إلى الرّصافي
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
تمرَّستَ " بالأولى " فكنتَ المُغامِرا | وفكَّرتَ " بالأخرى " فكنتَ المُجاهِرا |
وفضَّلتَ عيشاً بين تلك وهذه | به كنتَ ، بل لولاهُ ، ما كنتَ شاعرا |
وما الشِّعرُ إلاَّ ما تفتَّقَ نُورهُ | عن الذهنِ مشبوباً ، عن الفكر حائرا |
عن النفس جاشت فاستجاشت بفيضها | عن القلبِ مرتجَّ العواطفِ زاخراً |
وما زجَّ في شتَّى المَهاوي بربِّه | وقحَّمهُ " النَهجينِ " قصداً ، وجائرا |
وما هو بالحبلِ الذي رُحتَ مرغِماً | " أوائلَه " أنْ تلتقي و " الأواخرا" |
وكنتَ جريئاً حين يدعوكَ خاطرٌ | مِن الفكر أن تدعو إليك المَخاطرا |
على ثقةٍ أنْ لستَ في الناس واجداً | على مِثله – إلاَّ القليلَ – مُناصراً |
وكنتَ صريحاً في حياتكَ كلِّها | وكانَ – ومازالَ – المصارِحُ نادراً |
فانْ شابَها ما لم تجدْ عنه نُدحةً | شَفَعْتَ به حُكم الظروف مُسايرا |
فقد كنتَ عن وحي الضرورةِ ناطقاً | وقد كنتَ عن محضِ الطبيعة صادراً |
وقد كنتَ في تلك " الأماديحِ " شاتماً | محيطاً " بأربابِ " القرائحِ كافرا |
وإلاَّ فأنتَ المانعُ الصُغرِ " عن يدٍ | أبتْ أنْ تُحلَّى في الجِنان أساورا" |
وإنَّكَ أنقى من نُفوسِ خبيثةٍ | تُراوِدُ بالصَّمت المريبِ المَناكرا |
تَعيبُ على الشِّعرِ التَّحايا رقيقةً | وتلثُم من " بغلٍ هجينٍ " حوافرا |
تُريدُ القوافي المؤنساتِ غفيفةً | وقد أشغرتْ – للفاحشاتِ – الضمائرا |
وتُنكر أنْ يُستنشقَ الشعرُ " نفحةً " | وقد فَغرتْ أشداقَها والمناخرا |
وتطوي على " أُمِّ الدَّنايا " مَباطناً | وتُلقي عليها من إباءٍ مظاهرا |
كما أسدلتْ ليلاً " هلوكٌ " مُلحَّةٌ | على مخدعِ العُهرِ الحريرَ ستائرا |
من العارِ أنْ نرضى التذبذبَ صامتاً | دنيئاً ، خبيثاً ، والغاً ، متصاغرا |
على حينَ نأبى أن تحرِّكَ شاعراً | ضرورةُ حالٍ بدَّلَتْ منه خاطرا |
وإنيّ إذْ أُهدي إليكَ تحيَّتي | أهزُّ بكَ الجْيلَ العَقوقَ المُعاصِرا |
أهزُّ بكَ الجيلَ الذي لا تهزُّه | نوابغُه ، حتى تزورَ المقابرا |