شباب ضائع!..
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ذَخَرتُ لأحداثِ الزّمانِ يَراعا | يُجيد نِضالاً دونَها وقِراعا |
وأعددْتُه للطارئاتِ ذَخيرةً | يُزيحُ عن الشرِّ الكمينِ قناعا |
وألفيتُني في كلِّ خطبٍ يَنُوبُه | أُدافعُ عنه ما استطعتُ دِفاعا |
وما في يدي إلاّ فؤادي أنَرْته | لِيُلْقي على سُودِ الخطوبِ شُعاعا |
وكلّفْتُ نفسي أنْ تُحَقِقَ سُؤلْها | سِراعاً ، أو الموتَ الزؤامَ سراعا |
وما ذاك إلاّ كالمؤدّي رسالةً | رأى كَتْمَها حَيْفاً بها فأذاعا |
أهبتُ بشبانِ العراقِ وإنَّما | أردتُ بشعري أن أهيجَ سباعا |
أنفْتُ لهذا النشءِ بينا نُريده | طويلاً على صدّ الكوارثِ باعا |
يَدِبُّ الى البلوَى هزيلا كأنه | ربيبُ خُمولٍ نَشْأةً ورَضاعا |
فما استَنْهضتْ منه الرزايا عزائماً | ولا أحْكَمَ التجريبُ منهُ طباعا |
فلا هو بالجَلْدِ المُطيقِ احتمالها | ولا بالشُّجاعِ المستميتِ صراعا |
فكم زعزعٍ ما حرّكَتْ منه ساكناً | وكم فُرَصٍ عنّت له فأضاعا |
لقد طبقّ الجهلُ البلادَ وأطْبَقَت | على الصّمتِ شبانُ البلادِ جَماعا |
وإنَّك لا تَدري أنشءاً مهذباً | تَسوقُ الرزايا أم تسوقُ رعاعا |
بمصرَ ومصرٌ ما تزال طريدةً | شرى الظلمُ منها ما أراد وباعا |
دويُّ شبابٍ أرْجَفَ الجورُ وقعَه | وزعزعَ من بُنيانِهِ فتداعى |
لنا كلُّ هيئاتِ الشبابِ تَصَنُّعاً | وأزيائهم تمويهةً وخِداعا |
وليس لنا إلاّ التطاحنُ بيننا | عِراكاً على موهومةٍ ونزاعا |
هَلُمّوا الى النشء المثقّفِ واكشِفوا | حجاباً يُغَطّي سَوءةً وقناعا |
تروا كلَّ مفتولِ الذراعين ناهداً | قصيراً إذا جدَّ النّضالُ ذِراعا |
وكلَّ أنيقِ الثوبِ شُدَّ رباطُه | إلى عُنُقٍ يُعشي العيونَ لمَاعا |
يموعُ إذا مسّ الهجيرُ رداءه | كما انحلَّ شَمْعٌ بالصِلاء فماعا |
تراه خليَّ البالِ أن راح داهناً | وأن قد ذكا منه الأريجُ فضاعا |
وليس عليه ما تكاملَ زيُّه | إذا عَرِىَ الخَلْقُ الكثيرُ وجاعا |
وأن راحَ سوطُ الذُّلِ يُلهب أمةً | كراهِيَةً يستاقُها وطَواعا |
ولم تُشجِهِ رؤياً وسمعاً قوارعٌ | يسوء عياناً وقعُها وسَماعا |
وربَّ رءوسٍ بَرْزَةٍ عشّشت بها | خُرافاتُ جهلٍ فاشتكَيْنَ صُداعا |
وساوسُ لو حققّتَها لوجدتَها | من المهدِ كانت أذؤباً وضباعا |
بها نوّمَتَنْا الأمهاتُ تخوّفاً | وما أيقظتنا الحادثاتُ تِباعا |
ومُرّوا بأنحاءِ العراقِ مُضاعةً | وزوروا قرىً موبوءةً وبقاعا |
تروا من عِراقٍ ضاع ناساً تسوءكم | عراةٌ ، حفاةٌ ، صاغرين ، جياعا |
وإنَّ شباباً يرقَبُ الموتَ جائعاً | متى اسطاعَ عن حوْضِ البلاد دفاعا |
وإنَّ شباباً في التبذل غاطساً | متى كان درعاً للبلاد مَناعا |
غَزَتْ أمم الغربِ الحياةَ تُريدُها | وما زوُدَّت غيرَ الشبابِ متاعا |
رأى شعبه مُلكاً مُشاعاً لخيره | فأصبح مُلكاً للبلاد مشاعا |
إذا أصحرتْ للخطب كان شبابُها | حصوناً منيعاتٍ لها وقلاعا |
فقرَّبتِ الأبعادَ عزماً وِهمّةً | وأبدلَتِ الدهرَ المطاولَ ساعا |
ونحن ادّخَرْنا عُدّةً من شبابِنا | هزيلاً ومنخوبَ الفؤاد يراعا |
إذا ما ألّمت نكبةٌ ببلاده | مضى ناجياً منها وحلّ يفاعا |
زوى الشعبُ عنه خيرَه ورفاهَه | فلو سِيمَ فَلْساً بالبلاد لباعا |
يرى في الصناعاتِ احتقاراً ويزدهي | إذا طَمْأنَ التوظيفُ منه طماعا |
وها نحن في عصرٍ يَفيضُ صناعةً | نرى كلَّ من حاك الحصيرَ صناعا |
نقاوِمُ بالعود البوارِجَ تلتظي | ونعتاضُ عن حدّ البخارِ شِراعا |
كَرُبْتُ على حالٍ كهذي زريَّةٍ | أقول لأحلامٍ حلمتُ وَداعا |
على أنّني آسٍ لعقلٍ مهذَّبٍ | وقلبٍ شُجاعٍ أن يَروحَ ضياعا |
وَجَدْتُ جباناً من وَجدْتُ مُهذَّباً | وَجَدْتُ جهولاً من وَجَدتُ شُجاعا! |