ألم تُسأل اليوم الظباءُ الكوانسُ
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
ألم تُسأل اليوم الظباءُ الكوانسُ | متى ظَعنتْ أشباهُهنَّ الأوانسُ |
لئن أضمرتْهُنَّ الحدوجُ ولن ترى | بدوراً بدتْ ليست لَهُنَّ حنادِسُ |
لَربَّت يومٍ جَلاَهُنّ لي ضُحى ً | وللأرض من وشي الربيع ملابس |
يَسُفن الخُزامى بين أكناف عازبٍ | غَذته الغواذي وهو بالماء راغسُ |
كَسَاهُ من النُّوار أبيضُ ناصعٌ | وأحمر قِنوانٌ وأصفرُ وارس |
تشب خزاماه إذا الشمسُ طَفَّلتْ | مصابيحُ لم يقبِس لها النار قَابس |
يُغَازلن منه روضة ً بعد روضة ٍ | زَرَابيُّها مبثُوثة ٌ والطَّنافس |
يظل بها النوار للشمس راكعاً | يَدورُ إذا دارت له وهو ناكس |
وتصرفُ أحياناً عن الشمس وجهَهُ | وجوهٌ تضاهي الشمس بل لا تجانس |
إذا الشمس يوماً قابلتهنَّ لم يكد | يُميزها مِنهُنَّ إلاّ المُقايس |
خرجن يُبارينَ الربيع وروضَهُ | بما هُنَّ من تلك البُرودِ لوابس |
يَرُدن خلال الروض واليومُ داجنٌ | على أنّ يوم الدَّجن مِنهن شَامس |
كأن العناقيدَ الجِعادَ تهدَّلتْ | بهنَّ على أعْجازهنَّ الفَرادس |
بدورٌ وكثبانٌ تُواصل بينها | غصونٌ رَوِيَّات المُتون مَوَائس |
غصونٌ غَذَاهُنَّ النعيم بمائه | ولم يُسقهنَّ الماء في الأرض غَارس |
حملن ثُدِيا لم يجدنَ بِدرَّة ٍ | ولم تَبْتذلهنَّ الأكفُّ اللوامس |
غرائر ما لم يدَّرين لريبة ٍ | نوائرُ من هُجْر الحديث شوامِس |
عليهنَّ من إحسانهنَّ ملابسٌ | طَواهرُ لم تعْلق بِهن المدانِس |
بأمثالهنَّ انقاد ذو الحلم للهوى | جَنيباً وأبكتهُ الرسومُ الدوارس |
بني طاهر ما من رأى ما بلغتُمُ | بمستنكرٍ أن يلمس النجم لامسُ |
إذا عُدِّدت آلاؤُكم آل طاهرٍ | أقرَّ بها منا مَسُوس وسائس |
بلغتم من العلياء والمجد رُتبة ً | طوى كشحه من رَامها وهو يائس |
ولِمْ لا وأثمانُ المعالي لديكُمُ | رِغابُ العطايا والنفوسُ النفائس |
مسامعكم نَصبٌ لداعي كريهة ٍ | تساقي المنايا رحلُها والفوارس |
وطوراً لملهوفٍ تَعرَّق لحمهُ | عن العظم ذؤبانُ الخطوبِ النَّواهسُ |
تَجيبون كلتا الدَّعْوتين كأنكمْ | غيوثٌ وأحياناً ليوثٌ عنابسُ |
لأيديكُمُ في الموْطنين كليهما | نقائذُ من أيدي الردى وفرائس |
مكارم للماضين منكم تقدَّمت | وأخرى على الباقين منكم حبائس |
سأُثني على الدهر المذَمم إذ أتى | بأمثالكم أولاً فإنيَ باخس |
تضمَّنتُ أن لا يبخل الدهرُ بعدها | بأي نفيسٍ بعدكم هو نافس |
بِكم نَعشَ الله الخلافة َ بعدما | هوى جَدَّها من حالق وهو تاعس |
تدارك ذاتَ البيْنِ إصلاحُ طاهرٍ | وقد شمَّرت غِبراءُ تَجري وداحس |
إذ الدين هَرْجٌ والخلافة ُ فِتْنَة ٌ | يُبلِّدُ منها الأحزمُونَ الأَكايس |
ولما أبت بغداذ إلا شِمَاسها | ولجَّ بها من جِنة النفر ناخس |
تخمَّطها بالبيض والسُّمر عُنوة ً | أبو الطَّيب الليثُ الهِزبر الخُنابس |
