أنتَ تملكُ الصكوكَ.. |
وأنا أملكُ القصائدَ.. |
ورغم ذلك فأنا أكثرُ سعادةً منكَ |
حياتُكَ: بنوكٌ، ومسابح من الفسيفساءِ، وسكرتيراتٌ أنيقاتٌ، وكونياك، وملاعق من ذهبٍ، وصفقاتٌ، ودم... |
وحياتي: شوارع من الريحِ، وكمبيالاتٌ مستحقّةٌ، وأصدقاءٌ، ومطرٌ، وخبزٌ منقوعٌ بالباقلاء... |
ورغمَ ذلك.. |
فأنا استطيعُ أنْ أضعَ رأسي على الوسادةِ وأَحْلُمُ |
أمّا أنتَ فلا تستطيع أنْ ترى غيرَ الكوابيسِ |
* |
أنا الشاعرُ عدنان الصائغ |
رأيتُ من الخنادق والمساطر والأكواخِ والمعسكراتِ |
أضعافَ ما رأيتهُ أنتَ.. من الصالوناتِ والسهراتِ والمطاعمِ الفخمةِ.. |
وبيديَّ هاتين،.. اللتين كثيراً ما خدشتا أصابعَكَ الناعمةَ |
وهما تُصَافِحانكَ... |
بيديَّ هاتين،.. |
حملتُ عشراتِ الجثثِ من ساحاتِ المعاركِ |
وبعتُ السجائرَ والصحفَ على أرصفةِ المدنِ.. |
ونقلتُ الصناديقَ، في مخازنِ الشالجيَّةِ،.. والطابوقَ والجصَّ، لبيوتِ الأثرياءِ.. |
وغسلتُ الصحونَ في المطاعمِ الرخيصةِ |
وعملتُ في المجاري والمقاهي والمكتباتِ |
من أجلِ لفّةِ همبركر... |
أستطيعُ أنْ أمضغَها مُلتذّاً |
وأنا أجوبُ الشوارعَ عائداً إلى البيتِ |
أمّا أنتَ... |
فما أكثر ما كنتَ تشكو المللَ والتخمةَ |
وأنتَ تنبشُ أسنانَكَ المنخورةَ |
بعيدانِ الثِقَابِ |
لتستخرِجَ... لحمَ الآخرين |
* |
أَعْرِفُ أنَّ في شرايينِكَ يجري ماءُ الكولونيا |
وفي شراييني شوارعُ من الوحلِ |
وأنَّ ثمنَ حذائِكَ |
يعادلُ أضعافَ راتبي من المجلّةِ |
ورغمَ ذلك.. |
فأنا أكثر سعادةً منكَ.. |
أستطيعُ أنْ أغمضَ عينيَّ |
لأرى حشداً من النجوم تَحُطُّ على سطحِ بيتِنا الطينيِّ |
وأنَّ بين أصابعي تترقرقُ آلافُ الينابيعِ |
وهي تنحدرُ إلى القرى |
ما الذي نفعلُ |
نحن الفقراءَ المنتشرين على أرصفةِ المدن |
الفقراء الذين لا نملك سوى التسكّعِ والطيبةِ والحبِّ |
ما أكثر ما نظرتَ إلينا بازدراء |
وأنتَ تمرقُ أمامنا بسيَّارتكَ الفارهة |
لقد قاتلنا بضراوةٍ.. |
من أجلِ أنْ يكونَ لنا وطنٌ، |
وشوارع، وشمسٌ، وأشجارٌ، وكرامةٌ، وخبزٌ، وقصائد |
وتاجرتَ بشراهةٍ |
من أجلِ أنْ يكونَ لكَ رصيدٌ |
وصكوكٌ وعمارات |
ماذا نفعل؟ |
إذا كنّا قد انشغلنا بهموم الوطن |
وانشغلتَ بهموم الصفقاتِ |
إذا كنّا قد غُصْنَا في طين الجبهاتِ.. حدَّ الركبِ |
وبقيتَ تتفرّجُ على ثيابنا المبقّعةِ بدمِ المعاركِ وغبارِ القنابلِ |
- من خللِ زجاجِ مكتبِكَ الأنيقِ – |
دون أنْ تَجْرُؤَ حتى على لمسِها |
ورغمَ ذلكَ، |
فأنتَ تستطيع أنْ تشتري القلاعَ والذممَ والشِقَقَ المكيَّفةَ |
ولكنَّك لن تستطيعَ أنْ تشتري حُلْمَ شاعرٍ |
وذلك ما يُؤرِّقُكَ طويلاً.. |
طويلاً جِدّاً.. |
* * * |