ما كنتُ لولا طمعي في الخيالْ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
ما كنتُ لولا طمعي في الخيالْ | أنشدُ نومي بين طول الليالي |
أسأل عيني كيف طعمُ الكرى | علالة ً وهو سؤالٌ محالْ |
وكيف بالنوم على الهجر لي | والنومُ من شرط ليالي الوصال |
لله أجفانٌ ذرعنَ الدجى | وهي قصارٌ والليالي طوالْ |
كأنها من قصرٍ بعضها | يطلب بعضاً بقوى ً لا تنالْ |
لكنّ لمياءَ على ضنّها | ترخص في الأحلام لي كلَّ غالْ |
تسرى فإما هي أو راقني | شبهٌ لها أو سرَّ عيني مثالْ |
وليلة ٍ عطَّر أرواحها | طيفٌ لها لم أك منه ببالْ |
بيَّض مسراه سوادَ الدجى | حولى وصحبى شعُثٌ في الرحالْ |
بمشرق اللَّباتِ دانت له | شهبُ الدراري قبلَ بيض المحالْ |
يجلو العشا مختمرا مسفرا | فتارة ً بدرا وطوراً هلالْ |
جاءت تثنَّى بين ريحانة ٍ | تفتقُ مسكا وكثيبٍ يهالْ |
فلا وعينيها وأردافها | وشقوة ِ الدِّعصِ بها والغزالْ |
ما قدَّها هزّ نسيمُ الصَّبا | وإنما ميَّل غصنا فمالْ |
حتى إذا الليل قضى ما قضى | خفّت مع الفجر خطاها الثّقالْ |
وابتدرتْ تغنم فضلَ الدجى | سبقَ مغاوير النجوم التوالْ |
أبكي وتبكي غير أنّ الأسى | دموعهُ غير دموع الدلالْ |
ظلٌّ من العيش نعمنا به | لكنّه ظلٌّ مع الصبح زالْ |
وموسمٌ للَّهوِ كاثرته | بفتية ٍ مثل صدور العوالْ |
كلّ وجيه الوجه رحبِ الجدا | معذَّل السمع رضيّ الخصالْ |
يرعيك من آدابه روضة ً | جرَّ عليها المزنُ ذيلَ الشَّمالْ |
يبذلُ في الراح اللُّها عادلا | ما وزن الخمَّارُ منها وكالْ |
أشهدُ منه وقعاتِ الصِّبا | بفاتكٍ ساعة َ يدعى نزالْ |
وحاجة ٍ بكرٍ تناولتها | وبابها أعسرُ عالى المنالْ |
وسعتها حتى تقنّصتها | بدربتي في مثلها واحتيالْ |
أيّام أدلو بشبابي فلا | أرجعُ إلا مترعاتٍ سجالْ |
حتى تعمّمتُ بمفروعة ٍ | تجمعُ بين الذلِّ واسمِ الجلالْ |
تراجعُ الأبصارُ وفضاً لها | عنّى بقاسٍ أن يراني وقالْ |
صبيغة سوداء بيّضتها | نصولها في الرأسِ وقعُ النصالْ |
واقتصّ حقُّ الشَّيب من باطلي | فتلك حالي وليَ اليومَ حالْ |
وماجد الآباء في منصبٍ | تأوي إليه درجاتُ المعالْ |
أبلج حرّ العرض إن دوخلت | أحسابهم أو هجِّنتْ بالموالْ |
ترى سماتِ الملك أنوارها | شاهدة ٌ في قوله والفعالْ |
أعلقته الودّ ومحضَ الهوى | بمحكماتٍ محصداتِ الحبالْ |
حبّا وإن لم تدنني زورة ٌ | منه ولم يبردْ غليلي وصالْ |
أهجره غيرَ جليدٍ على | هجرٍ وأجفوه لغير الملالْ |
وأحسد الشُّرَّاعَ في حوضه | وما لذودي ظامئا من بلالْ |
لكنّها من شيمي عادة ٌ | لم أغشَ بابا لم يهبْ بي تعالْ |
تبارك الجامعُ آياته | في كاملٍ حتى وفى بالكمالْ |
تدرسُ آثار القرون الألى | فاتوا وأخبار السنين الأوالْ |
فلا ترى في رجلٍ مثله | تقوم عنه أمّهاتُ الرجالْ |
صادفت النعمة ُ منه فتى ً | لاقت بعطفيه الأمورَ العوالْ |
جاءته بين الحقّ من إرثه | وبين كسبٍ بالمساعي حلالْ |
جاورها بالشكر حفظا لها | والبشرِ والمعروفِ قبل السؤالْ |
فهي مذ استذرتْ إلى ظلّه | في وطنٍ لم تنوِ عنه انتقالْ |
وغيرهُ تنفرُ نعماؤه | تطلّعا عنه ليوم الزِّيالْ |
