منْ حاكمٌ وخصوميَ الأقدارُ
مدة
قراءة القصيدة :
9 دقائق
.
منْ حاكمٌ وخصوميَ الأقدارُ | كثرُ العدوُّ وقلت الأنصارُ |
أشجى من الدنيا بحبَّ مقلبٍ | و جهين عرفُ وفائه إنكارُ |
سومَ الدعيَّ إذا تضرع رده | للؤم عرقُ الهجنة ِ النعارُ |
و إذا وفى لمنايَ يومٌ حاضرٌ | فأجارَ أسلمني غدٌ غدارُ |
أفصخرة ٌ يا دهرُ القلبُ أم | هو للهموم الساريات قرارُ |
في كلَّ يومٍ للنوائبِ شلة ٌ | من جانبيَّ وللهمومِ غوارُ |
و مصائبٌ متحكماتٌ ليس لي | معهنَّ في بيع النفوس خيارُ |
تنحى فأحملها ثقالا مكرها | و كأنني بتجلدي مختارُ |
جرحٌ على جرحٍ ولكن جائفٌ | ضلَّ الفتائلُ فيه والمسبارُ |
فجرتْ عمائقهُ العروقَ وغادرتْ | قصبَ العظامِ وهنَّ مخٌّ زارُ |
فاغمزْ قناتي يا زمانُ فإنه | ذاك المماكسُ طائحٌ خوارُ |
كشفتْ لنبلكَ غامضاتُ مقاتلي | و ترفعتْ عن صفحتي الأستارُ |
و أكلتُ لا خلفٌ يردُّ سلامتي | ذلاً ولا يحمي حمايَ جوارُ |
ذهب الذي كانت تجاملني له الد | نيا وتسقط دونيَ الأخطارُ |
و يردُّ فارسة َ الخطوبِ نواصلاُ | منى َّ مخالبهنَّ والأظفارُ |
من يشتريني بالنفائس مغلياً | بعدَ الحسينِ ومنْ عليَّ يغارُ |
و يظلني واليومُ أغبرُ مشمسٌ | أتجللُ النكباتِ وهي أوارُ |
أم من يضمُّ بدائدَ الآمال لي | و يفلُّ عني باسمه الإقتارُ |
و إذا اقشعرتْ أرضيَ استرختهُ | فإذا لجينٌ تربها ونضارُ |
المخذمُ البتارُ أسقطَ من يدي | و الغيثُ أقلعَ عنيَ المدرارُ |
و الصاحب انتزعتْ قوادمُ أسرتي | منهُ وهيضَ جناحها الطيارُ |
فاليوم لا أبتِ الصغارَ ولا اعتزتْ | إلا عبيداً فارسُ الأحرارُ |
و تطأطأتْ ذلاً فطالت ما اشتهتْ | شرفا عليها يعربٌ ونزارُ |
كنا وإن كرمتْ نفاخرها به | فالآنَ ما بعدَ الحسين فخارُ |
لا خفتُ بعدُ ولا رجوتُ وقد ثوى | في الترب منه النافعُ الضرارُ |
سائلْ بهذا الذودِ يرغو بكرهُ | في الحيّ أين المقرمُ الهدارُ |
و متى أخلَّ أبو الشبول بغيلهِ | فتناهقتْ من حوله الأعيارُ |
يا مدرجا فردا تسدى فوقه | بالقاع أردية ُ الثرى وتنارُ |
ملقى ً وراءَ نسية ٍ ومضلة ٍ | تخفى ضريحك والقبورُ تزارُ |
أذللتَ قلبي للأسى وتركتني | أتبردُ الزفراتِ وهي حرارُ |
و حطمتَ آمالي فهنّ ضعائفٌ | و قصرتَ من هممي فهنّ صغارُ |
أنا من شفار القاتليك متى التقتْ | من مقلتيَّ مع الكرى الأشفارُ |
أو قلتُ معتاضا بجارٍ مثله | جارٌ ولا بالدار بعدك دارُ |
و متى صحبتُ العيشَ بعدك باردا | و الناسُ صاروا بي إلى ما صاروا |
نبذوا عهودك آنفا وتقسموا | رمماً بحبل الخلف وهو مغارُ |
ظنوا بفقدك أن يلموا شعثها | يا ربَّ نقضٍ جره الإمرارُ |
و رجوا بهلكك أن يخلد ملكهم | فإذا سلامتهم بذاك بوارُ |
فعلامَ لم تشكمْ وقد فغرتْ لهم | فلجاءُ ينكرنا بها الفرارُ |
و تفجرتْ بالشرّ بعدك والأذى | جنباتها وتداعت الأقطارُ |
حذروا السجالَ يخابطون قليبها | و الحبلُ واهٍ والجبا منهارُ |
ودوا لو أنك حاضرٌ فكفيتها | لما تولى أمرها الأغمارُ |
و رعى الندامة َ حيث لم يشبع بها | غاوٍ رماك وآخرون أشاروا |
وليَّ يفرُّ ولم يعفها سبة ً | تسري وليس من الحمامِ فرارُ |
سرعانَ ما استعروا بجمرة ِ بغيهم | و لربَّ باغٍ غره الأنصارُ |
