يا بدرداجيَة الخطوب ..
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
هتفوا فأسنَدَتِ اليدانِ ضلوعي | وشَرِقتُ بالحسراتِ قبلَ دُموعي |
وأصَخْتُ سَمعاً للنُعاة وليتنَني | من أجل يومِكَ كنتُ غيرَ سميع |
قالوا تماثلَ للشِفاء بِشارةً | سَكَنت لها روحي وأُفرِخَ رُوعي |
وحَمِدْتُ أن المجدَ غيرَ مبُاحةٍ | ساحاتُه والبيتُ غيرَ صَديع |
حتى إذا طارَتْ بأجنحة الهنَا | والبشرِ نفسُ مُغرَّرٍ مخدوع |
أبَتِ القوارِعُ أن تُميلَ طريقَها | عني فعدت لسِنِّيَ المقروع |
خلعَ الرجاءَ وحل يأسٌ عابسٌ | جهمٌ مَحِلَّ مُنافسٍ مَخلوع |
وتقهقرَتْ زُمَرُ الأماني وانجَلَتْ | عَرَصاتُها عن مُثخَنٍ وصَريع |
فإذا بآمالي وما خادعنَنَي | كمؤمِّلٍ سَفَهاً سرابَ بَقيع |
وإذا بقلبي يستفيضُ نجيعُه | وإذا بعيني تَستَقي بنجيع |
كنا نشكِّكُ في البُكاء وصدِقِه | إذ كانَ أكثرهُ بغيرِ شَفيع |
ونَرىَ الصيانَةَ للدمُوع رجُولةً | حتى يُرَ ى سببٌ إلى التضييع |
فالآنّ تصدُق دمعةُ الباكي إذا | نَزَلتْ عليك وأنَّةُ الموجوع |
والآنَ ينزِل كلُّ طالبِ حاجةٍ | في قفرةٍ ليست بذاتِ زُروع |
والآنَ تفتَقِدُ البلادُ مُحنَّكاً | يُحتاجُ في التنفيذِ والتشريع |
والآن تَلتَمسُ العيونُ فلا ترى | أثراً لوجهٍ رائعٍ ومُريع |
يا قبرُ من لم يَمتَهِنْ بضَراعةٍ | باد عليك تضرُّعي وخُشُوعي |
يا بدرَ داجيةِ الخطوبِ ونورِها | أعزِزْ بانَّكَ غبتَ لا لِطلوع |
خلّفتَ بغداداً عليك حزينةً | تستقبِلُ الدنيا بوجهِ هَلوع |
تتجاوبُ الأسلاكُ في جَنبَاتها | بوميضِ بَرقٍ للنَعِيِّ سَريع |
ضَغَطَت هُنا كفٌّ على أزراره | تُنبي بخطبٍ في العراقِ فَظيع |
شَكَتِ السياسةُ فقدَ مُضطلِعٍ بها | فذٍّ بحلِّ المُشكلات ضَليع |
والساسةُ الاقطابُ بعدَك أعوَلَت | عن فقدِ فوّام بهم وقَريع |
مارستُ أصنافَ الرجال درايةً | من تابعٍ منهم ومن مَتبوع |
ونفَدتُ للأعماقِ من أطباعهم | إذ كنتُ بالأشكال غير قَنوع |
فاخترتُ لي من بينهم مجموعةً | ووجدتُك المختارَ في المَجموع |
لله درُّك من بِناء طبيعةٍ | من كلِّ أجزاءِ العُلا مصنوع |
مستشرفٍ يُعشِي العيونَ شُعاعُه | مُوفٍ على من رامَه مَرفوع |
كنتَ الشُّجاعَ طبيعةً وسجيةً | إذ ينهضُ الجبناءُ بالتشجيع |
كنتَ المقيمَ على التجارِبِ رأيَه | ويقيمهُ غِرٌ على المَسموع |
كنتَ الرزين إذا الحلُوم تطايَرتْ | وأُعيرَ أهل الصبرِ ثوبَ جَزوع |
واذا الخطوبُ استحكَمَتْ حلقاتُها | شنعاءُ تحصِب من تَرى بشنَيع َ |
كنت السَميذَعَ تنجلي بشُداته | ظلُماتُ مُسودِّ الرُواق هزيع |
صَقْرٌ يضيق مَطارُه بجناحه | حتى يخالُ الجوَّ غيرَ وسيع |
متفرِّدٌ يربو على أقرانه | باعزِّ سَمتٍ في السماءِ رَفيع |
ردَّتْ مخالبَها إليه فردَّها | حُمْراً مُقلَّمةً من التقريع |
نصَبَ القضاءُ لصيده أشراكَه | فهَوَى وكلُّ محلِّقٍ لوُقوع |
البيت بيتي أُسرِجتْ ساحاتُه | بشموعِ ممتدِحيه لا بشموعي |
فإذا أسِيت فحرقةٌ لقبيلةٍ | نكِبَت بأسيافٍ لها ودُروع |
أين المصبيحُ الذين كأنهم | زُهْرُ النجوم بغَيبة وطُلوع |
من كل رَكّاضٍ إلى غاياتِه | رَسْلاً بسرّ حدوده مدفوع |
ومُفوَّهٍ كالفحل عند هديره | فَذِّ البيان يفيضُ من يُنبوع |
هذي القُبور قصيدةٌ مفجوعةٌ | غنيِت قوافيها عن التقطيع |
لم ترمِ بي قَدَمي هنا إلاّ جَرَت | من ذِكرياتِ السالفينَ دموعي |
وكأنني بشخوصهم في مَحضرٍ | دانٍ ، بعيدٍ ، سائغٍ ، ممنوع |
شيئانِ تفتقرُ البلادُ إليهما | خِصبُ الرجال بها وخِصْبُ ربيع |
ملك الجميع حياة فذٍّ واحِدٍ | كان المصابُ به مُصابَ جميع |