مجاهد
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
قالوا قضى " موسى " فقلت قد انطوى | علم و أغمد صارم بتّار |
فتوشّت صور المنى و تناثرت | كالزّهر بدّد شملها الإعصار |
و كأنّما وتر الردى كلّ امريء | لمّا تولّى ذلك الجبّار |
جزعت لمصرعه البلاد كأنّما | قد غاب عنها جحفل جرّار |
و بكت " فلسطين " به قيدومها | إنّ الرزايا بالكبار كبار |
لمّا نعوه نعوا إلينا سيّدا | شرفت خلائقه و طاب نجار |
... | |
لبس الصّبا و نضاه غير مدنّس | كالنجم لم تعلق به الأوضار |
و مشى المشيب برأسه فإذا به | كالحقل فيه الزهر و الأثمار |
و تطاولت أعوامه ، فإذا به | كالطود فيه صلابة ووقار |
ترتدّ عنه العاصفات كليلة | ويزلّ عنه العارض المدرارا |
أوذي فلم يجزع ، وضيم فلم يهن | إنّ الكريم على الأذى صبّار |
صقلت مكافحة الشدائد نفسه | و الروض تجلو حسنة الأمطار |
فله من الشيخ الأصالة ، و الفتى | إقدامه ، إذ للفتى أوطار |
يتهيّب الفجّار صدق يقينه | و برأيه يسترشد الأحرار |
ما زال يزأر دون ذيّاك الحمى | كاللّيث ريع فما له استقرار |
و يجشّم النفس المخاطر هادئا | كيلا تلمّ بقومه الأخطار |
حتى استقرّ به الردى في حفرة | و خلا ، لغير جواده ، المضمار |
فاعجب لمن ملأ المسامح ذكره | تطويه في عرض الثرى أشبار ! |
... | |
أيّار مذكور بحسن صنيعه | ولئن تولّى وانقضى أيّار |
فاخدم بلادك مثل " موسى كاظم " | تسبغ عليك ثناءها الأمصار |
إنّ السنين كقليلها | إن لم تزن صفحاتها الآثار |
فاصرف عنانك في الشباب إلى العلى | برد الشبيبة كالجمال معار |
لا تقعدنّ عن الجهاد إلى غد | فلقد يجيء غد و أنت غبار |
ماذا يفيدك أن يكون لك الثرى | و لغيرك الآصال و الأسحار |
من ليس يفتح للنهار جفونه | هيهات يكحل مقلتيه نهار |
... | |
واحبب بلادك مثل " موسى كاظم " | حبّا به الإخلاص و الإيثار |
تضفر لرأسك من أزاهرها الربى | تاجا ، و تهتف باسمك الأغوار |
إيّاك ترمقها بمقلة تاجر | إن اتّجارك بالمواطن عار |
ودع المنافق لا تثق بعهوده | وطن المنافق فضّة و نضار |
مترجرج الأخلاق ، أصدق وعده | آل ، و خير هباته الأعذار |
يدنو إليك بوجهه متودّدا | و فؤاده بك هازيء سخّار |
هو حين يجري مع هواه خائن | و إذا سمت أخلاقه سمسار |
كم معشر خلناهم أنصارنا | فإذا هم لعداتنا أنصار |
رقد العدى فتحمّسوا ، حتى إذا | جدّ الوغى ركبوا العقاب و طاروا |
شرّ لمن الخصم اللّدود على الفتى | ألصاحب المتذبذب الخوّار |
وحذار أشراك السياسة إنّها | بنت أبوها الزئبق الفرّار |
فيها من الرقطاء ناقع سمّها | و لها نيوب الذئب و الأظفار |
ترد المناهل و هي ماء سائغ | و تعود عنها و المناهل نار |
ألكذب و التمويه خير صفاتها | و شعارها أن لا يدوم شعار |
لا تطلبنّ من السياسة رحمة | هي حيث طلّ دم و حلّ دمار |
ألصيد غيرك إن سهرت ، فإن تنم | فالصيد أنت و لحمك المختار |
يا قومنا !.. إنّ العدوّ ببابكم | بئس المغير على البلاد الجار |
و له بأرضكم طماعة أشعب | و رواغه ، و لكيده استمرار |
لا ترقدوا عنه فليس براقد | أفتهجعون و قد طمى التيّار ؟ |
إنّ الطيور تذود عن أوكارها | أتكون أعقل منكم الأطيار ؟ |
سيروا على آثار موسى و اعملوا | إن شئتم أن لا تضيع ديار |
زوروا ثراه قوّة | منه فكم أحيا الهوى التذكار |
قبر يفوح الطيب من جنباته | قبر الكريم خميلة معطار |
فإذا تمرّ عليه يوما نسمة | أرجت كأنّ حجارة أزهار |