وزاده الإسعادُ من نفسه | ما لم يكن في ظنّ عمّ وخالْ |
إن أظلم الدهر فعزماتهُ | توقُّدٌ في أفقه واشتعالْ |
أو خبتْ الآراءُ من حيرة | فرأيه بلجة ُ ليلِ الضلالْ |
طلائعُ الإقبال من وجهه | في جدّة ٍ من عمره واقتبالْ |
وجهٌ على ماء الحياء التقتْ | غرائبُ البشرِ به والجمالْ |
نضارة ُ الدنيا وإشراقها | تجول منه في فسيح المجالْ |
بكاملٍلا عدمتْ كاملا | ألقحت الدولة ُ بعد الحيالْ |
دارت رحاها في يديه فما | ذمّت مجارى قطبها والثِّفالْ |
وجهك في غمّائها فرجة ٌ | تجلو وآراؤك فيها ذبالْ |
كم عثرة ٍ للملك أنهضتها | لولاك كانت عثرة ً لا تقالْ |
وصرعة ٍ شارف منها الردى | وطال من داء ضناها المطالْ |
أوليتَ إقبالك تدبيرها | فطبَّها والداءُ داءٌ عضالْ |
نصرته فردا وأنصاره | قد سلّموا للخصم قبل الجدالْ |
وجفّت الأقلامُ في صحفه | يأسا وخانته سيوفُ القتالْ |
كان جباناً فتقدّمته | وصلتَ بين يديه فصالْ |
رحّلته نهضا إلى عزّه | والناس يلحونك في الارتحالْ |
فكان بالله ورغم العدا | إلى التي حاولتَ أنت المآلْ |
لذاك قد أضحت مقاليده | تجري على أمرك جري المحالْ |
علوتَ في الحقّ بكعبيك وال | هاماتُ تهوي كمداً في سفالْ |
بلّغ زمانا سامني مطمعا | في الرفد أن تعلى يدي أو تطالْ |
كم قد تجاذبنا على مثلها | قدما فهل روّضتني للسؤال |
ورمتَ حطّى باستلاب الغنى | منى فهل حطَّت رواسي الجبال |
لو ذلّ ظهري للأيادي لقد | حبيت منها بالجسام الثقالْ |
أو شئتُ أغناني من أسرتي | مالُ كريمٍ يده بيتُ مالْ |
يداه في الجود يمينان وال | أكفّ معْ كلّ يمينٍ شمالْ |
لذَّ له الحمدُ فعاف الثرا | وقلّما تنمى مع الحمد حالْ |
لو عيب بالجود وإفراطه | معطٍ رأى العائبُ فيه مقالْ |
تلامُ في النَّيلِ وهل ينبغي | للمنع كفّ خلقتْ للنوالْ |
يزدحم الوفدُ على بابه | تزاحمَ الحجّ بسفحي ألالْ |
مباركٌ تجمدُ كفّ الحيا | بخلا إذا واديه بالجود سالْ |
كأنما الأرضُ وليست له | له ومن فيها عليه عيالْ |
جوهرة ٌ في الدهر شفّافة ٌ | من كرم الأصل وطيبِ الخلالْ |
يمزج صرفَ الكأس في كفّه | من خلقه العذبِ بماءٍ زلالْ |
أبا الوفاء اسمع لها رقية ً | أفئدة ُ العصمِ بها تستمالْ |
أرخصَ منها الودُّ ممنوعة ً | غلتْ فلم يقدر عليها المغالْ |
مصونة لولا شفيعُ الهوى | فيك إليها فركت أن تذالْ |
أمكنك الإقبالُ من قودها | ورأسها صعبٌ على الانفتالْ |
كم من ملوك الأرض من راغبٍ | يخطبها منّى كريمِ البعالْ |
رددته عنها بسخطٍ فلم | أبلْ به وهو بمنعى مبالْ |
لكن تخيّرتك كفؤالها | لأنها منك على كلّ حالْ |
وإن تصارمنا فما بيننا | وشائجٌ ليس لهنّ انفصالْ |
تلاحم القربى وإني وإ | ياك لنرمي عن قبيلٍ وآلْ |
فانعم بما يعمرُ مجدَ الفتى | ويرفعُ البيتَ وإن كان عالْ |
وبعنى الودَّ بها صافيا | فإنه عندي أسنى منالْ |
إن بزَّ منها المهرجانُ الذي | ودَّعَ أو عطّلَ فالعيدُ حالْ |
زارتك في اليوم الذي خصّني | إذ عاق عما خصّك الإشتغالْ |
جاءك شوالٌ بها غرّة ً | فاجتلها مقرونة ً بالهلالْ |
لم تغلُ في وصفك معْ طولها | بل وجدَ الشعرُ مقالا فقالْ |