في الأربعين
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
زانَ العروبةَ هذا المُفرَدُ العَلَمُ | وقد تُخلِّدُ في أفرادِها الأُمَمُ |
وقد تَسيلُ دماء جَمَّة هَدَراً | وقد يُقَدَّرُ من دون الدماءِ دَم |
حَظٌّ من الموتِ محسودٌ خُصِصتَ به | والموتُ كالعيش مابين الورى قَسَم |
لولا سموُّ مفاداةٍ لما احتَفَلتْ | هذي المحافلُ فياضاً بها الألم |
لو كانَ غُنْمٌ لها ما هكذا ازدَحَمتْ | هذي الجموعُ التي للغُرْمِ تَزدَحِم |
إن تَنْتَفِضْ لا تجد كفٌّ لها سَعَةٌ | أو تَنقلْ لا تجِدْ أرضاً لها قَدَم |
يا أيُّها السادةُ الأحرارُ كلُّكم | للشَعب ان أعوزَتْه خِدمةٌ خَدَم |
هذي الضحيةُ في تبجيلها عِظَةٌ | ان الذي خَدَمَ الأوطانَ محتشِم |
ان البلادَ بمرصاد ومن سَفهٍ | ان تحسبوا الناسَ طراً لعبةً لكُم |
إن تنصُروها فان الشَعبَ منتصرٌ | أو تخذلِوها فان الشعبَ منتقم |
أو تُحتَقَرْ " وسيوف الهند مُغمَدةٌ | فقد نَظَرتُم إليها والسيوفُ دَم" |
حسبُ الظنينِ بوجدانٍ محاكمةٌ | بها تُزيَّفُ أو تُستَوضحُ التُهم |
حسب الفتى بيد التاريخِ مُحصيةً | ماقد جَنَتهُ يدٌ أو ما ادعاه فَم |
فاستغنِموا اللذَّةَ العُظمى مُخلَّدةً | في السعي فاللذةُ الدنيا هي الألَم |
تبقى من الشهوة العمياء سوأتُها | للمشتهينَ ويفنَى الحرصُ والنَهَم |
هل ابنُ سَعدونَ يُعفيني ويَعذِرُني | وهو الكريم نَماه مَعشَرٌ كَرُموا |
لم تأتِني من بليغِ القولِ قافيةٌ | إلا وأبلغُ منها عندَه شِيمَ |
من كل مرهوبةٍ صَعْبٌ تَقَحمَّها | كأنها البَحْرُ هَوْلاً حين يَقتَحم |
عبءٌ على الشعر ان تحصى بساحتِه | على الرجالِ مَساعيهم إذا عَظُموا |
وفي المفُاداةِ للأوطان مُعجِزةٌ | بها البَيانُ وان جوَّدتُ يصطدم |
عسى مُعَلَّقةٌ غرّاءُ ثامنةٌ | تُحصي مآثَركَ الغَرّا وتَنتظِم |
يا منظراً يَشتهِي فيه العَمى بَصَرٌ | ويانَعِيّاً عليه ُ يُحمَدُ الصَمَم |
بات العراقُ عليه وهو مُرتجفٌ | بأسره لأمانٍ وهي تنهدِم |
في ذمة الله حزنُ الشعب حينَ رأى | وديعةَ الله عند الشعب تُستَلم |
مألومةٌ غيرُ مشكورٍ لها سَهرٌ | على الحقوقِ ولا مَرعيّةٌ ذِمَم |
هل رايةُ الوطنِ المفجوعِ عالمةٌ | على مَن اشتملتْ والمِدفَع الضَخِم |
ان الذي فيكَ شعبٌّ هدَّ جانبَه | وأمةٌ قد أُضيعَتْ أيُّها العَلَم |
ان الذي فيك مرهوبٌ إذا احترَبوا | يومَ الخصامِ ومرضيُّ اذا احتكَمُوا |
أن الذي فيكَ حتى خصمهُ شغِفٌ | به وحتى من الأعداء مُحترم |
غُرُّ الفِعال إلى العَلْيا دلائلُه | حتى المماتِ عليه دلهُ الكَرَم |
