عزفتُ فما أدري الفتى كيف يرغبُ
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
عزفتُ فما أدري الفتى كيف يرغبُ | و عفتُ فما أشكو القذى كيف يشربُ |
و روضني لليأسِ هجرُ مطامعي | فبغض عندي الوفر وهو محببُ |
رأيتُ الغنى ما ندَّ عني ففاتني | فكيف يخافُ الفوتَ من ليس يطلبُ |
و أرضى عن الأقدارِ كيف تصرفت | و غيريَ بالأقدارِ يرضى ويغضبُ |
أأشري بعرضي رفدَ قومٍ معوضة ً | و أشعرُ نفسي أنّ ذلك مكسبُ |
فلا جرَّ رزقٌ غبطة ً وهو يجتدي | و لا سدَّ مالٌ خلة ً وهو يوهبُ |
هنئيا لربَّ الرائحاتِ خلاصهُ | إذا ضافني مما يعقُّ ويحلبُ |
و من قودها لي في الصلاب ثنية ً | و بزلاءَ تعصي في القيادِ وتصحبُ |
تركتُ لمعطي النائلِ الغمرِ نيلهُ | و إني إلى ترك البخيلِ لأقربُ |
فلا المدحُ في المسنى الجوادِ أكده | و لا اللحزُ المناعُ ذميَ يرهبُ |
و يظلمني المولى وفي فيَّ ناصرٌ | و كفي فلا أشكو ولا أتعتبُ |
إذا ذهبتْ بي رغبة ٌ عن تلاده | طريقاً فما لي عنه بالودّ مذهبُ |
له خصبهُ دوني ولي نوطة ٌ به | و عونٌ على أيامه وهو مجدبُ |
و للحبَّ مني ما أمنتُ خيانة ً | محلة ُ قلبٍ قلما يتقلبُ |
أجرُّ الهوى مالان فضلة َ مقودي | و يعسفني حينا فآبي وأجذبُ |
و ما كلما فارقتُ أشربُ دمعتي | و لا كلما غنى الحمامُ أطربُ |
و كم ألفتني ظبية ٌ وهي فذة ٌ | فملتُ ولم أعطفْ وقد عنّ ربربُ |
أحبُّ الوفاءَ محمسا ومغزلا | و أصحبهُ فيما أجدُّ وألعبُ |
و أعطى يدي ما خلتني متفضلا | و أمنعها ما خلت أنيَ أرغبُ |
فلو لقيتْ أيامُ دهري خلائقي | لكانت على جهلاتها تتأدبُ |
و لو أنها للسلم جانحة ٌ معي | لكانتْ على الشحناء بي تتحببُ |
و كنتُ لها عذرا إلى كلَّ ماجدٍ | يرى أنها في حربِ مثلي تذنبُ |
و لكنها عجماءُ سيانِ عندها | شدا جاملٌ أو قال هجرا مؤنبُ |
تشطُّ بأحبابي الذين أودهم | و تدنو بجارٍ لا أحبُّ فتقصبُ |
و لو أنها تأوى لصوني لقربتْ | بعيدا وشطت بالذين تقربُ |
كواكبُ آمالي وأقمارُ مطلبي | نأتني وفي الأحبابِ بدرٌ وكوكب |
تطلعُ حينا من بروج سعودها | على َّ ويطويها البعادُ فتغربُ |
إذا قلتُ هذا العامُ حسبُ وبعده ال | ثواءُ أتى في الأمر ما ليس يحسبُ |
فكم يحملُ الثقلَ الضعيفُ وكم ترى | يقلُّ وسوقَ البعدِ جنبٌ مندبُ |
و كم تكتسي في ظلَّ قومٍ أعزة ٍ | قوادمُ ريشي ثم تعرى فتسلبُ |
و يأخذُ مني الحاضرون ببخلهم | فواضلَ ما يعطي السماحُ المغيبُ |
أيدري الوزيرُ من كني عنه أو عني | نعم هو يدري ما أعمي وأعربُ |
