أخوكِ مُعَذَّبٌ يا أُمّ دفرٍ،
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أخوكِ مُعَذَّبٌ يا أُمّ دفرٍ، | أظَلّتْهُ الخطوبُ وأرهقَتهُ |
وما زالتْ معاناةُ الرّزايا | على الإنسانِ، حتى أزهَقَته |
كأنّ حَوادِثَ الأيّامِ آمٌ، | تُريقُ بجَهلِها ما أدهَقَته |
تَروقُكَ من مَشارِبها بمُرٍّ، | وكلُّ شَرابِها ما روّقَته |
ونَفسي والحَمامةُ لم تُطَوَّقْ، | مُيَسِّرَةٌ لأمْرٍ طُوّقَتْه |
أرى الدّنيا، وما وُصِفَتْ ببِرٍّ، | متى أغنَتْ فَقيراً أوهَقَته |
إذا خُشِيَتْ لشَرٍّ عَجّلَتهُ؛ | وإنْ رُجيَتْ لخَيرٍ عوّقَته |
حَياةٌ، كالحِبالةِ، ذاتُ مكرٍ؛ | ونفسُ المرءِ صَيدٌ أعلَقَته |
وأنظُرُ سَهمَها قد أرسَلَتهُ | إليّ بنكبَةٍ، أو فوّقَته |
فَلا يُخدَعْ، بحيلَتِها، أريبٌ، | وإنْ هيَ سوّرَتْهُ ونَطّقَته |
تعلّقَها ابنُ أُمّكَ في صِباهُ، | فهامَ بفارِكٍ ما عُلّقَتْه |
أجَدّتْ في مُناهُ وعودَ مَينٍ، | إلى أن أخلَفتَه، وأخلَقتَه |
يُطَلِّقُ عِرْسَه، إن مَلّ منها، | ويأسَفُ إثرَ عِرسٍ طَلّقَته |
أكلّتْهُ، النّهارَ، وأنصَبَتْهُ، | وأشكَتهُ، الظّلامَ، وأرّقَته |
سقَتهُ زمانَهُ مَقِراً وصاباً، | وكأسُ الموتِ آخِرُ ما سقَته |
وما عافَتهُ، لكنْ عَيّفَتهُ؛ | وما نتَقَتْ علاه، بل انتَقَتْه |
نُبَكّي للمُغَيَّبِ في ثراه، | وذلكَ مُستَرَقٌّ أعتَقَتْه |
عَجوزُ خِيانَةٍ حضَنَتْ وليداً، | فلَدّتْهُ الكَريهَ وشرّقَته |
أذاقَتْهُ شَهِيّاً من جَناها، | وصَدّتْ فاهُ عَمّا ذَوّقَته |
تُشَوِّقُهُ إلَيهِ بسوءِ طَبعٍ، | ليُشقِيَهُ عَذابٌ شَوّقَتْه |
أضَرّتْ بالصَّفا وتَخَوّنَتْهُ، | ومَرّتْ بالصفاء فرنّقَتْه |
عَدَدْنا من كَتائِبِها المَنايا، | وكم فتَكَتْ بجَمعٍ فرّقَتْه |
قضَتْ دَينَ ابن آمنةٍ، وجازَتْ | بإيوانِ ابنِ هُرمُزَ فارتَقَته |
طَوتْ عنه النّسيمَ، وقد حَبَته، | وحَيّتهُ بِنَوْرٍ فتّقَتْه |
كَسَتهُ شبابَهُ ونضَتهُ عَنهُ، | وكَرّتْ للمَشيبِ، فمَزّقَته |
وعاثَتْ في قُواهُ فحلّمَتْه، | وقِدْماً أيّدَتْهُ فنَزّقَتْه |
تميتُ مُسافراً، ظلماً، بهَجلٍ، | وفي بَحرِ المَهالِكِ غَرَّقَتْه |
فإمّا في أريزٍ أخصَرَتْهُ، | وإمّا في هَجيرٍ حَرّقَتْه |
