شابَ رأسي ولات حينَ مَشيبِ
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
شابَ رأسي ولات حينَ مَشيبِ | وعجيبُ الزمان غَيْرُ عَجِيبِ |
فاجعلي موضعَ التعجُّب من شَيْ | بِيَ عُجْباً بفَرْعك الغِرْبيبِ |
قد يشيبُ الفتى وليس عجيباً | أن يُرى النورُ في القضيب الرطيبِ |
ساءها أنْ رأتْ حبيباً إليها | ضاحكَ الرأسِ عن مفَارقَ شِيبِ |
فدَعَتْهُ إلى الخُضاب وقالت | إنَّ دفنَ المَعيبِ غيرُ معيبِ |
خَضَبت رأسَهُ فبات بتَبْري | حٍ وأضحى فظلَّ في تأنيبِ |
ليس ينفكُّ من مَلامة زارٍ | قائلٍ بعد نظرتَيْ مُستريب |
ضلة ً ضلة ً لمن وعَظَتْهُ | غِيَرُ الدهر وهْو غيرُ مُنيب |
يدَّري غِرَّة َ الظباء مُريغاً | صَيْدَ وحْشيِّها وصَيْدَ الرَّبيب |
مُولَعاً موزَعاً بها الدهر يرْمي | ها بسهم الخضاب غيرَ مصيب |
عاجزٌ واهنُ القُوى يتعاطى | صبغة َ الله في قناع المشيب |
رامَ إعجابَ كل بيضاءَ خود | بسواد الخضاب ذي التعجيب |
فتضاحكْنَ هازئاتٍ وماذا | يُونِقُ البِيضَ من سوادٍ جَليب |
يا حليفَ الخضاب لا تخدع النف | س فما أنت للصِّبا بنسيب |
ليس يجدي الخضابُ شيئاً من النف | ع سوى أنه حِدادُ كئيب |
فاتَّخذْهُ على الشباب حداداً | وابكِ فيه بعَبْرة ونَجيب |
وفتاة ٍ رأت خضابي فقالت | عَزَّ دَاءُ المشيب طِبَّ الطبيب |
خاضبُ الشيب في بياضٍ مُبين | حين يبدو وفي سوادٍ مريب |
يا لها من غَريرة ذاتِ عينٍ | غيرِ مغرورة بشيبٍ خَضيب |
وحقيقٌ لعورة الشيب أن تب | دوَ للغِرِّ غيرِ ذي التدريب |
لهفَ نفسي على القناع الذي مَح | حَ وأُعقِبْتُ منه شرَّ عَقيب |
مَنَعَ العينَ أن تَقرَّ وقرت | عينُ واشٍ بنا وعينُ رقيب |
شان ديباجة َ الشبابِ وأزرى | بقوامٍ له ولينِ عسيبِ |
نفَّر الحِلْمَ ثم ثنَّى فأمسى | خَبَّبَ العِرْسَ أيَّما تخبيب |
شَعَرٌ ميتٌ لذي وَطَرٍ حيْ | يٍ كنارِ الحريق ذاتِ اللهيب |
في قناعٍ من المشيبِ لَبيسٍ | ورداءٍ من الشباب قشيب |
وأخو الشيب واللُّبانة في البِي | ض بحالٍ كقَتْلة التغبيب |
مَعَهُ صبوة ُ الفتى وعليه | صَرْفة الشيخ فهْو في تعذيب |
يُطَّبَى للصِّبا فيُدْعى مجيباً | وهو يدعو وما لَه من مجيب |
ليس تنقادُ غادة ٌ لهواهُ | وهو ينقادُ كانقيادِ الجَنيب |
ظلمتني الخطوبُ حتى كأني | ليس بيني وبينها من حَسيب |
سلبتْني سوادَ رأسِي ولكن | عوّضتْني رياشَ كلِّ سليب |
عوّضتني أخا المعالي عليّاً | عِوَضٌ فيه سلوة للحَريب |
خُرَّمِيٌّ من الملوك أديبٌ | لم يزل ملجأً لكل أديب |
يستغيثُ اللهيفُ منه بمدعوْ | وٍ لدى كل كَرْبة مستجيب |
أَرْيَحيٌّ له إذا حَمَدَ الكزْ | زُ بَنانٌ تذوبُ للمستذيب |
يتلقَّى المُدفَّعينَ عن الأب | بواب بالبشر منه والترحيب |
لو أبى الراغبون يوماً نداهُ | لدعاهُمْ إليه بالترهيب |
