ما بعدَ يومك سلوة ٌ لمعلَّلِ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
ما بعدَ يومك سلوة ٌ لمعلَّلِ | منّي ولا ظفرتْ بسمعِ معذَّلِ |
سوّى المصابُ بك القلوبَ على الجوى | فيدُ الجليدِ على حشا المتململِ |
وتشابه الباكون فيك فلم يبن | دمعُ المحقِّ لنا من المتعمِّلِ |
كنَّا نعيَّر بالحلوم إذا هفتْ | جزعا ونهزأ بالعيون الهمَّلِ |
فاليومَ صار العذرُ للفاني أسى ً | واللومُ للمتماسك المتجمِّلِ |
رحل الحمام بها غنيمة َ فائزٍ | ما ثار قطّ بمثلها عن منزلِ |
كانت يدَ الدين الحنيف وسيفه | فلأبكينَّ على الأشلِّ الأعزلِ |
مالي رقدتُ وطالبي مستيقظٌ | وغفلتُ والأقدارُ لمّا تغفُلِ |
ولويت وجهي عن مصارع أسرتي | حذرَ المنية ِ والشفارُ تحدُّ لي |
قد نمَّت الدنيا إليّ بسرها | ودللتُ بالماضي على المستقبلِ |
ورأيتُ كيف يطير في لهواتها | لحمى وإن أنا بعدُ لمَّا أوكلِ |
وعلمتُ معْ طيبِ المحلِّ وخصبهِ | بتحوّل الجيران كيف تحوّلي |
لم أركب الأمل الغرورَ مطيّة ً | بلهاءَ لم تبلغ مدى ً بمؤمِّلِ |
ألوي ليمهلني إليّ زمامها | ووارءها ألهوبُ سوقٍ معجلِ |
حلمٌ تزخرفه الحنادس في الكرى | ويقينه عند الصباح المنجلي |
أحصي السنينَ يسرُّ نفسي طولُها | وقصيرُ ما يغنيك مثلُ الأطولِ |
وإذا مضى يومٌ طربتُ إلى غدٍ | وببضعة ٍ منى مضى أو مفصلِ |
أخشنْ إذا لاقيتَ يومك أو فلنْ | واشددْ فإنك ميّتٌ أو فاحللِ |
سيّان عند يدٍ لقبض نفوسنا | ممدودة ٍ فمُ ناهشٍ ومقبِّلِ |
سوّى الردى بين الخصاصة ِ والغنى | فإذا الحريص هو الذي لم يعقلِ |
والثائر العادي على أعدائه | ينقاد قود العاجز المتزمِّلِ |
لو فلُّ غربُ الموت عن متدرِّعٍ | بعفافه أو ناسكٍ متعزِّلِ |
أو واحدِ الحسناتِ غيرَ مشبَّهٍ | بأخٍ وفردِ الفضل غيرَ ممثَّلِ |
أو قائلٍ في الدين فعّالٍ إذا | قال المفقّه فيه ما لم يفعلِ |
وقت ابن نعمانَ النزاهة ُ أو نجا | سلما فكان من الخطوب بمعزلِ |
ولجاءه حبُّ السلامة مؤذنا | بسلامة من كل داءٍ معضلِ |
أو دافعتْ صدرَ الردى عصبُ الهدى | عن بحرها أو بدرها المتهلِّلِ |
لحمتهُ أيدٍ لا تنى في نصره | صدقَ الجهاد وأنفسٌ لا تأتلي |
وغدت تطارد عن قناة لسانه | أبناءُ فهرٍ بالقنيِّ الذُّبَّلِ |
وتبادرتْ سبقا إلى عليائها | في نصر مولاها الكرامُ بنو علي |
من كلِّ مفتول القناة بساعدٍ | شطبٍ كصدر السمهريّة أفتلِ |
غيرانَ يسبقُ عزمه أخباره | حتى يغامرَ في الرَّعيل الأوّلِ |
وافى الحجا ويُخال أنّ برأسه | في الحرب عارضَ جنَّة ٍ أو أخبلِ |
ما قنَّعتْ أفقا عجاجة ُ غارة ٍ | إلا تخرَّق عنه ثوبُ القسطلِ |
تعدو به خيفانة ٌ لو أشعرتْ | أن الصهيلَ يجمُّها لم تصهلِ |
صبّارة ٌ إن مسّها جهدُ الطَّوى | قنعتْ مكانَ عليقها بالمسحلِ |
فسروا فناداهم سراة ُ رجالهم | لمجسَّدٍ من هامهم ومرجَّلِ |
وبعداءُ عن وهن التواكل في فتى ً | لهمُ على أعدائهم متوكِّلِ |
سمحٍ ببذل النفس فيهم قائمٍ | لله في نصر الهدى متبتِّلِ |
نزَّاع أرشية التنازع فيهمُ | حتى يسوقَ إليهم النصّ الجلي |
ويبين عندهم الإمامة نازعاً | فيها الحجاجَ من الكتاب المنزلِ |
بطريقة ٍ وضحتْ كأنْ لم تشتبه | وأمانة ٍ عرفتْ كأنْ لم تجهلِ |
يصبو لها قلبُ العدوِّ وسمعه | حتى ينيبَ فكيف حالك بالولي |
يا مرسلا إن كنت مبلغَ ميِّتٍ | تحت الصفائح قولَ حيٍّ مرسلِ |
فلجِ الثرى الراوي فقلْ لمحمّدٍ | عن ذي فؤادٍ بالفجيعة مشعلِ |
