إلى جنيف..
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ءلُقيتَ عُقيى الجهدِ والأتعابِ | ونزلت خيرَ مَحلِةٍ وجَناب |
ورَحلْتَ خير مُودَّع عن موطنٍ | حاميتَ عنه ، وأُبتَ خيرَ إياب |
ودفعتَ للدار الحصينةِ أمةً | وقَفَتْ سياستُها على الأبواب |
ولأنتَ خيرُ لسان صدقٍ ناطقٍ | عنها إذا صَمَتَتْ ، وخيرَ كتاب |
غابَ الاسود جِنيفُ سوفَ يَدوسُها | أسدٌ تقدِّرُه أسودُ الغاب |
رحْبُ الفؤادِ غداً تُجِلُّ مكانَهُ | أربابُ أفئدةٍ هناك رِحاب |
وهناك سوفَ تَرى النواظرُ مالئاً | كرسيَّهُ قُطباً من الأقطاب |
ملءَ العيون سماتُ أصيدَ طافحٍ | عزماً ، وملءَ السمع فصلُ خِطاب |
ومَلامحٌ مشبوبة هي وحدَها | وكَفى ، دليلُ نجابةِ الأعراب |
لله درُّك من خبير بارعٍ | يَزِنُ الأمورَ بحكِمةٍ وصَواب |
يُعَني بما تَلد الليالي حيطةً | ويُعِدُّ للأيام الفَ حساب |
متمكِّنٌ مما يريد يَنالهُ | موفورُ جأشٍ هادئُ الأعصاب |
يلتفُّ " كالدولاب " حول كوارثٍ | حَشَدت عليه تدورُ كالدولاب |
وإذا الشعوبُ تفاخَرَت بدُهاتها | في فضِّ مشكلةٍ وحَلِّ صِعاب |
جاء العراقَ مباهياً بسَمَيذَعٍ | بادي المَهَابة رائعٍ جَذّاب |
يُرضيك طول أناتهِ فاذا التوَى | فهو القديرُ الفذُّ في الإغضاب |
أملاعبَ الأرماح يومَ كريهةٍ | في السلمِ أنتِ ملاعبُ الألباب. |
أعجبِتُ منكِ بهمةٍ ورويَّةٍ | وأقلُّ إعجابِ امريءٍ إعجابي |
إن الذي سوّى دِماغَك خصَّة | من كل نادرةٍ بخير نِصاب |
لبّاسُ أطوار يَرىَ لتقلُّبِ الايام | مُدَّخِراً سِفاطَ ثياب |
يمشي إلى السر العميقِ بحيلةٍ | أخفى وألطَ من مَدَبَّ شراب |
يبدو بجِلبابٍ فانْ لم تَرضَه | يَنْزَعْه مُنسلاً إلى جِلباب |
قضت الظروفُ بما تُريد وغَُلِّبتْ | آراءُ مجتمِع القُوى غلاّب |
وعرفتَ كيف تَرى السياسةَ خطةً | عربيةَ الأوصاف والألقاب |
مشيَّتها عشراً وئيداً مشيها | باللطفِ آونةً وبالإرهاب |
وكشَفتَ كلَّ صحيفة مستورةٍ | وتركتَها عُرْياً بغير نِقاب |
وقتَلتَ أصناف الرجال درايةً | من مستقيمٍ في خطاهُ وكابي |
ومُعارِضٍ خَدَمَ البلادَ لغايةٍ | شَرُفت وآخرَ خائنٍ كذاب |
وكأنني بك إذ تقابلُ واحداً | منهم ، تريه غفلةَ المتغابي |
فاذا ادّعىَ ما ليس فيه أتيَتَه | فيما تُريد، بمَحضَرٍ وكِتاب |
لم تبقَ لولا فرطُ عزمِك ريبةٌ | أن العراق يسير نحو تَباب |
حتى وَقفْتَ به يمدُّ لهاتهُ | تَعَباً من الأثقال والأوصاب |
لا أدَّعي أنْ قد أتمَّ نموَّه | من كان أمسِ بشكلِ طِفل حاب |
فلَتِلك لبستْ بالبعيد منالُها | عن كلِّ شَعب طامحٍ وثّاب |
لكن أقولُ اريتَهُ مستقبَلا | لا بالعَديم سَناً ولا الخلاّب |
كالشُهد أوّلَ ما تذوَّقَه فمٌ | ما زالَ بين لُهاه طعمُ الصاب |
فاليوم هاهو ذا بظلِّك يحتَمِي | مثلَ احتماءِ العَين بالأهداب |
ان تشكُ ما قاسيتَ من إجهادةٍ | أو تَلقَ ما لاقيت من أتعاب |
فلقد طَلَبَتَ منالَ أمرٍ لم يكُنْ | ليُنالَ إلا من رؤوس حِراب |
اليومُ يومُ تَفاهمٍ بالرَغم مِن | أني أحِبُّ تَطاحُنَ الأحزاب |
وسياسةٍ سلبيةٍ لو أثمَرَتْ | فيها نجحُ رغائبٍ وطِلاب |
وخيانةٌ ان لا يقدِّرَ مخلِصٌ | تدعو سياستُهُ إلى الإِضراب |
لكن إذا لم تَبقَ إلا مِيتة | أو أختُها فسياسةُ الإِيجاب |
ما يأخذُ المصنوعُ حبلَ وريده | ما بينَ ظُفْْرِ عدوِّهِ والناب |
أني هززتُكَ بالقوافي قاصداً | بكَ خدمةَ التاريخِ والآداب |
لولا محيطٌ بِتُّ من نَزَعاته | وتضارب الآراءِ كالمرتاب |
أطنَبتُ في غصَصٍ لديَّ كثيرةٍ | تبيانُها يدعو الى الإِطناب |
لي حقُّ تمحيص الأمورِ كواحدٍ | من سائر الشعراء والكُتاب |
فاذا أصبَتُ فخَصْلةٌ محمودةٌ | واذا زَلِلتُ فلستُ فاقدَ عاب |
فلطالما حابَيتُ غير مصارحٍ | ولطالما صارحتُ غير مُحابي |
ولكم سَكَتُ فلا مصارحةٌ ولا | تمويهةٌ ، وقبَعْتُ في أثوابي |
أبغي المسائلَ محضةً ويعوُقني | عن ذلكم ، سببٌ من الأسباب |
وبلاءُ كلِّ مفكِّرٍ حزبيةٌ | تُلقي على الآراء ألفَ حِجاب |