رُبَّ أُكرومة ٍ له لم تَخَلْها | قبلَهُ في الطباع والتركيب |
غَرَّبتهُ الخلائقُ الزُّهْرُ في النا | س وما أوحشتْهُ بالتغريب |
يَهَبُ النائلَ الجزيلَ مُعيراً | طَرفَهُ الأرضَ ناكتاً بالقضيب |
يتَّقي نظرة المُدلِّ بجدوا | هُ ويَعْتَدُّها من التثريب |
بعد بشرٍ مُبَشِّرٍ سائليه | بأمانٍ لهم من التخييب |
حَبّبَتْ كفُّه السؤالَ إلى النا | س جميعاً وكان غير حبيب |
ما سعى والسعاة ُ للمجد إلا | سبقَ المُحْضِرينَ بالتقريب |
لو جرى والرياحُ شأْواً لأَضْحَى | جريُها عند جريه كالدَّبيب |
من رآه رأى شواهد تُغْني | عن سماعِ الثناء والتجريب |
فيه من وجهه دليلٌ عليه | مُخبِرٌ عن ضَريبة ٍ ذات طيب |
حَكم اللهُ بالعلا لعَليٍّ | وبحق النجيب وابن النجيب |
فَلْيمُتْ حاسدوهُ همّاً وغمّاً | ما لحُكْم الإله منْ تعقيب |
جِذْلُ سلطانِه المحكَّك في الخَطْ | ب وعَذْقُ الجُناة ذو الترحيب |
والنصيحُ الصريحُ نُصحاً إذا ما | جمعوا بين رائبٍ وحليب |
والذي رأيُهُ لأسلحة الإب | طالِ مثلُ الصِّقال والتذريب |
عنه تمضي ولو تعدّته أضحت | من كليلٍ مُفَلَّلٍ وخَشيب |
مِدْرَهُ الدين والخلافة ذو النص | ح عن الحَوْزتين والتذبيب |
فَلَّ بالحجة الخُصومَ وبالكي | د زُحوفَ العِدا ذوي التأليب |
رُبَّ مَغنى ً لحزب إبليسَ أخلا | هُ فأمسى وما به مِنْ عَريبِ |
دَمَّرتْ أهلَهُ مكائدُ كانت | لأُسودِ الطغاة ِ كالتقشيب |
رتّبتهُ الملوكُ مرتبة َ المِدْ | رِه لا مُخطئينَ في الترتيب |
قَيِّمٌ قوَّمَ الأمورَ فعادتْ | قيِّماتٍ به من التحنيب |
واستنابَ الخطوب حتى أنابت | وبما لا تُنيبُ للمُستنيب |
عندُهُ للثَّأَي طِبابٌ من التد | بير يَعْيَ به ذوو التطبيب |
لَوْذعِيٌّ له فؤادٌ ذكي | ماله في ذكائه من ضَريب |
يَقظٌ في الهَناتِ ذو حركات | لسكون القلوب ذاتِ الوجيب |
ألمَعِيٌّ يرى بأولِ ظنٍّ | آخرَ الأمر من وراء المغيب |
لا يُرَوِّي ولا يُقَلِّبُ كفاً | وأكُفُّ الرجالِ في تقليب |
يُدرِكُ الطِّلْبَ بالبديهة دون ال | عَقْبِ قبل التصعيد والتصويب |
حازمُ الرأي ليس عن طول تجري | بٍ لبيبٌ وليس عن تلبيب |
وأريبٌ فإنْ مُرِيغو نَداه | خادَعُوه رأيتَ غيرَ أريب |
يتغابَى لهم وليس لمُوقٍ | بل لِلُبٍّ يفوقُ لبَّ اللبيب |
ثابتُ الحالِ في الزلازل مُنْها | لٌ لسُؤّالهِ انهيالَ الكثيب |
ليِّنٌ عِطفُه فإنْ رِيمَ منه | مَكْسَر العود كان جِدَّ صليب |
مَفْزعٌ للرُّعاة ِ مرعى ً خصيبٌ | لرعاياهُمُ وفوقَ الخصيبِ |
في حِجاهُ وفي نداهُ أمانَا | نِ من الخوف والزمانِ الجديب |
فحِجاهُ لكل يومٍ عصيبٍ | ونداهُ لكل عام شَصيب |
أحسنتْ وصفَهُ مساعيهِ حتى | أفحمتْ كلَّ شاعرٍ وخطيب |
بل حَذَوا حَذْوَها فراحوا يريحو | ن من القولِ كلَّ معنى غريب |
قد بلونا خلاله فَحمِدْنا | غَيْبَها حمدَ ذائقٍ مُستطيب |