مُستَأثِر بخِيار الخَصلتينِ إذا | خَيَّرتَه بين ما يُردى وما يَصيم |
زَها الوجودُ بذاك الوجهِ مفتخراً | واليوم يفخَر إذ يحظَى به العَدَم |
يا نبعةً عولجتْ دهراً فما انحطَمَتْ | ما كنتَ لولا يدُ الاقدار تَنحطِم |
ما ناشَ كفَّك من تياره بللٌ | لّما تحدّاك موجُ الموت يلتَطِم |
أبقيتَها حُرَّةً تمشي أناملها | يَمدُّهنَّ النُهى والنُبْلُ والهِمَم |
حتى اذا ما انتهت من حَشدِها جُمَلاً | أخفُّ من وقعهنَّ الصارمُ الخذِم |
فيهنَّ يشكو إلى الأملاكِ طاهرةً | روحٌ من البَشَر الأدنَينَ مُهتضَم |
رميتَ نفسَك في احضانِه فَرحاً | وجلَّلَ الشعبَ يومٌ حزنُه عَمَم |
براءةٌ لكَ عندَ الموسِعِيك أذىً | تُبينُ مالك من حقٍّ وما لَهُم |
نَمْ هادئاً غيرَ مأسوفٍ على زَمنٍ | يشقى بريءٌ ويَهنَا فيه متَّهَم |
قد أخجلَ الظالمينَ الناسَ مُحتشِمٌ | من نفسِه في سبيلِ الناسِ ينتقم |
أبا عليٍ سلامٌ كيف أنتَ؟ وهلْ | علِمتَ من بعدِك الأقوامُ كيفَ هم ؟ |
تَولَّتِ الأربعونَ السودُ تاركةً | جَفناً قريحاً وقلباً شفَّه الوَرَم |
ولو تقضَّتْ عليهم مثلها عَدَدا | من السنين لما مَلّوُا وما سَئِموا |
يُسلي التقادمُ عن ثُكْلٍ وعندهُمُ | ثُكْل عليه يُعينُ الجِدَّةَ القِدَم |
جُرْحٌ تَذُرُّ عليه غيرَ راحمةٍ | كفُّ السياسةِ مِلْحاً كيفَ يلتئم |
تأبَى ليومِكَ ان تنسَى ظَلامتَه | مظالِمٌ خَصمُنا فيها هو الحَكَم |
يُغري بتهييجه نقضٌ يجدُّ إذا | ما كاد حبلٌ من الآمال ينبرِم |
باسم ابنِ سَعدونَ فَاضتْ حرقةٌ طُويَتْ | دَهْراً وأعلَنَ شجوٌ كانَ يكتَتِم |
بالحزنِ يَفتتحُ الأقوالَ قائلُها | وبالسياسةِ والأجحافِ يَختَتم |
للثُكلِ ثُمَّ لأسبابٍ له اجتَمَعتْ | ملءَ النواظر دمعٌ والقلوبُ دَم |
وحسبُ ابناءِ هذا الشَعبِ موجدةٌ | أن يَستَغِلّوا به البَلوْى ويَغتَنِموا |
ماذا أقولُ فؤادي ملؤُه ضَرَمٌ | وهل تُوفِّي شُعوري حفَّه الكَلِم |
حراجةٌ بالأديبِ الحرِّ موقفُه | حيثُ الصراحةُ بالارهابِ تَصطدم |
بين الشعورِ وخَنقٌ مُسكِتٌ رَحِمٌ | في الرافدين فلا كُنّا ولا الرَحِم |
هذي المناصبُ ان كانتْ بها نِعَمٌ | للناس فهْيَ على آدابِنا نِقَم |
للشاعرينَ قُلوبٌ في تململها | هي البَراكينُ إذ تَهتاجُها الحِمَم |
لواعجٌ هي إنْ أبديتَها شَرَرٌ | يُصلي اللسانَ وانْ اخفيتَها سَقَم |
رسائلٌ لي مع الآهاتِ أبعثها | إذ لا اللسانُ يؤدّيها ولا القَلَم |
فليشهَدِ الناسُ طراً إنني خَجِلٌ | وليشهَدِ الناسُ طراً إنني بَرِم |
وليسمعِ الناسُ شكوىَ من له اجتمعتْ | غضاضةُ العيشِ والأرهاقُ والبِكَم |