طرحوا الفراتَ إلى الفراتِ فمادرى | ملقوك أيهما له التيارُ |
و تعاظموا أن يقبروك ومن رأى | ليثا يخطُّ له الثرى محفارُ |
و أبي العلا ما كنتُ أعلم قبلها | أنّ البحورَ قبورهنَّ بحارُ |
ذلاًّ لبيض الهند بعدك شدّ ما | غدرتْ ولا سلمَ القنا الخطارُ |
ما كان أنكلهنَّ عنك لو أنه | عند السلاح حفيظة ٌ وذمارُ |
قتلوك محصورا غريبا لا ترى | مولى يعزُّ ولا بجنبك جارُ |
من خلفِ ضيقة ِ السماء بهيمة ٍ | ينزو بقلبك بابها الصرارُ |
حفروا الزبى لك فارتديت وإنما | سلطانُ ليث الغابة الإصحارُ |
هلا وفيك إلى وثوبٍ نهضة ٌ | و لديك منتفدٌ وعندك زارُ |
و خطاك واسعة ُ المدى تحت الظبا | لا الخيطُ يحبسها ولا المسمارُ |
أعززْ عليَّ بأن تصابَ غنيمة ً | في القدَّ يجمعُ ساعديك إسارُ |
في حيث لا يروى على عاداته | بيديك نصلٌ حائمٌ وغرارُ |
و بمصرعٍ لك لم تثابر دونه | فوق الأكفَّ صوارمٌ وشفارُ |
و الخيل صاعة على أشطانها | قرحى تقامصُ خلفها الأمهارُ |
بشياتها لم يختضبْ بدمٍ لها | عرفٌ ولم يبللْ عليك عذارُ |
أو أن يكون الجوُّ بعدك ساكنا | و اليومُ أبيضُ ما عليه غبارُ |
و وراء ثأرك غلمة ٌ لسيوفهم | في الروع من مهج العدا ما اختاروا |
يتهافتون على المنون كأنهم | حرصاً فراٌش والمنية ُ نارُ |
حلماءُ في الجليَّ فإن هم أغضبوا | طاشوا فحنت فيهم الأوتارُ |
لو صحتَ تسمعهم وصوتك في الثرى | فحصوا عليك وفي السماء لطاروا |
خذلوك مضطرين فيك وجمجموا | من بعد ما فصحت بك الأخبارُ |
و تناذروا أن يندبوك قضية | فالحزنُ بينهمُ عليك سرارُ |
إن يمسكوا فيضَ الدموع فربما | فاضت عيونٌ في الصدور غزارُ |
أو يجلسوا نظرا ليوم تشاورٍ | فالريثُ أحزمُ ما أرابَ بدارُ |
و لربما نام الطلوبُ بثأره | لغدٍ ولكن لا ينام الثارُ |
و قد اشتفى بعد البسوس مهلهل | زمنا وما نسى َ الدمَ المرارُ |
و على الطفوف دمٌ أطيلَ مطالهُ | حتى تقاضى دينه المختارُ |
لا بدّ من يومٍ مريضٍ جوه | للخيلِ فيه بالرؤس عثارُ |
متوردِ الطرفين يكفرُ شمسهُ | دجنٌ له علقُ الكماة ِ قطارُ |
تصلاه باسمك آخذين بحقهم | عصبٌ لهم عبدُ الرحيم شعارُ |
فهناك يعلم قاتلوك بأنه | ما عقّ من أبناؤه أبرارُ |
و يرى عدوك والبقاءُ لغيره | أنّ البقاءَ وإن أطيلَ معارُ |
و إن اشتفى وحلا بفيه غدرهُ | أنَّ اعتقابَ حلاويته مرارُ |
و لقد يشاك المجتني بمكان ما | عجلتْ يداه ويلدغُ المشتارُ |
و ليَّ شنعاء تذهبُ نفسهُ | فيها ويبقى لومها والعارُ |
درستْ بك السنن الحميدة ُ واغتدى | نقدُ المكارم وهو منك ضمارُ |
هل سائلٌ بك بعدها أو قائلٌ | هيهات لا خيرٌ ولا استخبارُ |
حتى كأنك لم تقدْ ملمومة ً | يوميَ إليك أمامها ويشارُ |
خرساءَ إلا ما تكلم صارمٌ | في قونسٍ أو طنَّ عنه فقارُ |
تهفو عليك عقابها ويضمها | منشورة ً لفنائك التكرارُ |
و كأنَّ رأيك لم يلحْ قبساً إذا | عميتْ عشايا الرأي والأسحارُ |
و إذا خلاط الأمرِ سدَّ طريقه | فلديك واضحة ٌ له وقرارُ |
و كأنّ بابك لم يكن لعفاته | حرما يجير ولا حمى يمتارُ |
يأوى إليه المسنتون ويلتقي | بفنائه السفارُ والحضارُ |
و تبيت تلغطُ من وصائلِ ناقة ٍ | عشراءَ عندك برمة ٌ أعشارُ |
تصفى كرائمها الضيوفَ وتكتفي | فيما يليك بما انتقى الجزارُ |