فانتجعنا به الحيا غَير ذي الإقْ | لاعِ والبحرَ غيرَ ذي التنضيب |
ما زجرنا وقد صرفنا إليه | أوجُهَ العِيسِ بارحاً ذا نعيب |
يَمَّمَتْهُ بنا المطايا فأفْضَتْ | من فضاءٍ إلى فضاءٍ رحيب |
خُلْقٌ منه واسعٌ وفِناءٌ | لم يَرُعْها به هديرٌ كليب |
طاب لليَعْملاتِ إذ يَمَّمتْهُ | وصْلُهُنَّ البكورَ بالتأويب |
لم يكن خَفْضُها أحبَّ إليها | من رسيم إليه بعد خبيب |
ثِقة ً إنَّهُنَّ يلقينَ مرعى ً | فيه نَيٌّ لكل نِضْوٍ شَزيب |
أيُّهذا المُهيبُ بي وبشعري | لستُ ممن يُجيب كل مُهيب |
رفعَ الله رغبتي عن عطايا | كَ وما لِلعُقاب والعندليب |
ثَوَّبَتْ بي إلى عليِّ معالي | هِ فلبَّيتُ أوّل التثويب |
مَاجِدٌ حاربَ الحوادثَ دوني | بنَدى حاتمٍ وبأسِ شَبيبِ |
ليَ في جاههِ مآربُ كانت | لابنِ عمرانَ في عصاهُ الشعيبِ |
وإذا حزَّ لي منَ المال عُضْواً | أرَّب العضوَ أيَّما تأريب |
أصبح الباذلَ المسبِّبَ لا زا | ل مَليّاً بالبذلِ والتسبيب |
ساجلَتْ جاهَهُ سحائبُ عُرفٍ | من يَمينَيْهِ دائماتُ الصَّبيب |
قلت إذ جاد باللُّهى قبل سَعْي | صادقٍ منه غير ذي تكذيب |
يا رِشاءً تَخْضَلُّ منه يد الما | تحِ قبل انغماسِهِ في القليب |
بَضَّ لي من نداكَ قبل استقائي | بكَ رِيِّي وفَضْلَة ٌ للشريب |
ذاك شيءٌ من الرِّشاءِ غريبٌ | يا ابنَ يحيى ومنك غيرُ غريب |
ما أُراني إذا خبطتُ بدَلْوي | جُمَّة َ الماءِ بالقليل النصيب |
لا لَعَمْري وكيف ذاك وقبل ال | متْحِ روَّيْتَني بسَجْلٍ رغيب |
بل أُراني هناك لا شك أغدو | ويَدي منكَ ذاتُ بطنٍ عشيب |
بأبي أنتَ من جليلٍ مَهيبٍ | مَطْلِبُ العُرْفِ منه غيرُ مهيب |
طنَّبَ المجدَ بالمكارم والبي | تَ بنصبِ العماد والتطنيب |
من يُلَقَّبْ فإن أسماءك الأس | ماءُ يشغلنَ موضعَ التلقيب |
من جوادٍ وماجدٍ وكريمٍ | وزعيمٍ وسيدٍ ونقيب |
تَبَّ من يرتجي لَحَاقك في المج | دِ وما مُرتجيكَ في تتبيب |
أعجز الطالبيكَ شأوٌ بعيدٌ | لكَ أدركْتَهُ بعُرفٍ قريب |
هاكها مِدحة ً يُغنَّي بها الرُّكْ | بانُ ما أرزمَتْ روائمُ نيبِ |
نَظمَ الفكرُ دُرهَّا غير مثقو | بٍ إذا الدُّر شِينَ بالتشعيب |
لم يَعِبْها سوى قوافٍ تشاغل | نَ عن المدح فيك بالتشبيب |
ولراجيكَ قبلها كلماتٌ | هُذِّبتْ فيك أَيَّما تهذيب |
يُطرِبُ السامعينَ أيسرُ ما في | ها وإن أنشدت بلا تطريب |
سَوَّدتْ فيك كلَّ بيضاء تسوي | داً تراه العقولُ كالتذهيب |
لو يُناغِي بَيانُها العُجْمَ يوماً | عرَّبَ العُجمَ أيَّما تعريب |
وهْي مما أفاد تأديبُك الفا | ضلُ واهاً لذاك من تأديب |
كم ثواب أَثَبْتَنيه عليها | كنتَ أولى به من المستثيب |
مُنعِماً نُعْمَيَيْنِ نُعمى مفيد | أدباً نافعاً ونُعمى مثيب |
منك جاءت إليك يحدو بها الوُدْ | دُعلى رغبة ٍ بلا ترغيب |