الثورة العراقية
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
لعل الذي ولى من الدهر راجع | فلا عيش إن لم تبق إلا المطامع |
غرور يمنينا الحياة : وصفوها | سراب وجنات الأماني بلاقع |
نسر بزهو من حياة كذوبة | كما افتر عن ثغر المحب مخادع |
هو الدهر قارعه يصاحبك صفوه | فما صاحب الأيام إلا المقارع |
إلى ما التواني في الحياة وقد قضى | على المتواني الموت هذا التنازع |
ألم تر أن الدهر صنفان أهله | أخو بطنه مما يعد وجائع |
إذا أنت لم تأكل أكلت ، وذلة | عليك بأن تنسى وغيرك شائع |
تحدث أوضاع العراق بنهضة | ترددها أسواقه والشوارع |
وصرخة أغيار لإنهاض شعبهم | وإنعاشه تستك منها المسامع |
لنا فيك يانشء العراق رغائب | أيسعف فيها دهرنا أم يمانع |
ستأتيك يا طفل العراق قصائدي | وتعرف فحواهن إذ أنت يافع |
ستعرف ما معنى الشعور وكم جنت | لنا موجعات القلب هذي المقاطع |
بني الوطن المستلفت العين حسنه | أباطحه فينانة والمتالع |
يروي ثراه " الرافدان " وتزدهي | حقول على جنبيها ومزارع |
تغذيه أنفاس النسيم عليلة | تذيع شذاهن الجبال الفوارع |
أأسلمتوه وهو عقد مضنة | يناضل عن أمثاله ويدافع |
وقد خبروني أن في الشرق وحدة | كنائسه تدعو فتبكي الجوامع |
وقد خبروني أن للعرب نهضة | بشائر قد لاحت لها وطلائع |
وقد خبروني أن مصر بعزمها | تناضل عن حق لها وتدافع |
وقد خبروني أن في الهند جذوة | تهاب إذا لم يمنع الشر مانع |
هبوا أن هذا الشرق كان وديعة | " فلابد يوماً أن ترد الودائع " |
ويوم نضت فيه الخمول غطارف | يصان الحمى فيهم وتحمى المطالع |
تشوقهم للعز نهضة ثائر | حنين ظماء أسلمتها المشارع |
هم افترشوا خد الذليل وأوطئت | لأقدامهم تلك الخدود الضوارع |
لقد عظموا قدرا وبطشا وإنما | على قدر أهليها تكون الوقائع |
وما ضرهم نبوا السيوف وعندهم | عزائم من قبل السيوف قواطع |
إذا استكرهوا طعم الممات فأبطأوا | أتيح لهم ذكر الخلود فسارعوا |
وفي الكوفة الحمراء جاشت مراجل | من الموت لم تهدأ وهاجت زعازع |
أديرت كؤوس من دماء بريئة | عليها من الدمع المذال فواقع |
هم أنكأوا قرحا فأعيت أساته | وهم اوسعوا خرقا فأعوز راقع |
بكل مشب للوغى يهتدى به | كما لاح نجم في الدجنة ساطع |
ومما دهاني والقلوب ذواهل | هناك وطير الموت جاث وواقع |
وقد سدت الأفق العجاجة والتقت | جحافل يحدوها الردى وقطائع |
وقد بح صوت الحق فيها فلم يكن | ليسمع ، إلا ما تقول المدافع |
كمي مشى بين الكمات وحوله | نجوم بليل من عجاج طوالع |
يعلمهم فوز الأماني ولم تكن | لتجهله لكن ليزداد طامع |
وما كان حب الثورة اقتاد جمعهم | إلى الموت لولا أن تخيب الذرائع |
هم استسلموا للموت ، والموت جارف | وهم عرضوا للسيف ، والسيف قاطع |
بباخرة فيها الحديد معاقل | تقيها وأشباح المنايا مدارع |
وإن أنس لا أنس " الفرات " وموقفا | به مثلت ظلم النفوس الفظائع |
غداة تجلى الموت في غير زية | وليس كراء في التهيب سامع |
تسير وألحاظ البروق شواخص | إليها وأمواج البحار توابع |
تراها بيوم السلم في الحسن جنة | بها زخرفت للناظرين البدائع |
على أنها والغدر ملء ضلوعها | على النار منها قد طوين الأضالع |
مدرعة الأطراف تحمي حصونها | كمأة بطيات الحديد دوارع |
ألا لا تشل كف رمتها بثاقب | حشتة المنايا فهو بالموت ناقع |
من اللآء لا يعرفن للروح قيمة | سواء لديها شيب ورضائع |
فواتك كم ميلن من قدر معجب | كما ميل الخد المصعر صافع |
أتتها فلم تمنع رداها حصونها | وليس من الموت المحتم دافع |
هنالك لو شاهدتها حين نكست | كما خر يهوي للعبادة راكع |
هوت فهوى حسن وظلم تمازجا | بها وانطوى مرأى مروع ورائع |
فان ذهبت طي الرياح جهودنا | فعرضك يا أبناء يعرب ناصع |
ثبت وحسب المرء فخراً ثباته | " كما ثبتت في الراحتين الأصابع " |
ومحي لليل التم يحمي بطرفه | ثغوراً أضاعتها العيون الهواجع |
تكاد ، إذا ما طالع الشهب هيبة | تخر لمرآه النجوم الطوالع |
مدبر رأي كلف الدهر همه | فناء بما أعيا به وهو ظالع |
مهيب إذا رام البلاد بلفظة | تدانت له أطرافهن الشواسع |
" ينام باحدى مقلتيه ويتقي | بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع " |
يحف به كل أبن عم إذا رنا | إلى الحي ردت مقلتيه المدامع |
يرى أينما جال اللحاظ مهاجما | يصول وما في الحي عنه مدافع |
تثور به للموت أبية | وتأبى سوى عاداتهن الطبائع |
يطارحه وقع السيوف إذا مشى | كما طارح المشتاق في الأيك ساجع |
وقد راعني حول الفرات منازل | تخلين عن ألافها ، ومرابع |
دزائر من بعد الأنيس توحشت | وكل مقام بعد أهليه ضائع |
جرى ثائراً ماء الفرات فما ونى | عن العزم يوماً موجه المتدافع |
حرام عليكم ورده ما تزاحمت | على سفحه تلك الوحوش الكوارع |
هم وجدوا حول الفرات أمانياً | لطافاً أضلتها نفوس نوازع |
ولو قد أمدته السيوف بحدها | لغص بموار من الدم كارع |
ومهر المنى سوق من الموت حرة | بها يرخص النفس العزيزة بائع |
فلا توحدوه إنه يستمدكم | بأنفاسه تياره المتتالع |
على أي عذر تحملون وقد نهت | قوانينكم عن فعلكم والشرائع |
على رغم روح الطهر عيسى أذلتم | براء ذماء هونتها الفظائع |
فيا وطني إن لم يحن رد فائت | عليك فان الدهر ماض وراجع |
وأحلامنا منها صحيح وكاذب | وأيامنا منهن معط ومانع |
كما فرق الشمل المجمع حادث | فقد يجمع الشمل المفرق جامع |
وما طال عصر الظلم إلا لحكمة | تنبيء أن لابد تدنو المصارع |