و كأنّ كفك لم تبنْ في ظهرها | قبلُ الملوكِ وتشهدُ الآثارُ |
و يخفُّ بين بنانها إن حملتْ | ضبطُ الحسامِ ويثقلُ الدينارُ |
بالكره منك وبالمساءة روحت | لسوى العقور على البيوت عشارُ |
و تراجعتْ وخدودها ملطومة ٌ | بزلٌ لقصدك وجهتْ وبكارُ |
و غفلتَ لم تسأل ولستَ بغافلٍ | أنيَّ تنكب بابك الزوارُ |
و تسلبتْ من فارسٍ أو راكبٍ | تلك السروجُ إليك والأكوارُ |
و متى أرمَّ المادحون وأكسدتْ | من بعد ما نفقتْ بك الأشعارُ |
أو أن أقولَ فلا تصيخ لقولتي | لو كنتَ متروكا وما تختارُ |
و ترى الزمانَ يضيمني فيفوتني | من راحتيك حمية ٌ وغيارُ |
قد كنتَ حصنا من ورايَ وكان لي | بك من أمامي جنة ٌ وصدارُ |
أيامَ شيبي تحت ظلك نضرة ٌ | و صباً وليلي في ذراك نهارُ |
و عليَّ من نعمى يديك طلاوة ٌ | أمشى وتتبعني لها الأبصارُ |
قد كنتُ أحسبُ أن بأسك هضبة ٌ | لا يستطيع رقيها المقدارُ |
و أقولُ أن لسقف بيتك في العلا | عمداً حبالُ الموت عنه قصارُ |
و إخالُ جودك نثلة ً دون الردى | حصداءَ تمنع فرجها الأزرارُ |
فإذا الشجاعة ُ والسماحة ُ متجرٌ | تزكو به الأعمالُ والأعمارُ |
غدرا من الأيام تفتقُ شمسها | و الأرضِ تورقُ فوقها الأشجارُ |
و مذلة في السحبِ وهي صواحب | ليديك تنزل بعدك الأمطارُ |
كم قد تعللتِ المنى بك تارة ً | أمنٌ وطورا خيفة ٌ وحذارُ |
و تخالفتْ فيك الرواة ُ فسرني | و تلونت بحديثك الأخبارُ |
و لقد ظننتُ بها وراءَ لثامها | خيراً فكشفَ قبحها الإسفارُ |
إن تفتقل عيني مثالك في العلا | فبنوك من عين العلا آثارُ |
سدوا مكانك والشموسُ إذا هوتْ | ملأت مطارحَ نورها الأقمارُ |
طبْ في الثرى نفساً فكلٌّ منهمُ | ثمَّ اقتراحك فيه والإيثارُ |
هم أنفسا تدوى عداك وألسنا | من جمرتيك سلائطٌ وشرارُ |
كانوا السراة َ وقد عدمتَ وبعضهم | لأبيه إن طرقَ الحمامُ عوارُ |
متلاحقين إلى العلاء كأنهم | مجرونَ يجمعُ بينهم مضمارُ |
الوفدُ وفدك طائفٌ بيوتهم | و الحاملُ العبقاتِ والسمارُ |
تتلى عليهم فيك كلُّ فضيلة ٍ | للميتِ فيها النشرُ والتذكارُ |
أيدٍ طبعنَ على السماح وأوجهٌ | في عتقها من دوحتيك نجارُ |
هم ما همُ ويزينُ مجدَ أبيهمُ | خالٌ لزندِ المجدِ منه سوارُ |
ما غبتَ عنهم وهو شاهدُ أمرهم | لك منه فيهم كافلٌ وطوارُ |
فليبقَ وليبقوا له ما طبق ال | آفاق طيبُ ثائك السيارُ |
و إذا العزاءُ أتى فذلَّ لهم به | فيك العزيزُ وأسهلَ المعسارُ |
و لقد أسليهم وفي عظتي لهم | جزعٌ ورجع كلاميَ استعبارُ |
ساهمتهم عبءَ المصابِ وكلنا | تحت التجمل حاملٌ صبارُ |
لا تبعدنّ بلى فقد فات البلى | بك أن يظنَّ تقاربٌ ومزارُ |
و سقاك إن عطش القليبُ وماؤه | متبجسٌ وقرارهُ خرارُ |
متهدلُ الأطرافِ يمسحُ بالثرى | مما تراكمَ ذيلهُ الجرارُ |
صخبُ الرعودِ تهيجُ في جنباتهِ | للعاصفاتِ جراجرٌ وخوارُ |
فجرى يجللُ بالحيا حيطانهُ | حتى الجداولُ تحتها أنهارُ |
يسقى بأعذب ما سقى حيث التقتْ | فلقُ الصفيحِ عليكَ والأحجارُ |
حتى يظنَّ ثراك نشوانا به | دارت عليه من السحابِ عقارُ |
و يضوعَ منك بطيبِ ما في ضمنه | فكأنّ ضارجَ تربه عطارُ |
و نزلتَ حيث تحطُّ أملاكُ العلا | شوقا إليك وترفعُ الأوزارُ |