فجاسَ بخيل النصر عُقرَ ديارها | وما جاسها من قبلِ ذلك جائس |
به أَلَّف الله القلوبَ فأصبحت | مَقاومُ تلك الحرب وهْي مَجالس |
وما زال منكم للخلافة مِدرة ٌ | يُناضل عنها تارة ٌ ويُرادس |
أوائلكُمْ داووا أوائلَ دائِها | وأنتم لها إن تاح للداء ناكس |
بأحكامِكم تَمضِي السيوف مضاءها | وتقضي قضاياها الرماحُ المداعِس |
إذا القومُ راموا شأْوَكُم خلَّفتْهُم | جدودٌ لِئامٌ أو جدودٌ قواعِس |
أَعُمُّكُمْ مدحاً وأختصُّ منكُمْ | فتاكم عبيدَ الله والرأسُ رائس |
همام له في المجد والخير مِقْيسٌ | طويلٌ إذا ما طاولتْه المَقايس |
رأى الملكانِ الهاشميان فضلَهُ | برأيٍ جَلَتْ عن صفحتيه المَداوس |
وكيف بأن تخفَى محاسن مِثله | وهُنَّ لأبصار القلوبِ مَقابسُ |
إلى مِثله تُلقى الرعاءُ عِصِيَّها | إذا عاثَ في الشاء الذئاب اللَّعاوس |
فتى غيرُ مفزاع إذا الحربُ زمجرتْ | زماجِرَها وارتاعَ منها الضغابِس |
سواء عليه عندها أَتَرنَّمتْ | مَزاهرُ قيْناتٍ له أو معاجس |
مَهيب إذا ما كان في القوم أمْسكتْ | عن الهدر والخطر القُروم القَناعس |
له هيبة ٌ لم يكْتَسبْها بكلْفة ٍ | إذا اكتسبتْ ذاك الوجوهُ العوابس |
حَييٌ وفيه جُرأة ٌ وصرامة ٌ | إذا هابَ حوماتِ الأُمورِ المُغامس |
وليس يَعيبُ السيفَ لينُ مَهَزِّه | إذا كان عَضْباً تجتويه الأَيابس |
يُساهي مُساهيه كريماً مُغَفَّلاً | وأمَّا مُداهيه فحوتاً يُقامس |
له خُلُقا خيرٍ ونفعٍ كلاهما | يُحاذره عاتٍ ويَرجُوه يائس |
من لمبْشرين المؤْدَمِين خلائقاً | له تحت أيدي اللاّمسين مَلامس |
يلين لمن أعطاه سمعاً وطاعة ً | ويخشنُ محموداً على من يمارس |
له عزماتٌ ليس للسيف مِثلُها | مضاءً ولا للسيل والسيلُ مارس |
ورأْيٌ كرأي العين صدقاً وصحة ً | إذا أخطأتْ بالحادسين المَحادس |
يرى آخر العقبى بأول نظرة ٍ | وبينهما غيبٌ من الليل دامس |
حياة ٌ لمن واله حتفٌ على العدى | مُصابُ الرمايا لا تَوقاهُ تارس |
هو الأجل القاضي على كل حائن | وفيه لمن أَمْلى له الله حارس |
وفيٌّ وتلكم شيمة ٌ طاهرية ٌ | له سلفٌ فيها قديمٌ قُدامس |
يرى الوعدَ مثل العهد سِيان عنده | إذا خاس بالوعد المؤكدِ خائس |
جميلُ المحيا بين عينيه غرة ٌ | تُضيء لساري الليل والنجمُ طامس |
جوادٌ إذا سامَ المكارمَ نفسه | فليس له منها شريكٌ مشاكس |
وكم من يدٍ تُعطي اللهى ووراءها | ضميرٌ بما جادت به متقاعسُ |
إذا بذل المعروفَ أَغْضى جُفُونَهُ | وطأْطأ رأساً لم يذلِّله عاكس |
لكي لا يرى في وجه حُرٍّ مذلة ً | على أنها من يُغض والوجه عابس |
يُساجل أنواءَ الربيع إذا جَرَتْ | ويخلُفُها في المحْل والعودُ يابس |
وحُقَّ لمن بين النجوم مقامُهُ | مُبَاراتُها إن النظير منافس |
كفى الماحلين السائلين بجوده | وأغنى تِجار الحمدِ عمَّن يُماكس |
به صدَّق الله الأماني حديثَها | وقد مرّض دهرٌ والأماني وساوس |
فتى ً آنس الآدابَ من بعد وحشة ٍ | وجدَّد منهاجَ العلا وهو دارس |
