ما أحسن الصبر فيما يحسن الجزع
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ما أحسن الصبر فيما يحسن الجزع | وأوجد اليأس ما قد أعدم الطمع |
وللمنايا سهام غير طائشة | وذو النهى بجميل الصبر مدرع |
فإن خلت للأسى في شجوها سنن | فطالما أحمدت في كظمها البدع |
وللفجائع أقدار وأفجعها | للنفس حيث ترى أظفارها تقع |
كأن للموت فينا ثأر محتكم | فما بغير الكريم الحر يقتنع |
قد خبرت نفس إسماعيل في يده | أن ليس عن حرمات المجد يرتدع |
فاحتسبوا آل اسماعيل ما احتسبت | شم الربى من غمام الغيث ينقشع |
واحتسبوا آلا إسماعيل ما احتسبت | خيل الوغى من لواء الجيش ينصرع |
ماذا إلى مصر من بر ومن كرم | بعثتم مع وفد الله إذ رجعوا |
حجوا به بهلال الفطر وانقلبوا | فاستودعوه ثرى مصر وما ربعوا |
فأي قدر رفيع حان محله | في النعش يوما على أكتافهم رفعوا |
وأي مختشع لله متضع | حر الشمائل في حر الثرى وضعوا |
وغادروه ولا عذر بما فعلوا | وودعوه ولا باك لمن ودعوا |
تغدو عليه حمام الأيك باكية | وتستهل على أكنافه القلع |
والريح تهدي له من كل عارفة | عرفا وتحمل عنه فوق ما تدع |
فاستشعروا آل إسماعيل تعزية | يهدى لها واعظ منكم ومستمع |
فإن غدا شعبكم في الله مفترقا | فإن شعبكم في المجد مجتمع |
وإن يصدع قلوبا صدع شملكم | فالصبر كالشمس حيث الفجر ينصدع |
وإن جزعتم فرزء لا يقوم له | فيض الدموع ولا يشفى له وجع |
وإن صبرتم فمن قوم إذا بعثوا | لم يوه عزمهم ذعر ولا فزع |
قد وطنوا أنفسا للدهر ليس لها | إلا من الذم أن يدنو لها جزع |
كأنهم في نعيم العيش ما نعموا | وفي الفجائع بالأحباب ما فجعوا |
لله من حرم الأموال ما بذلوا | جودا ومن حرم الجيران ما منعوا |
وما كسوكم من المجد الذي لبسوا | واستحفظوكم من الصبر الذي شرعوا |
فاربط لها يا أبا مروان جأش فتى | سما فأتبع حتى عاد يتبع |
وقد عضضت على ناب البزول فلا | يغنيك حسن العزاء الأزلم الجذع |
دهر شجاك وقد وفاك تعزية | جلت فليست بغير القلب تستمع |
بشرى لمن زود التقوى لمنقلب | حياه مدخر فيه ومطلع |
بميتة في سبيل الله أسلمه | فيها إلى ربه الأبناء والشيع |
في حجة برها في الله متصل | بالمحرمين عن الأوطان منقطع |
لبى من الغاية القصوى فجاوبه | حور الخيام إلى لقياه تطلع |
واستفتح الكعبة العياء فافتتحت | له إلى الجنة الأبواب والشرع |
فكيف توحشك الدنيا إلى شيم | لذكرها في الورى مرأى ومستمع |
تتلى فيعبق منها كل ذي تفل | ويعذب منها الصاب والسلع |
قد حملت ألسن المثنين ما حملت | وأوسعت أيدي العافين ما تسع |
كالغيث ينأى وما يخفى له أثر | والمسك يوعى وما يوعى له فنع |
لطيب الذكر من حلم ومن ورع | لو كان للموت حلم عنه أو ورع |
ومانع الجار من ضيم ومن عدم | لو أنه من حمام الحين يمتنع |
ووازع الخطب عن قرب وعن بعد | لو أن صرف الرى من بعض ما يزع |
وإن أقمت أبا مروان سنتها | شجوا فذو اللب في السلوان يبتدع |
فاردد زفيرك عما لا مرد له | وارجع دموعك عمن ليس يرتجع |
واستخلف العارض المنهل يخلفه | روض تصيف به مصر وترتبع |
من كل بحرية شام يشام بها | حادي الجنوب فلا ريث ولا سرع |
ينوب عن ضرم الأحشاء بارقها | وعن دموعك فيها الوابل الهمع |
تزور في مصر قبرا قل زائره | لكنه للعلا والمجد مضطجع |
وأكرم الغيث غيث عاد منتجعا | لأمن لم يزل للندى والجود ينتجع |