و إني بحبلٍ غيرِ أطنابِ بيته | على بيتِ شعرٍ ناصح لا أطنبُ |
سماتُ بني عبد الرحيم سلائطٌ | على وجهِ أشعاري تنيرُ وتثقبُ |
لهم جمتا فكري مطيلا ومقصرا | و صفوتهُ صرفاً وبالماء تقطبُ |
فلو قلتُ إني في مديح سواهمُ | صدقتُ لقال الشعرُ في السرَّ تكذبُ |
همُ أمكنوني من ظهورِ مآربي | فأركبُ منها ما اشاء وأجنبُ |
ألمُّ بهم ما لا يلمُّ بشاعبٍ | و أرأبُ فيهم صدعَ ما ليس يرأبُ |
و أستعتب الأيامَ وهي مصرة ٌ | بهبتهم حتى تفيءَ فتعتبُ |
همُ رحمي والأقربون معقة ٌ | و فيهم أبي البرُّ الرؤوفُ ولا أبُ |
و دولتهم لا عطلتْ لي مواسمٌ | و أيامهم سوقٌ بفضلي تجلبُ |
ذخرتُ لهم كنزا مواريثَ قومهم | فمن رامني من غيرهم فهو يغصبُ |
فلا أسمعتْ ذبيانُ بعدي وبعدهم | بني منذرٍ عذرا به العفوُ يوجبُ |
و لا فرحتْ أقيالُ آلِ أمية ٍ | بما سيرتْ فيها تميمٌ وتغلبُ |
أيا راكبَ العشواءِ يطرحُ صدرها | خطارا على الشقَّ الذي هو أتعبُ |
ترى ظلها في الشمس تحسبُ أنه | لأخرى سواها لاحقاً أو ستقربُ |
تغارُ إذا ما ابصرتْ ظلَّ سنبكٍ | على الأرض جلى َّ سابقا وهي تعقبُ |
كأن فجاج الأرض نقدٌ لركضها | تغير عليهِ كيفَ شاءت وتنهبُ |
تنص مقاضاتين للسير تلفظُ ال | محالَ وتوعي الحقَّ نصحاً فتوعبُ |
و كالئة ٍ ترعى الشخوصَ كأنها | أخو ليلة ٍ بات الربيئة َ يرقبُ |
إذا اقتضيتْ في ذمة النجم حاجة ٌ | فتلك لديها دعوة ٌ لا تخيبُ |
تحملْ سلامي واحتقبْ ليَ حاجة ً | تضيءُ لك المسرى وطرقك غيهبُ |
إلى شرف الدين انتزعها إهابها | و دعها على نارِ السياط تلهبُ |
إلى ملكٍ لا يسلكُ النومُ جفنهُ | و في الملكِ صدعٌ بالسهاد يشعبُ |
و لا تبلغُ الأثقالُ غاية َ جهدهِ | إذا ظلت البزلُ المصاعيبُ تشغبُ |
تفحصَ في الآراءِ حتى أرينهُ | على غير فحصٍ أيّ أمريه أصوبُ |
و أتعبه التدبيرُ حتى أراحه | و قد تستريح النفسُ من حيث تتعبُ |
فكن مبلغاً عنيّ وحظك عنده | إذا أنت باسمي فهتَ أهلٌ ومرحبُ |
و قل يا عميد الدولة اعطفْ وإن جنتْ | فما زلة ٌ إلا وعفوك أرحبُ |
تلافَ عصاها أن تشقَّ فإنها | بسوء القضايا تلتحي وتشذبُ |
و داركْ ذماها وهو بعدُ فربما | تخور القوى أنْ ينفعَ المتطببُ |
يقربك الإقبالُ حينا فتؤنس ال | حياة ويقصك الشقاءُ فتعطبُ |
و من أعجب الأشياء تعليلها بمنْ | ترى عجزه من حظه يتعجبُ |
فإن يبلغوا بالداء لا يحسمونه | و عندهمُ منك الدواءُ المجربُ |
إذا طلقتْ منك الوزارة ُ أصبحتْ | مجدذة ً من حسنها تتسلبُ |
تغوثُ بالأسحار تدعو صباحها | و تبكي زمانَ الوصل منك وتندبُ |