رأى الشعرَ ديوان المكارم فاغتدى | يُدارس منه أهْلَهُ ما يدارس |
فتى لو تُجاري الريحُ في المجد أَوْلَهُ | غدا شأْوُها عن شأوه وهو خانس |
دعا الصمَّ حتى أسمع الصمَّ جُودُهُ | وأنطق حتى قال فيه الأَخارس |
تطاول أفلاكٌ فقصَّر جدُّهم | ونال الثريا عفوهُ وهو جالس |
غدا والعلا أفعالُهُ وخصالُهُ | وهن لأقوامٍ هُمومٌ هواجس |
لعمرِي لئن طابتْ عُصارة ُ عوده | لقد كرمتْ أعراقه والمغارس |
زهى الملكُ والإسلامُ ممن مضى له | بخمسة ِ آباءٍ لهم منه سادس |
فأوَّلهم قاد الجيوش وذادها | زُريقٌ وعبد الله للقوم خامس |
أولئك آباءٌ بمثل تُراثهم | تَشَاوس وسط المحفل المتشاوس |
وكم من ملوكٍ قَبلهم سَلفوا لهُ | لياليَ كانت تملكُ الناسَ فارس |
لتهْنك يا ابن الأكرمين إمارة ٌ | بطالع سعدٍ جانبتْه المنَاحسُ |
مَقَالة ُ لا مُسْتَعْظمٍ ما وَليتَهُ | ولو كان ما هبَّتْ عليه الروامس |
وإن التي سُرْبلتها لتطُولُها | إذا قاسَهَا يوماً بقدرِك قائس |
يَدُل على إقبال أمْرك أنه | غريسة ُ حينٍ فيه تحيا الغَرائس |
فَقُلِّدتَ ما قُلِّدتَ والعودُ مورقٌ | بجدته والعرق ريانُ قالس |
وليتَ التي تهوى إليها نَوازعاً | قلوبُ الورى واليعمُلات العرامس |
ولما تولاها اسمُكَ الخير أصبحت | وجانبُها الوحشي باسمك آنس |
تَلَقَّتْكَ في بَزِّ الربيع وحَلْيهِ | تِهامة ُ والأنجادُ وهي عرائس |
ولو زُرتها في وغرة القَيْظ أمرْعت | بوَجْهِكَ وانهلّ الغمامُ الرواجس |
وأضحى وأمس كل ما بين بَلْدحٍ | به حرماً حتى القفارُ البسابس |
تَجلَّلها أمنٌ وعدلٌ فظبيُها | مع الذئبِ راعٍ كيف شاء وكانس |
إليك ذعرتُ الوحشَ من كل مأمنٍ | لهن به عن سَخْلهن مَلاحس |
إليكَ تداعتني القوافي ولم أقل | إليك تداعتني الفيافي البسابس |
أتيْتُك من أدنى مزاري يخبُّ بي | إليك رجائي لا القِلاصُ العرامس |
أجاوزُ بيتاً بعد بيتٍ وأمتطي | هواجسَ فكرٍ بعدهُنَّ هواجس |
دعوتُ غريب الشعر باسمك فارعوي | إليَّ مُجيباً وهو باسمك آنس |
فألَّفت منه إذ تجمَّع وحشُهُ | وهنَّ رُتوعٌ بالفلا وكوانس |
فجاءتْ قوافيه تُباري صدورَهُ | كما تتبارى القاربات الخوامس |
مَنْحتُكَها تحدو المطيَّ على الونَى | وتنفي الكرى عن ذي السُّرى وهو ناعس |
من اللائي لا يُخزي الوجوه نَشيدُها | إذا منشدٌ باهَى بها من يُجالسُ |
تهزُّ قناة َ الظهر عن أرْيَحيَّة ٍ | كما هز رُمحاً للطِّعانِ مُداعس |
وما زلت لَبَّاساً مديحاً تَحُوكُهُ | مساعيك لم يَلبسْه قبلك لابس |
ولا مدحُ ما لم يمدح المرءُ نفسهُ | بأفعال صدقٍ لم تَشُبها الخسائس |
ليأمنْ صروفَ الدهرِ من أنت جارُهُ | فقد أفلَتْ عنه النجومُ النواحس |
إذا ما بنو الحاجات كان مجازُهم | على ملك كانت عليك المحابسُ |
وينصرف العافُون تُثْني عيابهُمْ | عليك ولم ينبسْ من القوم نابس |
فعش سالماً لا زال مجدُك باقياً | وإن رغمتْ من حَاسدِيك المعاطس |