أجب أيُّها القلب
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ | مزاميرَ عزّافٍ ، أغاريدَ ساجعِ |
لِطافاً بأفواه الرُّواة ، نوافذاً | إلى القلب، يجري سحرهُا في المسامع |
تكادُ تُحِسّ القلبَ بين سُطورها | وتمسَحُ بالأردانِ مَجرى المدامع |
بَرِمْتُ بلوم الَّلائمين ، وقولِهم ْ : | أأنتَ إلى تغريدةٍ غيرُ راجع |
أأنتَ تركتَ الشعر غيرَ مُحاولٍ | أمِ الشعرُ إذ حاولتَ غيرُ مطاوع |
وهْل نضَبتْ تلك العواطفُ ثَرَّةً | لِطافاً مجاريها ، غِرارَ المنابع |
أجبْ أيّها القلبُ الذي لستُ ناطقاً | إذا لم أُشاورْهُ ، ولستُ بسامع |
وَحدِّثْ فانَّ القومَ يَدْرُونَ ظاهراً | وتخفى عليهمْ خافياتُ الدوافِع |
يظُنّونَ أنّ الشِّعْرَ قبسةُ قابسٍ | متى ما أرادُوه وسِلعةُ بائع |
أجب أيُّها القلبُ الذي سُرَّ معشرٌ | بما ساءهُ مِنْ فادحاتِ القوارِع |
بما رِيع منكَ اللبُّ نفَّسْتَ كُربةً | وداويتَ أوجاعاً بتلكَ الروائع |
قُساةٌ مُحبّوك الكثيرونَ إنَّهمْ | يرونكَ – إنْ لم تَلْتَهِبْ – غيرَ نافع |
وما فارَقَتْني المُلْهِباتُ وإنَّما | تطامَنْتُ حتّى جمرُها غيرُ لاذعي |
ويا شعْرُ سارعْ فاقتَنصْ منْ لواعجي | شوارِدَ لا تُصطادُ إنْ لم تُسارِع |
ترامْينَ بعضاً فوقَ بعضٍ وغُطّيتْ | شَكاةٌ بأخرى، دامياتِ المقاطع |
وفَجِّر قُروحاً لا يُطاقُ اختِزانُها | ولا هي مما يتقى بالمباضع |
ويا مُضْغَةَ القلبِ الذي لا فَضاؤها | برَحْبٍ ولا أبعادُها بشواسِع |
أأنتِ لهذي العاطفاتِ مفازَةٌ | نسائِمُها مُرْتْجَّةٌ بالزعازِع |
حَمَلْتُكِ حتَّى الأربعينَ كأنَّني | حَمَلْتُ عَدُوّي من لِبانِ المراضع |
وأرْعَيْتِني شَرَّ المراعي وبِيلةً | وأوْرَدْتِني مُسْتَوَبآتِ الشَّرائع |
وَعَّطْلت مِنّي مَنْطِقَ العقلِ مُلقياً | لعاطفةٍ عَمْيا زِمامَ المُتابِع |
تَلفَّتُّ أطرافي ألمُّ شتائتاً | من الذكرياتِ الذّاهباتِ الرواجع |
تحاشَيْتُها دَهْراً أخافُ انبعاثَها | على أنَّها معدودةٌ مِنْ صنائعي |
على أنَّها إذ يُعْوِزُ الشِّعْرَ رافِدٌ | تلوحُ له أشباحُها في الطلائع |
فمنها الذي فوقَ الجبينِ لوقعهِ | يدٌ ،ويدٌ بين الحشا والأضالع |
فمنها الذي يُبكي ويُضحِك أمرُهُ | فيفتُّر ثغرٌ عِنْ جُفونٍ دوامع |
ومنها الذي تدنو فتبعدُ نُزَّعاً | شواخِصُهُ مِثْلَ السَّرابِ المُخادع |
ومنها الذي لا أنتَ عنهُ إذا دَنا | براضٍ ولا منهُ – بعيداً – بجازع |
حَوى السِجنُ منها ثُلَّةً وتحدَّرَتْ | إلى القبرِ أخرى ، وهي أمُّ الفجائع |
