في الموحي

مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أذّنَ الليلُ يا نبيَّ المشاعرْ | وغفتْ ضجّةٌ ونامت مَزاهرْ |
دَفَق العطرُ في صدور الروابي | مستجيشاً وفاض ملءَ المحاسر |
وسرتْ في الورود أنفاسُ ريّا | روحكَ العنبريِّ والوردُ ناضر |
قُمْ لموحاكَ في الدجى بين صحوا | نَ نديٍّ وبين سَهْوانَ ساكر |
يرقب البدرُ مطلعَ الروحِ من هِنْـ | ـنا، وتستقدم النجومُ البشائر |
طبعتْ ساعةُ التنزّل دنيا | كَ بوجدٍ كوجدِ هيمانَ ذاكر |
كلُّها بُدِّلتْ محاريبُ نشوى | تحت فيضٍ من روعة الوحيِ ماطر |
*** | |
رُبَّ صُلْبٍ من صخرها ظلّ يندى | وعَصيٍّ من عُودها لم يُعاسر |
نفض الصخرُ ما استحال به صَخْـ | ـراً صليباً من القُوى والعناصر |
وتخطّى حدودَه كلُّ معنًى | حجريٍّ وساوق اليدَ نافر |
ساعةً يخلد الرضا في ثوانيـ | ـها، ويحيا في كلِّ خفقةِ ناظر |
جَوُّها المعبديُّ يعْمُره الصَّمْـ | ـتُ بهمسٍ من الوساوس فاتر |
ويفور السكونُ فيه ويَدْوي | كدويِّ الظنونِ في قلب حائر |
قُمْ ونَفّضْ من ظلمة الأرضِ ساقَيْـ | ـكَ، وطِرْ في الشذا، عَدَتْكَ المخاطر |
خلِّ أهلاً وجافِ دنيا صحابٍ | وتنكَّبْ أخاً وجانِبْ مُعاشِر |
*** | |
وانقطعْ ساعةً أمدَّ وأَبْقى | عُمُراً بالجمال، والوحيُ عامر |
لحظةٌ منه بالزمان وأهليـ | ـهِ وأعمارِه إلى غير آخر |
ها هنا هيّأ الهوى لكَ مُلْكاً | قمريّاً على عروش الأزاهر |
دولةً من مواكب النورِ حفّتْ | عالماً من عرائس الشعرِ زاهر |
دولةً ما تزال من قُضُبِ الرَّيْـ | ـحانِ، تبني صوالجاً ومنابر |
نسج البدرُ تاجَها من أمانيـ | ـهِ، وأعلى لواءها بالمفاخر |
وعقدنا لها اللواءَ فلا الـمَلْـ | ـكُ بمَلْكٍ ولا الأميرُ بآمر |
قُمْ لموحاكَ في الدجى بين صحوا | نَ نديٍّ وبين سَهْوانَ ساكر |
ينفخِ اللهُ في مشاعركَ اليَقْـ | ـظى وجوداً فخمَ التصاويرِ فاخر |
ويفجّرْ لكَ الغيوبَ وينشرْ | بين عينيكَ عالماً من ذخائر |
فتخيّرْ وصِفْ وصَوّرْ رؤى الوَحْـ | ـيِ، وصُغْ واصنعِ الوجودَ المغاير |
*** | |
واهدِ تلكَ التي بنفسكَ منها | أرجاً من مُجاجة الحبِّ عاطرْ |
زَهَراً أنجبتْ حدائقُ جنّا | تٍ أفانينَه وروضة شاعر |
ينبت الحُبّ من شذاً منه مسكو | بٍ على القلب دافي المشاعر |
يَتطرّى به الفؤادُ ويَندى | كلُّ حسٍّ ويرتوي كلُّ خاطر |
يصنع القلبُ للهوى من معاني الـ | ـعِطرِ فيه مِمّا تصوغ الأزاهر |
ويُسوّي شخوصَه ويُجلِّيـ | ـها فنوناً مما يُصوّر ساحر |
فَجَرتْ في دمي نواسمُه النو | رَ، وماجت أنفاسُه في الخواطر |
فاهْدِها وحيَها، فكلُّ جميلٍ | يلتقي حسنُه بها في المصاير |