وما حقَنَتْ، دمَ الإنسانِ فيها، | رُموسُ في الرَّغامِ تَفَوّقَتْه |
وقد رَفَعتْ غَمائِمَ للرّزايا، | على وَجهِ الترابِ، فطَبّقَته |
تُؤمِّلُ مَخلَصاً من ضِيقِ أمرٍ، | وليسَ يُفَكُّ عانٍ أوثَقَتْه |
هيَ افتَتحتْ له، في الأرض، بيتاً، | فبوّتْه النّزيلَ، وأطبَقَته |
ونحنُ المزمعونَ وشيكَ سيرٍ، | لِنَسلُكَ في طَريقٍ طَرّقَتْه |
هَوتْ أُمٌّ لنا غدَرَتْ وخانتْ، | ولم تَشفِ السّليلَ ولا رَقَته |
إذا التَفَتَ ابنُها عَنها بزُهدٍ، | ثَنَتْهُ بزُخرُفيٍّ نَمّقَته |
ولو قدرَ العبيدُ على إباقٍ، | لَبادَرَ عَبدُ سُوءٍ أوبَقَته |
أُقاتُ الشيءَ بعدَ الشيءِ فيها، | ليُمسِكَني، فليتيَ لم أُقَتْه |
عذَلتُ حُشاشةً حَرصتْ عليها، | فَجاءَتْني بعُذْرٍ لَفّقَتْه |
وتُسألُ عَن بَقاءٍ أُعطيَتْهُ، | غَداً، في أيّ شيءٍ أنفَقَتْه |
ولَستُ بفاتحٍ للرّزْقِ باباً، | إذا أيْدي الحَوادثِ أغلَقَته |
تَمَنّى دولَةً رجلٌ غَبيٌّ، | ولو حازَ المَمالِكَ ما وَقَتْه |
وإنّ المُلكَ طَوْدٌ أثْبَتَتْهُ | صرُوفُ الدّهرِ، ثُمّتَ أقلَقَته |
ومَنْ يَظفَرْ بأمرٍ يَبتَغيهِ، | فأقضِيَةُ المُهَيمِنِ وَفّقَتهْ |
لَنا مُهَجٌ يُمازِجُها خِداعٌ، | تَوَدُّ قَسِيَّها لو نَفّقَتْهُ |
ووالدَةٌ بنَتْ جَسداً بنحضٍ، | وفاءَتْ فَيْئَةً، فتَعَرّقَتْه |
تَوَطّأتِ الفَطيمَ، على اعتمادٍ، | فَما أبْقَت علَيهِ، ولا اتّقَتْه |
ولم تكُ رائماً ساءَتْ رَضيعاً، | وحَنّتْ بَعدَها فتَمَلّقَتْه |
حَياتُكَ هَجعَةٌ: سُهدٌ ونومٌ، | ورؤيا هاجعٍ ما أنّقَتْه |
فمِنْ حُلمٍ يسرُّكَ أبطَلَتهُ؛ | ومِنْ حُلْمٍ يضرُّكَ حَقّقَته |
وكمْ أدّى، أمانَتَهُ إلَيها، | أمينٌ خَوّنَتْهُ، وسَرّقَتْه |
وقائمُ أُمّةٍ زكّتْهُ عَصراً، | فلمّا أن تمكّنَ، فسّقَته |
وإن أدنَتْ لنا أملاً، فقُلنا: | أتانا، أبعَدَتهُ وأسحَقَتْه |
ووَقتيَ كالسّفينَةِ سَيّرَتْهُ، | ومِن سُوءِ الجَرائمِ أوسَقَتْه |
حثتْ، يَبسَ الرَّغامِ على رَضيعٍ، | يَدٌ، بأبيهِ آدَمَ ألحَقَتْه |
وكم صالَتْ، على بَرٍّ تَقيٍّ، | أكفٌّ، بالمَواهبِ أرفَقَته |
وأنفاسي موَكَّلةٌ برُوحٍ | أراحَتها، وعُمرٍ أمحَقَته |