شهرزاد...
إنَّ وجهَ الدُجى "أنيتا " تجلَّى | |
عن صباحٍ مِن مُقلَتيكِ أطَلا | |
وكأنَّ النجومَ ألقَيْنَ ظِلا | |
في غديرٍ مُّرقرَقٍ ضَحْضاحِ | |
بينَ عينيكِ نُهبةً للرياح | |
وغياضُ المُروج أهدَتكِ طَلا | |
إن هذا الطيرَ البليلَ الجَناحِ | |
المُدوِّي على مُتونِ الرياحِ | |
والذي أزعجَ الدُّجى بصَباحِ | |
عبَّ في الليل من " ثُغورِ " الأقاح | |
رشفَةُ مجَّ عِطرَها وتولّى | |
حيثُ هذا الرأسُ الجميلُ تدلّى | |
والفِراشُ الذي به يتمَلّى | |
وبحيثُ أرتدَّتْ هباءً نَثيرا | |
تملأ النفسَ والفضاءَ عبيرا | |
خِصِلاتٌ مِن شَعرِكِ الذَهبيِّ | |
كنتِ فيهِ الثرىَّ أيَّ ثرِيِّ | |
إسمعي ، إسمعي " أنيتا " فهنَّا | |
وهُنا ، صادِحٌ صَبا فتغنَّى | |
والطريق المهجورُ عادَ فرَنَّا | |
مِنْ جديدٍ ببعثِه يتهنَّى | |
فلقد دبَّتِ الحياةُ إليهِ | |
وتمشّى المعاوِدونَ عليه | |
إسمعي وقعَ رائِحينَ وغادي | |
وتَمَلَّيْ مِن الوُجودِ المُعاد | |
والقَطارَ المجَلَجلَ المُتهادي | |
في سُفوحٍ مُنسابَةٍ وَوِهادِ | |
إسمعي ، إسمعي " أنيتا " صَداهُ | |
تَجِدي عن صَدى الزّمانِ بديلا | |
وَتَرْينَ الدُّنيا تُجِدُّ رَحيلا | |
بالأمانيِّ غُدوةً وأصيلا | |
إنَّ وجهَ الدُجى " أنيتا " يُليحُ | |
والليالي في " شهرزَادَ " تَصيحُ | |
ههُنا ، ههُنا يَطيبُ الصَّبوحُ | |
حُلُمٌ رائِعٌ وطيفٌ لذيذُ | |
بهما اليومُ مِن غَدٍ يستعيذ | |
واللّيالي مِن اللّيالي تَلوذ | |
فطريدٌ مؤمَّل وأخيذ | |
حُلُمٌ رائعٌ كأن الخيالا | |
حينَ ضاقَت به الحياةُ مَجالا | |
مَلِّ أسفارَهُ فحطَّ الرِّحالا | |
ههُنا ، فهو عن سِواهُ صَدوفُ | |
وهو في أعيُنِ السُّقاةِ يَطوف | |
لِجِناحيهِ في الكؤوس رفيف | |
ورنينُ الأوتارِ منها حفيف | |
حَلُمٌ رائِعٌ وجوٌّ لطيفُ | |
والنَّدامَى على الكؤوسِ عُكوف | |
والأباريقُ نالَ منها النّزيف | |
غير أنَّا - ورُبَّ صفوٍ يُخيف - | |
ملكَ الذعرُ نفسَنا والفؤادا | |
ونسِينا حتى المُنى والمُرادا | |
وأبَحنْا للعاطِفاتِ القِيادا | |
أتُرى أنَّ هذه " الشهرَزادا " | |
ذكرَّتْنا أحلامُها " بغدادا " ؟ | |
يا حبيبي ! وهذه الأطيافُ | |
عن قريبٍ بيقظةٍ ستْداف | |
وإلى مثلها انقضتْ ، ستُضاف | |
يا حبيبي ! وهذه الأعطاف | |
تتثنَّى على الكؤوسِ دَلالا | |
كلُّ عِطفِ ، لولا الحياءُ لسالا | |
سوفَ تنهدُّ بعدَ حينٍ كلالا | |
حينَ تستامُها الحياةُ النضالا | |
حينَ تَلقى ما لا تُطيقُ احتِمالا | |
يا حبيبي : وهذه النظَراتُ | |
في مُذابِ الفُتورِ مُنكسِرات | |
والوجوهُ الحيِيَّةُ الخَفِرات | |
والنفوسُ الفيّاضةُ الخيِّرات | |
والشِفاهُ النديَّةُ العَطِرات | |
والشُعورُ المسترسِلاتُ انسيابا | |
وجفونٌ تستثقِل الأهدابا | |
والأكُفُّ التي تذوبُ انجِذابا | |
كلُّ خِصرٍ بكلِّ كفٍّ يَلفُّ | |
وشِفاهٌ على شِفاهٍ تَرِفّ | |
وقلوبٌ من صفوها تُستَشَفّ | |
كلُّ هذا ، وكلُّ ما غيرُ هذا | |
عن قليلٍ سيستطيرُ رُذاذا | |
فأفيقي فقد تَناهى المَطافُ | |
واستردَّتْ هِباتِها الألطاف | |
هاهُمُ العازِفونَ حولَكِ طافُوا | |
يستعيدونَ مِن صدى الأجيالِ | |
وحفيفِ الأحراشِ والأدغالِ | |
ما يَخالُون أنَّ في مُقلتيكِ | |
وارتجاجِ المُيول في وجنتيك | |
ونَثيرِ الجَديلِ عن جانِبيك | |
صِلةً بينه وبينَ الخَيالِ | |
لستُ ادري " أنيِتُ " كيف استحالا | |
