قصص أصحاب المشاريع الدعوية - مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
أجمع لك في هذه المساحة جملة من أصحاب المشاريع ممّن صنعوا تاريخاً، وتركوا أثراً، وبنوا لهم من الذكريات ما تأتي على آمالهم بعد سنين، من الرسل عليهم صلوات الله تعالى وسلامه، من زمن نوح إلى زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كلهم جاؤوا بأعظم مشروع إلى الدنيا (مشروع الدعوة إلى تعالى).1ـ أبي بن كعب الأنصاري (رضي الله عنه):
عاش لمشروعه (حفظ وضبط كتاب الله تعالى)، ولم يزل عاكفاً على مشروعه مهتماً به غارقاً في تفاصيله حتى وصل فيه للدرجة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم له: ( «إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن» ).
قال أبيُ: آلله سماني لك؟ قال: «نعم» ـ قال: وذكرت عند رب العالمين؟ قال: «نعم» ـ فذرفت عيناه.
وهو ممن جمع القرآن الكريم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مرة من المرات صدره قائلاً: (ليهنك العلم أبا المنذر).
2ـ حسان بن ثابت (رضي الله عنه):
كان مشروعه الذي عاش له (الشعر) حتى كان شاعر الدعوة في زمانه، وتقوت بمشروعه الدعوة، وشاع به دين الله تعالى في الأرض، وهزم به الأعداء هزائم نفسية في مواقف كثيرة، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( «أجب عني أيدك الله بروح القدس » ).
وقال له صلى الله عليه وسلم: ( «اهجهم وجبريل معك» ).
وقال صلى الله عليه وسلم في بيان أثر هذا المشروع ورفعة الدين، وهزيمة الباطل: (إنه أشد عليهم من وقع النبل).
3ـ عائشة بنت أبي بكر الصديق (رضي الله عنهما):
كان مشروعها الذي عاشت له حياتها (العلم) حتى بلغ مسندها (ألفين ومئتين وعشرة أحاديث).
قال الذهبي: ولا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من النساء ، بل ولا في النساء مطلقاً امرأة أعلم منها.
4ـ أبو هريرة (رضي الله عنه):
الصحابي الجليل صاحب مشروع عاش له لحظاته، وبذل فيه أوقاته، وأودع فيه كل ما يملك من جهد، وفي النهاية غادر أبو هريرة الدنيا، وظل مشروعه (حفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم)، نهراً دافقاً يجري في جسد الأمة، يحييها كل لحظة ويهتف بها إلى رحاب السنة النبوية كل حين.
عاش لمشروعه وحفظ الوحي، ولا يذكر نبيك صلى الله عليه وسلم اليوم في مجلس أو لقاء أو درس أو اجتماع إلا وبصحبته هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه.
5ـ البخاري (رحمه الله تعالى):
ومشروعه العمري (حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم)، بدأت رحلة مشروعه واستنهض همته له وهو في سن العاشرة، ولم يتركه حتى رحل من الدنيا وعمره اثنتان وستون سنة، وقضى في مشروعه ما يزيد على خمسين سنة.
لم يكن مشروع البخاري الذي تراه الأمة اليوم بهذا الحجم وليد لحظات باردة ...كلا، وإنما كان ضجيع التعب والهموم والمعاناة الكبرى، بلغ من عنايته بمشروعه أنه لم يدّون حديثاً واحداً في كتابة الصحيح حتى يغتسل ويصلي ركعتين، ولم يرحل صاحب المشروع حتى اعترف له أصحاب الشأن ورفقاء الدرب بلقب أمير المؤمنين في الحديث حتى قال ابن خزيمة واصفاً صاحب المشروع: (ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري).
وقال أبو جعفر: (فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموته ذهاب العلم).
وودع البخاري الدنيا وترك لنا صحيحة علامة شاهدة على روح مشروعه وأثره، ويكفيه شرفاً وقدراً ورفعة أن أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين الأمة ناطقاً في كل لحظة إلى قيام الساعة.
6ـ الحفاظ ابن حجر (رحمه الله):
ومشروعه (تأليف كتاب فتح الباري الذي شرح فيه صحيح البخاري ).
وقضى في مشروعه خمسة وعشرين عاماً، حتى قال الشوكاني رحمه الله: لا هجرة بعد (الفتح).
وها هي الأمة من تاريخ الحافظ إلى يومها هذا تعد (الفتح) أعظم المشاريع التي خُطت لبيان جلاله أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.
7ـ أبو حنيفة ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس الشافعي ، وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى:
الأئمة الأربعة الكبار، روّاد المشاريع، وصانعو التاريخ، وأصحاب المذاهب المشهورة والتي لا زالت الأمة تتعلم منهم، وتهتدي للحق من خلال مشاريعهم، وتمضي سالكة إلى ربها تعالى من خلال التفقه على مذاهبهم.
8ـ ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون (رحمه الله):
وقد قدم للأمة مشروعاً فكرياً كبيراً تمثل في كتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر).
ولأثر المشروع وأهميته في حياة الأمم اليوم رفع به ابن خلدون إلى كبار المفكرين حتى قيل عن مشروعه، عمل لم يقم بمثله إنسان في أي زمان ومكان.
9ـ محمد بن موسى الخوارزمي:
ومشروعه (علم الجبر) والذي يعرف باسمه إلى اليوم في بلاد الدنيا.
واعترف علماء الغرب قاطبة بأثره في علم الجبر، ووصفوه بأنه أعظم رياضي في عصره، بل عده بعضهم أعظم رياضي في كافة العصور...وهذا كله يدلك على عظم مشروعه في الأرض، وأثره في تحريك الحركة العلمية في الحياة.
10ـ جابر بن حيان (رحمه الله):
ومشروعه (علم الكيمياء) الذي برع فيه، وصرف له كل ما يملك من وقت وجهد وعناء، حتى صار هذا العلم يعرف به فيقال: علم جابر.
حتى قال عنه ابن خلدون: إمام المدونين ـ في علم الكيمياء ـ جابر بن حيان، حتى أنهم يخصونها به فيسمونها (علم جابر)، وله فيها سبعون رسالة.
وعُد صاحب المشروع أول من أدخل التجربة العلمية المخبرية في منهج البحث العلمي، وقد عكف على مشروعه واهتم به وعني بنجاحه، وكتب في مؤلفات، وترجمت هذه الكتب إلى اللغة اللاتينية، وظلت هذه الكتب هي المرجع الأوفى للكيمياء قريباً من ألف عام.