لعل سنا البرق الذي أنا شائم
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
لعل سنا البرق الذي أنا شائم | يهيم من الدنيا بمن أنا هائم |
أما في حشاه من جواي مخايل | أما في ذراه من جفوني مياسم |
لقد برحت منه ضلوع خوافق | وقد صرحت منه دموع سواجم |
ونفح صبا يهفوا على جنباته | كتصعيد أنفاسي إذا لام لائم |
وتحنان دعد صادع لمتونه | كما زفرت نفسي بمن أنا كاتم |
وميض تشب الريح والرعد ناره | كما شب نيران المجوس الزمازم |
حميل بحمل الراسيات إلى الذي | تحملني عنه القلاص الرواسم |
وما أنجدت فيه النجود تصبري | ولا اتهمت وجدي عليه التهائم أ |
سوى لوعة لو يغلب الصبر نارها | لشامني البرق الذي أنا شائم |
فإن يسق من أهوى فدمعي مسعد | وإن يلقه دوني فأنفي راغم |
كفاني التماح الشمس والبدر وجهه | وما اقتبست منه النجوم العواتم |
وما تجتني من طيب أردانه الصبا | ومن ورد خديه الرياض النواعم |
فلهفي على قرن من الشمس ساطع | تجلله كسف من الليل فاحم |
إذا زارني أعشى جفون رقيبه | وأخرس عني ما تقول اللوائم |
وآذن أنفاسي ونفسي بنشره | ورياه أنفاس الرياح النواسم |
وبشرني من قبله صوت حليه | تجاوبه فوق الغصون الحمائم |
إلى ملتقى قلبين ضم عليهما | جوانحه جنح من الليل عاتم |
ومعتنق كالجفن أطبق نائما | على ضم إنسانين والدهر نائم |
فبتنا وقاضي الوصل يحكم في الهوى | وغانم قلبي بالحكومة غارم |
أمص من الكافور مسكا وأجتني | من الوشي رمانا زهته المقادم |
ويرجع روح النفس ما أنا ناشق | ويجبر صدع القلب ما أنا لازم |
وأرشف من حصباء در وجوهر | رحيق مدام سكره بي دائم |
وفي كبدي حر من الشوق لاعج | وفي عضدي غصن من البان ناعم |
يقر هواه أنه لي قاتل | وقلبي له من جفوة الشوق راحم |
أجنب أنفاسي أزاهر حسنه | لعلمي أن النور بالنار ناهم |
وأغمض لحظي عن جنى وجناته | مخافة أن السهم للورد جاهم |
وما صرع القتلى كعينيه صارع | ولا كلم الجرى كصدغيه كالم |
فإن أشف وجدي من تباريح ظلمه | بضمي له أيقنت أني ظالم |
وإن أحي نفسي فيه من ميتة الهوى | بلثمي له لم أعد أني آثم |
فكيف وقد غارت به أنجم النوى | وقيد دون الماء حران هائم |
متاع من الدنيا أراني فراقه | بعين النهى والحلم أني حالم |
وقد صرمته حادثات كأنها | بيمناك يا منصور بيض صوارم |
يضرمها أمثالهن كتائب | يقدمها أشباههن عزائم ب |
أسنتها للمهتدين كواكب | وأعلامها للمسلمين معالم |
وآثارها في الأرض أشلاء كافر | وغاو وفي جو السماء غمائم |
وفي كبد الطاغوت منها صوارع | وفي فقر الشيطان منها قواصم |
بكل تجيبي إليك انتسابه | وإن أنجيته تغلب والأراقم |
ومختار يمناك العلية نسبة | وان سفرت يربوع عنها ودارم |
وأذهلهم جدواك عن كل مفخر | وإن فخرت ذهل بها واللهازم |
أسود إذا لاقوا وطير إذا دعوا | أيامنهم للمعتدين أشائم |
تلمظ في الأيسار منهم أساود | وتهتز في الأيمان منهم أراقم |
ظماء وما غير الدماء مشارب | لهن ولا غير القلوب مطاعم |
عرست الفلا منها غياضا أرومها | حماة الحمى والصافنات الصلادم |
إذا ما دنت من شربها أجنت الردى | وكان جناهن الطلى والجماجم |
فأنستك يا منصور روض حدائق | تلاعب فيهن المنى وتنادم |
يضاحك في أرض الزمرد شمسها | دنانير من ضرب الحيا ودراهم |
وألهتك عن ليل كواكبه المها | وعن أبرج أقمارهن الكرائم |
وما شغلت يمناك عن بذل ما حوت | وإن غار منهن الندى والمكارم |
فخاصمن بيض الهند فيك إلى العلا | وحق لمن في القرب منك يخاصم |
فإن عزها من صدق بأسك شاهد | فقد سنها من عدل حكمك حاكم |
بيوم إلى الهيجا ويوم إلى الندى | وما عال مقسوم والا جار قاسم |
ونوديت يوم الجود للسلم في العدى | فجدت به والمرهفات رواغم |
حذارا على إلف الهوى غربة النوى | وما إلفها إلا الوغى والملاحم |
وعودتها طعم السباع فأشفقت | بإغبابه أن تدعيه البهائم |