وجهُكِ المستَظِلُّ بالأضواءِ | |
خافِتاتٍ كعاطفاتِ المُرائي | |
نغَماً سارِباً مع الأنغامِ | |
يا حبيبي ! وللنديم هُمومُ | |
يُقعِدُ " الكأسَ " ثِقلُها .. ويُقيم | |
يا حبيبي ! و " ليتَ .. " شيءٌ عَقيم | |
ليتَ أنَّ الحياةَ ظِلٌّ مُغيم | |
هكذا : | |
ليتَ أنَّ عَيشاً يدومُ | |
مثلَ هذا، | |
ليتَ " الشقاءَ " سَرابُ | |
يرتعي المرءُ ظِلَّه ويهاب | |
من بعيدٍ : | |
ليتَ " النعيمَ " شرابُ | |
كلما ألْهَبَ السَرابُ النّفوسا | |
نهلَتْ مِنهُ ، تستزيدُ الكؤوسا | |
ليتَ " دمعَ " الفجرِ الحزينِ الباكي | |
لفراقِ الدجى ، بعينِ الورودِ | |
وبذَوبِ الندى ، يعودُ فيرقا | |
ليتَ أنَّ " الظلامَ " برِتق فتقا | |
شقَّهُ الصبحُ في " الرُّبى " والسِّكاكِ | |
ليتَ أنَّ " الدُجى " يعودُ فيُسقى | |
من كؤوس الندمانِ ، والأقداحِ | |
ليت هذا الظلَّ الخفوقَ الجَناحِ | |
يرتمي فوقَها من المِصباحِ | |
مُشعِراً بانصرامِ حَبلٍ تبقَّى | |
من حبالِ الدُجى يعودُ فَيرقى | |
يا حبيبي راحَ " الظلامُ " يُداحُ | |
والأباريقُ ظِلّها ينزاح | |
عن مُغِذٍّ في سِيرِه ، وطليحِ | |
ومُباحٍ لحُكْمِها ومُبيح | |
و " ظِلالٌ " من الدمِ المسفوح! | |
بيد " الصُبحِ " في الفضاء الجريح ! | |
راعِشاتٌ على الثرى ، والحُقولِ | |
وعلى الجدولِ الرتيبِ المَسيل | |
في مُرَيْجٍ أهدى الصَباحُ إليه | |
قُبلةً تَخْلَعُ الدلالَ عليه | |
وتهادى النّسيمُ بين يديه | |
مُتْعَباً ، ناعساً ، بليلاً ، كسولا ! | |
لم يَجِدْ مثلَه الصباحُ رسولا | |
للِِقاء السنابلِ المُغْفياتِ | |
في دِثارٍ ضافٍ من الذِّكْرَيات؟ | |
ولإيقاظِ تلكمُ " المُغرِيات " ! | |
من صبايا الحُقول ، والفتيات! | |
سالِكاً ذلكَ السّبيلَ الجميلا | |
في ثنايا الثّيابِ والطيَّاتِ !! | |
و " ظِلالٌ " من الغُيومِ الرِّقاق | |
فوق خُضْرِ الربى ، وبينَ السواقي | |
تتلاقى بمَوعدٍ للتلاقي ! | |
بظلالٍ كأنّهُنَّ خيوطُ | |
يَتشابكنَ جَيْئَةً ، وَذهابا | |
من طيورِ تجمَّعت أسْرابا | |
يَتغازَلْنَ والصبا ، والضَّبابا | |
تتحدَّى قِناعَه وتُميطُ | |
يا حبيبي ، ورَغبتي ، ودليلي! | |
إنَّ لونَ الظلامِ حالَ فَحُولي ! | |
والدّراري بعدَ الصراعِ الطويل | |
وسنا الفجرِ | |
ينحدِرْنَ فُلولا | |
وبناتُ النَعْشِ المُقِلِّ القتيلا | |
يتَذوَّبنَ حسرةً وعويلا | |
ويُجَرِّرْنَ من حِدادٍ ذيولا | |
مُسبَلاتِ على المجرِّ الذليلِ | |
يا حبيبي ! مالَ الزمانُ فميلي | |
وأميلي بموضعِ التّقبيل! | |
يا حبيبي : لم يبقَ لي من مآبِ | |
من لُباناتِ هذه الأطياب | |
و " الظلامِ " المزعزعِ الأطناب | |
ومُجاجاتِ عِطْرهِ المُنساب | |
غيرُ هذا " الليلِ! " الفسيحِ الرِحاب | |
بين جَفنيكِ حارَ والأهداب | |
إي وعَيْنَيْكِ والخيالِ الشَّرودِ | |
إي وهذا الغورِ السحيقِ البعيد | |
بين مُوقَيْكِ يَسبقُ الأبعادا | |
إي و " صحراءَ " صَحصَحٍ .. تتنادى | |
عندها من " عوالِمٍ " أصداءُ | |
إي ولمحٍ ..! من السّنا يتهادى | |
فتسيرُ الاطيافُ والأهواء | |
خلفَه : | |
إي وصامتٍ كالجليدِ | |
ومدوٍّ كقاصفاتٍ الرّعود | |
منهما : | |
إي وذلك " الانسانِ " ! | |
هازئاً بالمَلاكِ ، والشيطانِ : | |
لامتدادُ الفضا ، وعنفُ الدياجي | |
وخِضَمٌ من بحرهِ العجّاج | |
دونَ هذا الطرفِ الكحيلِ الساجي | |
روعةً ، وانبساطةً واقتد | |
إي ، وعينيكِ حلفةً لا تُمار |