلّ جانب | كما دار حول الجيد عقد من الدّر |
و قد رقمت أغصانها في أديمه | كتابا من الأوراق ، سطرا على سطر |
كأنّ دنانير تساقط فوقه | و ليس دنانير سوى الورق النّضر |
كأنّي به المرآة عند صفائها | تمثّل ما يدنو إليها و لا تدري |
فما كان أدرى الغصن بالنظم و النثر ؟ | و ما كان أدرى الماء بالطّيّ و النّشر |
ذر المدح و التشبيب بالخمر و المهى | فإنّي رأيت الوصف أليق بالشعر |
و ما كان نظم الشّعر دأبي و إنّما | دعاني إليه الحبّ و الحبّ ذو أمر |
و لي قلم كالرّمح يهتزّ في يدي | إلى الخير يسعى و الرّماح إلى الشّر |
و تفتك هاتيك الأسنّة في الحشى | و يحيي الحشى إن راح بفتك بالخير |
إذا ما شدا بالطرس أذهب شدوه | هموم ذوي الشّكوى ووقر ذوي الوقر |
تبختر فوق الطرس يسحب ذيله | فقالوا به كبر ، فقلت عن الكبر |
لكلّ من الدنيا حبيب و ذا الذي | أشدّ به أزري و يعلو به قدري |
و يبقى به ذكرى إذا غالني الرّدى | حسب الفتى ذكر يدوم إلى الحشر |