من للخصومِ اللُّدِّ بعدك غُصَّة ٌ | في الصدر لا تهوى ولا هي تعتلي |
من للجدال إذا الشفاهُ تقلَّصتْ | وإذا اللسان بريقهِ لم يبَللِ |
من بعدَ فقدك ربُّ كلِّ غريبة ٍ | بكرٍ بك افترعتْ وقولهِ فيصلِ |
ولغامضٍ خافٍ رفعتَ قوامه | وفتحتَ منه في الجواب المقفلِ |
من للطروس يصوغ في صفحاتها | حليا يقعقع كلّما خرسَ الحلى |
يبقين للذكر المخلّد رحمة ً | لك من فم الراوي وعينِ المجتلي |
أين الفؤادُ الندب غيرَ مضعَّفٍ | أين اللسان الصعب غيرَ مفلَّل |
تفرى به وتحزُّ كلَّ ضريبة ٍ | ما كلُّ حزّة ِ مفصلٍ للمنصلِ |
كم قد ضممتَ لدين آل محمدٍ | من شاردٍ وهديتَ قلبَ مضلَّلِ |
وعقلتَ من ودٍّ عليهم ناشطٍ | لو لم ترضه ملاطفا لم يعقلِ |
لا تطَّبيك ملالة ٌ عن قولة ٍ | تروى عن الفضول حقَّ الأفضلِ |
فليجزينَّك عنهمُ ما لم يزل | يبلو القلوب ليجتبي وليبتلي |
ولتنظرنَّ إلى عليٍّ رافعا | ضبعيك يومَ البعث ينظرُ من علِ |
يا ثاويا وسَّدتُ منه في الثرى | علماً يطول به البقاءُ وإن بلى |
جدثا لدى الزوراء بين قصورها | أجللته عن بطن قاعٍ ممحلِ |
ما كنتُ قبل أراك تقبرُ خائفا | من أن توارى هضبة ٌ بالجندلِ |
من ثلَّ عرشك واستقادك خاطما | فانقدتَ يا قطَّاعَ تلك الأحبلِ |
من فلَّ غربَ حسامِ فيك فردَّه | زُبرا تساقطُ من يمين الصَّقيلِ |
قد كنتَ من قمص الدجى في جنَّة ٍ | لا تنتحى ومن الحجا في معقلِ |
متمنعا بالفضل لا ترنو إلى | مغناك مقلة ُ راصدٍ متأملِ |
فمن اى ِّ خرمٍ أو ثنيّة ِ غرَّة ٍ | طلعتْ عليك يدُ الردى المتوغِّلِ |
ما خلتُ قبلك أنّ خدعة َ قانصٍ | تلج العرينَ وراءَ ليثٍ مشبلِ |
أو أنّ كفَّ الدهر يقوى بطشها | حتى تظفِّرَ في ذؤابة يذبلِ |
كانوا يرونَ الفضلَ للمتقدّم ال | سبّاقِ والنقصانَ في المتقبِّلِ |
قول الهوى وشريعة منسوجة | وقضيّة من عادة ٍ لم تعدلِ |
حتى نجمتَ فأجمعوا وتبيّنوا | أن الأخير مقصِّرٌ بالأولِ |
بكر النعيُّ فسكَّ فيك مسامعي | وأعاد صبحي جنحَ ليلٍ أليلِ |
ونزت بنيَّاتُ الفؤاد لصوته | نزوَ الفصائلِ في زفيرِ المرجلِ |
ما كنتُ أحسبُ والزمانُ مقاتلي | يرمى ويخطئ أنَّ يومك مقتلي |
يومٌ أطلَّ بغلّة ٍ لا يشتفي | منها الهدى وبغمّة ٍ لا تنجلي |
فكأنَّه يومُ الوصيّ مدافعاً | عن حتفه بعد النبيِّ المرسلِ |
ما إن رأت عيناي أكثرَ باكيا | منه وأوجعَ رنّة ً من معولِ |
حشدوا على جنباتِ نعشك وُقَّعا | حشدَ العطاش على شفيرِ المنهلِ |
وتنازفوا الدمعَ الغريبَ كأنما ال | إسلامُ قبلك أمُّهُ لم تثكلِ |
يمشون خلفك والثرى بك روضة ٌ | كحلَ العيونَ بها ترابُ الأرجلِ |
إن كان حظِّي من وصالك قبلها | حظَّ المغبِّ ونهزة َ المتقلِّلِ |
فلأعطينَّك من ودادي ميِّتاً | جهدَ المنيب ورجعة َ المتنصلِ |
أو أنفدت عيني عليك دموعها | فليبكينَّك بالقوافي مقولي |
ومتى تلفَّت للنصيحة ِ موجع | يبغى السلوَّ ومالَ ميلَ العُذَّل |
فسلوّك الماءُ الذي لا أستقي | عطشانَ والنارُ التي لا أصطلي |
رقَّاصة القطراتِ تختمِ في الحصا | وسماً وتفحص في الثرى المتهيِّلِ |
نسجت لها كفُّ الجنوبِ ملاءة ً | رتقاء لا تفصى بكفِّ الشمألِ |
صبّابة الجنباتِ تسمعَ حولها | للرعدِ شقشقة َ القرومِ البُزَّلِ |
ترضى ثراك بواكفٍ متدفِّقٍ | يروى صداك وقاطرٍ متسلسلِ |
حتى يرى زوَّارُ قبرك أنّهم | حطُّوا رحالهم بوادٍ مبقلِ |
ومتى ونتْ أو قصَّرتْ أهدابُها | أمددتها منى بدمع مسبِلِ |