نجوم الصبا أين تلك النجوم
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
نجوم الصبا أين تلك النجوم | نسيم الصبا أين ذاك النسيم |
أما في التخيل منها ضياء | أما في التنشق منها شميم |
فيلحقها من ضلوعي زفير | ويدركها من دموعي سجوم |
لقد شط روض إليه أحن | وغارت مياه إليها أهيم |
أوانس يصبح عنها الصباح | نواعم ينعم منها النعيم |
كواكب تصغي إليها السعود | كواعب تصبو إليها الحلوم |
ليالي إذ لا حبيب يصد | وعهدي إذ لا عذول يلوم |
وإذ لا صباحي رقيب عتيد | ولا ليل وصلي ظلام بهيم |
وكيف وشمس الضحى لي أليف | وأنى وبدر الدجى لي نديم |
وخمري من الدر مسك مذاب | وروضي من السحر دل رخيم |
وأوجه أرضي زهر تروق | وملء سمائي نجوم رجوم |
فشيطان لهوي مطاع مطيع | وشيطان همي طريد رجيم |
غرارة عيش أراها الغرور | بأن الزمان صديق حميم |
وغمرة شك أتاها اليقين | بأن رضيع الأماني فطيم |
وغصن شباب علاه المشيب | كغض رياض علاها الهشيم |
ب فيا عجبا لصروف الزمان | شهودا لنا وهي فينا خصوم |
وكيف قضى حكم هذا القضاء | علي لدهري وهو الظلوم |
فنحن ديون النوى كل يوم | على حكمه يقتضينا الغريم |
وتلك المعاهد بن رسوما | عفاها الذميل بنا والرسيم |
بسير يقول الصفا الصم منه | أما للحوادث قلب رحيم |
أما يستقال الزمان الكئود | أما يستكف العذاب الأليم |
عن الأوجه المتوالي عليها | ليال وأيام جهد حسوم |
جسوم تطير بهن القلوب | بأجنحة ريشهن الهموم |
بكل هجير لو النار تصلى | جحيما لأصبح وهو الجحيم |
كأن رواحلنا في ضحاه | صوادي سمام حداها السموم |
وفي كل ليل تغشى دجاه | فنام ولكنه لا ينيم |
كأنا وقد سد بابيه عنا | وهام بنا الذعر هام وبوم |
وفي كل بحر كما قيل خلق | صغير يهاويه خلق عظيم |
كأنا عليه نجوم الثريا | تسير وقد أفردتها النجوم |
نجاء تمنى ثمار النجاة | ومن دونهن رجاء عقيم |
فذاك مدى صبر حر يضام | وذاك مدى صرف دهر يضيم |
وكم أعقب الظمء حسي جموم | وكم عاقب الجدب ري جميم |
وفي اسم المظفر فأل الحياة | ليحيا الغريب به والمقيم |
يبشرنا بسناه الصباح | وتخبرنا عن نداه الغيوم |
ففي كل بحر لنا منك شبه | وفي كل فجر لنا فيك خيم |
ومرعاك في كل أرض نرود | وسقياك في كل برق نشيم |
وفي كل ناد مناد إليك | هلم إلى حيث يغنى العديم |
هلم إلى حيث تنسى الرزايا | هلم إلى حيث تؤسى الكلوم |
هلم إلى حيث يؤوى الغريب | هلم إلى حيث يحمى الحريم |
هلم لعز حمى لا يرام | يسح عليه حيا لا يريم |
علا أعرقت فيك من عهد عاد | يدين الكريم بها واللئيم |
عهود مكارم لا عهدها | ذميم ولا الدهر فيها مليم |
أجد مناقبهن اللبيس | وأحدث آثارهن القديم |
تنير بهن القبور الدثور | وتعبق منها العظام الرميم |
وتثمر من طعمهن الغصون | وتغدق في سقيهن الأروم |
ويوصي بهن مليكا مليك | ويودعهن كريما كريم |
فعم الخلائق منها خصوص | كفاها وخصك منها العموم |
وجاءتك بين ظباة السيوف | تصول القيول بها والقروم |
وفي كل بر وفي كل بحر | صراط إليك لها مستقيم |
وأنت بميراثهن المحيط | لأنك فيها الوسيط الصميم |
فإن أعلقت بك علق الفخار | فأنت الكفيل بها والزعيم |
وإن رضيتك لتاج البقاء | فأنت الرفيع به والعميم |
وسيفك للدين ركن شديد | وحظك في الملك حظ جسيم |
وإن يهنك اليوم عيد يعود | فيهن له منك عيد يقيم |
ولما رأى أنه لا يدوم | أتاك يهنيك ملكا يدوم |
وإقبالها دولة لا تناهى | وإقدامها عزة لا تخيم |
ويهن المصلى تجليك فيه | بوجه ينير وكف تغيم |
وهدي تهادى إليه العيون | ويزهى له زمزم والحطيم |
لبست إليها من الملك تاجا | يهل الهلال له والنجوم |
على حلل حاكهن السناء | وأردية نسجتها الحلوم |
وتحت غيابات غاب الوشيج | أسود إلى مهج الكفر هيم |
وللسابغات بحور تمور | وللسابحات سفين يعوم |
كأن خوافق أعلامهن | طيور على الماء منها تحوم |
ففصل باسمك فصل الخطاب | كما قد حباك العزيز الحكيم |
وأخلص فيك جميل الدعاء | بما لا يضيع السميع العليم |
فلا شاء دهرك ما لا تشاء | ولا رام شانيك ما لا ترومب |
فنصرك أول ما نستمد | وعمرك آخر ما نستديم |