تخالُ بها ربعا محيلاً تساقطتْ | تحاجلُ فيه الساحجاتُ وتنعبُ |
بنيتَ بها بكر الصبا فمن الذي | يصفي هواها وهي شمطاءُ ثيبُ |
و أبرحُ من تعنيسها وهي أيمٌ | إذا غبتَ من يسمى لها وهي تخطبُ |
و هذا أوان الشدَّ فانهضْ بحملها | وثبْ واثقا إنَّ العلاءَ توثبُ |
فما كلُّ ما استوضحتَ فيها هداية ٌ | و ليس ضلالا كلُّ ما تتنكبُ |
قد اشتاقك الملكُ الذي أنت أنسهُ | و أوحشَ صدرٌ منه وارتاعَ موكبُ |
و قد أعجفَ الروادُ واعتصروا الحيا | من الصخر إذ أمست سماؤك تحجبُ |
و قصَّ جناحُ الشعرِ لا الطبعُ جاريا | يرقُّ ولا مستولدُ الفكر ينجبُ |
فنحن كأنا لم نصفْ ملكا ولم | نقم قطّ ما بين السماطين نخطبُ |
و كائنْ لنا من موقفٍ متشهرٍ | لديك يطيبُ القولُ فيه ويعذبُ |
تميزُ به عنقَ القوافي وهجنها | و تعلمُ ما ذا يجتبى ويحببُ |
و وجهك بسامٌ إلى المدح مقبلٌ | عليه ووجهُ الدهر جهمٌ مقطبُ |
و كم ثمَّ من مسترزقٍ حلفتْ له | لهاك وبرتْ أنه لا يخيبُ |
و عيشٍ يبيسٍ بالسماح بللتهُ | و وجهك فيه من بنانك أرطبُ |
رعى اللهُ منك البحرَ لم أروَ بعده | بلى َ ربما أفعمتَ والبحرُ ينضبُ |
و مطرحَ آمالي الذي كلُّ ضيقٍ | عليه فسيحٌ عنده ليَ مرغبُ |
و ما لي إذا أعسرتُ من كلَّ وجهة ٍ | و جاهي الذي من بعضه المالَ أكسبُ |
تأجنُ غدراني وماؤك سلسلٌ | و تخبثُ أوطاني وتربك طيبُ |
وَ جودك لي سيان ما كنتَ حاضرا | قريبا وما ينأى وما يتقربُ |
فلولا مضيضُ الشوقِ لم أشكُ غصة ً | و لا أجحفَ التردادُ بي والتقلبُ |
و لكنك العينُ التي كلُّ غبطة ٍ | إذا هي لم توجدْ عناءٌ معذبُ |
فلا حولتْ عني ظلالك خطة ٌ | تحلُّ ولا محذورة ٌ تترقبُ |
و عشتَ لمثلي واحدا في زمانه | و للناسِ بعدي يطلبون وتطلبُ |
أجازي نداك الغمرَ نشرا مخلدا | كلانا مطيلٌ في معانيه مطنبُ |
بكلّ مطاعٍ أمرها مستجيبة ٍ | لدعوتها الأسماعُ تزجى وتوهبُ |
تولجُ لا تخشى تلونَ آذنٍ | لها الخلواتُ والرواقُ المحجبُ |
يقرُّ لها بالفضلِ من لم تقلْ له | و يعظمها العيابُ والمتعصبُ |
لها كلُّ صوتٍ كلُّ راويه مبلغٌ | فصيحٌ ومن غنى به فهو مطربُ |
تصفتْ فقد كادت مع التبر تقتنى | و رقتْ فقد كادتْ مع الماء تشربُ |
مصدقة في المدح أسرفَ أو غلا | و مأمونة ما تستزيدُ وتعتبُ |
تزورك يوما في نديك تجتلى | و يوما مع السفارِ تقرا وتكتبُ |
تسوقُ التهاني خلفها وأمامها | تصعدُ في الدنيا بكم وتصوبُ |
تذكركم من حقها إن نسيتمُ | بما تقسم الأعيادُ حظا وتنصبُ |
ترفعُ عن تيه المصيبِ وعجبهِ | و لكن بكم فخرا تتيهُ وتعجبُ |