وبديعٍ من البدائع يَسْبي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
وبديعٍ من البدائع يَسْبي | كل عقلٍ ويطبيَّ كُلَّ طرْفِ |
وُفِيَ الحسنَ والملاحة َ حتى | ما يُوفِّيه واصفٌ حقَّ وصفِ |
قدحٌ كان للرشيد اصطفاه | خَلَفٌ من ذكوره غيرُ خَلفِ |
كفَم الحِبِّ في الحلاوة ِ بل أح | لى وإن لا يناغي بحرف |
صيغ من جوهرٍ مصفّى ً طباعاً | لا علاجاً بكيمياء مُصَفِّ |
تنفذُ العينُ فيه حتى تراها | أخطأتْهُ من رقَّة المستَشَف |
كهواءٍ بلا هباءٍ مَشوبٍ | بضياء أَرقِقْ بذاك وأصف |
وَسَطُ القدرِ لم يكبر لجرَّع | متوالٍ ولم يُصغِّر لرِشف |
لا عجولٌ على العقول جهولٌ | بل حليمٌ عنهنَّ في غير ضَعفِ |
يُمْتع الشاربين بالشُّرب فيه | وبلذَّات كلِّ قصفٍ وعَزفِ |
ما رأى الناظرون قدّاً وشكلاً | فارساً مثلَه على بطنِ كف |
ليس يخلو إذا تعاطاه قومٌ | من أكفٍّ يمْسحْنه بتحَفِّي |
ما رأوْهُ إلا اسُتِخفَّ حليمٌ | لم يكن قبل ذاك بالمستخَفِّ |
تُؤثرِ العينُ أن تَنزَّه فيه | عند قول الكرى لذي العين أغفي |
فيه نونٌ معقربٌ عطفَتْهُ | حكماءُ القيونِ أحسنَ عطف |
مثل عطفِ الأصداغ في وَجَناتٍ | من غزالٍ يُزهَى بحسنٍ وطرف |
ذَخرتْهُ لك العواقبُ عندي | يتخطاه كلُّ حينٍ وحتف |
فتمتعْ به وعِشْ في سرورٍ | ألفَ عامٍ ولستُ أرضى بألف |
ثم إني مشمِّرٌ من ثيابي | فمُلاقيكَ من عتابي بزحف |
أمِنَ العدلِ أن حُرمْتُ وغيري | من عطاياكَ بين غَرفٍ وجَرف |
عَمَّ من عَمَّ مدحُه الناس طرّاً | منك جودٌ سماؤه ذاتُ وكف |
وعداني أن أستخِصَّك مدحي | يابن يحيى وتلك خُطة ُ خسف |
ليس ترضى بما فعلتَ قوافٍ | أنت منها مصدِّرٌ ومُقفِّي |
مِدَحٌ فيك صنْتُها كلَّ صونٍ | تحت عِرضٍ ظَلِفْتَه كلَّ ظلفِ |
بعضها قد بدا وبعضٌ يُراعي | أن يُرى للعطاء موضعَ كشفِ |
لا تُكذِّب مَخيلة ً لك أضحتْ | يخطفُ الطرفَ لمعُها كلَّ خطفِ |
لُهوة ٌ أو فإسوة ٌ يابن يحيى | أتأسَّى بها فتُبرد لهفي |
رِش جناحي أوْ سمِّ لي مُستريشا | لك أضحى وريشُه غيرُ وحفِ |
وعليَّ فارطَ العتاب فإنِّي | واطىء ٌ من مَعاتبي كلَّ رضْف |
قائلٌ فيك للعدوِّ مقالاً | فيه كبْتٌ له وإرغامُ أنف |
أيهذا المُسائلي بعليٍّ | أنا طَبٌّ به فسائل وأحْفِ |
لعليٍّ في ذِروة المجد بيتٌ | لم يسقَّف سوى المساءِ بسقف |
شاد بنيانه إلى النجم جودٌ | يهدمُ المالَ باعتداء وعسفِ |
يا لقومٍ لجوده كيف يَبني | وهو سيلٌ وكلُّ سيل معفِّي |
لو تكون الجبالُ مالاً أو البح | رُ لغاداهما بنسفٍ ونزف |
هل تراه ومالهُ غيرُ نهبٍ | أم تراه وجاهُه غيرُ وقف |
ما يرى نُهزة ً من العُرفِ إلا | ثَقفتها يدُ امرىء ٍ منه ثَقْف |
قُذِفتْ خِيفة ُ الملامة منه | في فؤادٍ مشيَّع كلَّ قذف |
فهو ما شئتَ من جبانٍ شجاعٍ | آمنٍ راجِف الحَشا كل رجْفِ |
حاسرٍ للسِّلاح مجتابِ درعٍ | دون أدنى قوارِص القول زَعْفِ |
يتَّقي نفحة َ اللسانِ ويغشى | كلَّ طعن وكلَّ ضرب طِلَخفِ |
يَقْبلُ البخس في الثناء عليٌّ | ويكيل الجزاءَ كيلَ مُوفِّي |
ما أفترينا في مدحه بل وصفنا | بعض أخلاقه وذلك يكفي |
لو مدحناه بالذي ليس فيه | وقعَ المدحُ منه موقعَ قَرْفِ |
ولكُنَّا كناحِلي المسكِ عَرفا | من سواه مكانَ أطيبِ عَرِفِ |
ما لنا في مديحه غيرُ نظمٍ | للمساعي التي سعاها ووَصْفِ |
هذه غيبتي برغم عدوٍّ | يَغضفُ الأذْنَ دونها كلَّ غضفِ |
وبرغم اللُّهَى التي راغمتني | فهي عني مصروفة ٌ كلَّ صرفِ |
من يكن كهفُه سواك فحسبي | بك في النائبات من كلِّ كهفِ |