وكلفتها رزق الذئاب فأحشمت | لذيب عوى تحت الدجى وهو صائم |
ومنيتها نفس ابن شنج فأسمحت | مسالمة من بعده من تآلم |
على أن بعض العفو قتل ومغنم | وما رد ربح الملك في الحرب حازم |
أ فإن قتيل السيف للذيب مطعم | وإن قتيل العفو للملك خادم |
فيا لبروق لم يزلن صواعقا | على الكفر غيث الأمن منهم ساجم |
نقطع بالأمس الرقاب ووصلت | بها اليوم أرحام لهم ومحارم |
غدت وهي أعراس لهم وعرائس | وبالأمس موت فيهم ومآتم |
بعقد بناء أنت شدت بناءه | وليس له في الأرض غيرك هادم |
فرنجة أعلاه وقشتل أسه | وسلمك أركان له ودعائم |
فملكت تاج الملك تاج مليكة | لتاجيهما تعنو الملوك الخضارم |
وتوجتها فوق الأكاليل والذرى | خوافق تغشاها النسور القشاعم |
وحليتها بعد الدماليج والبرا | حليا لآليه القنا والصوارم |
وضمختها من طيب ذكرك في الورى | بأضعاف ما تهدي إليها اللطائم |
ونظمت آفاق الفلا لزفافها | خيولا حمت ما قلدتها النواظم |
منى كان فيها لابن شنج منية | يغرغر منها راهق الروح كاظم |
مرجت عليه لج بحرين يلتقي | على نفسه تياره المتلاطم |
وغادرته ما بين طودين أطبقا | حتوفا تصادي نفسه وتصادم |
وأسلمه الأشياع بوا بقفرة | سراياك أظار عليه روائم |
فليس له من ناصر الدين ناصر | وليس له من عاصم الملك عاصم |
وقد صدرت عنه خيولك آنفا | وأحشاؤه فيء لها ومغانم |
أقاطيع ملء الأرض أصوات خيلها | وأنعامها عما يكن تراجم |
يناجي نفوسا حازهن غنائما | بأمنك قد حانت عليها المغارم |
وأفعال خفض كنت تشكلها له | برفعك قد أوفت عليها الجوازم |
بغزوة ميمون النقيبة ثائر | عزائمه في الناكثين هزائم |
وكم طمست عينيه برقة مقدم | تلألأ فيها مجدك المتقادم |
تجللها جداك عمرو وتبع | وأعقبها عماك كعب وحاتم |
ومن أعربت فيه أعاظم يعرب | فمستصغر في أصغريه العظائم |
مآثر لم يسبق إليهن سابق | ولا رامها من قبل سعيك رائم |
كسا العرب العرباء منهن مفخر | تصلب منه للوجوه الأعاجم |
وشدت بها في الروم والقوط رفعة | تسامي بها عند السها وتزاحم |
وصرت بها أقلام ضيفك صرة | تصر لها الآذان بصرى وجاسم |
فزودها الركبان شرقا ومغربا | ووافت بها جمع الحجيج المواسم |
وما لي لا أبلي بذكرك في الورى | بلاء تهاداه القرون النواجم |
وأطلعه شمسا على كل أمة | يكذب فيها عن سنا الشمس زاعم |
فيحسدني فيك العراق وشامه | وإياك في عبد شمس وهاشم |
بخست إذن سعيي إليك وهجرتي | وما حملت مني إليك المناسم |
وبين ضلوعي بضع عشرة مهجة | ظماء إلى جدوى يديك حوائم |
تلذ الليالي لحمها ودماءها | وطعم الليالي عندهن علاقم |
قطعت بهن الليل والليل جامد | وخضت بهن الآل والآل جاحم |
إذا ملأ الهول المميت صدورها | تحرك من ذكراك فيها تمائم |
على شدنيات تطير بركنها | إليك خطوب في القلوب جواثم |
فكم غال من أجسامها غول قفرة | وخرم على ألبابهن المخارم |
وكم عجزت عنا ذوات قوائم | فعجنا بعوج ما لهن قوائم |
جاجئ غربان تطير لنا بها | على مثل أطواد الفيافي نعائم |
لها من أعاصير الشمال إذا هوت | خواف ومن عصف الجنوب قوادم |
يحاجى بها ما حامل وهو راقد | وما طائر في جوه وهو عائم |
سرت من عصا موسى إليه قرابة | فطب بفلق البحر والصخر عالم |
وشاهد لقم الحوت يونس فاقتدى | فغاد وسار وهو للسفر لاقم |
أعوذ بقرع الموج في جنباتها | إليك بنا أن يقرع السن نادم |
وما عبرت عنه جسوم نواحل | وما حسرت عنه وجوه سواهم |
وما كتبت في واضحات وجوهنا | إليك الدياجي والرياح السمائم |
فلا رجعت عنك الأماني حسيرة | ولا فزعت منا لديك التمائم |
ولا ختمت عنك الليالي سريرة | ولا فضت الأيام ما أنت خاتم |
ولا نظم الأعداء ما أنت ناثر | ولا نثر الأعداء ما أنت ناظم |
ولا عدم الإشراك أنك ظافر | ولا عدم الإسلام أنك سالم |
ولا زال للسيف الحنيفي قائم | وأنت به في طاعة الله قائم |
جهاد على الكفار بالنصر مقدم | ووجه على الإسلام بالفتح |