وباءتْ بأقساهُنَّ كَفّي وما جَنَتْ | مِن الضُرِّ مما تَتَّقيهِ مسامعي |
ومكبْوتةٍ لم يشفَعِ الصَّفْحُ عندَها | مددتُ إليها مِنْ أناةٍ بشافِع |
غَزَتْ مُهجتي حتَّى ألانَتْ صَفاتَها | ولاثَتْ دمي حتى أضَرَّتْ بطابَعي |
رَبتْ في فؤادٍ بالتشاحُنِ غارِقٍ | مليءٍ ، وفي سمَّ الحزازاتِ ناقع |
كوامِنُ مِنْ حِقْدٍ وإثمٍ ونِقْمَةٍ | تَقَمَّصْنَني يَرْقُبْنَ يومَ التراجُع |
وُقْلتُ لها يا فاجراتِ المَخادِع | تَزَيَّيْنَ زِيَّ المُحصَناتِ الخواشع |
وقَرْنَ بصدْرٍ كالمقابر مُوحشٍ | ولُحْنَ بوجهٍ كالأثافيِّ سافِع |
وكُنَّ بريقاً في عُيوني ، وهِزَّةً | بجسمي ، وبُقْيا رَجفَةٍ في أصابعي |
وأرعَبْنَ أطيافي وشَرَدْنَ طائفاً | مِن النوم يَسري في العيون الهواجع |
ودِفْنَ زُعافاً في حياتي يُحيلُها | إلى بُؤرةٍ من قسوةٍ وتقاطُع |
وعلَّمْنَني كيفَ احتباسي كآبَتي | وكيفَ اغتصابي ضِحكةَ المُتَصانِع |
وثُرْنَ فظيعاتٍ إذا حُمَّ مَخْرَجٌ | وقُلْنَ ألسنا من نَتاجِ الفظائع |
ألسنا خليطاً مِنْ نذالةِ شامتٍ | وَفْجرَةِ غَدّارٍ وإمْرَةِ خانع |
تحلَّبَ أقوامٌ ضُرُوعً المنافِع | ورحتُ بوسقٍ من " أديبٍ " و " بارع " |
وعَلَّلتُ أطفالي بَشرِّ تعلِّةٍ | خُلودِ أبيهم في بُطونِ المجامع |
وراجعتُ أشعاري سِِجَّلاً فلم أجِدْ | بهِ غيرَ ما يُودي بِحِلْمِ المُراجِع |
ومُسْتَنْكرٍ شَيْباً قُبيلَ أوانهِ | أقولُ له : هذا غبارُ الوقائع |
طرحتُ عصا التِّرحالِ واعتَضتُ متْعباً | حياةَ المُجاري عن حياةِ المُقارِع |
وتابَعْتُ أبْقَى الحالَتْينِ لمُهجتي | وإنْ لم تَقُمْ كلْتاهُما بِمطامعي |
ووُقِّيتُ بالجبنِ المكارِهَ والأذى | ومَنْجى عتيقِ الجُبن كرُّ المَصارِع |
رأيتُ بعيني حينَ كَذَّبْتُ مَسْمَعي | سماتِ الجُدودِ في الحدود الضَّوارع |
وأمعنتُ بحثاً عن أكفٍُّ كثيرةٍ | فألفيتُ أعلاهُنَّ كَفَّ المُبايع |
نأتْ بي قُرونٌ عن زُهيرٍ وردَّني | على الرُّغمِ منّي عِلْمُهُ بالطبائع |
أنا اليومَ إذ صانعتُ ، أحسنُ حالةً | وأُحدوثةً منّي كغير مصانع |
خَبَتْ جذوةٌ لا ألهبَ اللهُ نارَها | إذا كانَ حتماً أنْ تَقَضَّ مضاجعي |
بلى وشكرتُ العْمرَ أنْ مُدَّ حَبْلُه | إلى أنْ حباني مُهلةً للتراجُع |
وألْفَيتُني إذ علَّ قومٌ وأنهلوا | حريصاً على سُؤرِ الحياةِ المُنازَع |
تمنَّيتُ مَنْ قاسَتْ عناء تطامُحي | تعودُ لِتَهْنا في رَخاءِ تواضعي |
فانَّ الذي عانَتْ جرائرَهُ مَحَتْ | ضَراعتُهُ ذَنْبَ العزيزِ المُمانِع |