عمرت بطول بقائك الأعمار
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
عمرت بطول بقائك الأعمار | وجرت برفعة قدرك الأقدار |
ودنت لك الدنيا بقاصية المنى | وتخيرت لك فوق ما تختار |
فإذا النجوم تطلعت لك أسعدا | بدر البدور بهن والأقمار |
وإذا زجرت ليمن يومك طائرا | حشرت إليك بيمنها الأطيار |
وإذا المنى بدأتك غرس رياضها | حيتك في أغصانها الأثمار |
سبقا كما سبقت فعالك كلما | أعيت به الأوهام والأفكار |
وتجليا للدارعين تصيدها | بطيور خيلك والعقول تطار |
بشمائل مشمولة بمكارم | ما للخطائر عندها أخطار |
ومعالم لندى يديك وإنها | سرج إليك لحائر ومنار |
فإذا عوان المجد رد خطيبها | فلك الأيامى منه والأبكار |
وإذا الحروب تساجلت أيامها | فقتيل سيفك في الملوك جبار |
ولقد عضضت على الخطوب بناجذ | للدهر منه سكينة ووقار |
لكن شمائل في الندى وكلتها | بعفاة جودك فتية أغمار |
ما البحر في الأرض العريضة بعدما | فاضت عليها من نداك بحار |
أو ما غناء المسك في الدنيا وقد | ملئت بطيب ثنائك الأمصار |
فيه تأنقت الحدائق وازدهى | زهر الربى وتفتح النوار |
وتنافحت بنسيمها ريح الصبا | وتفاوحت برياضها الأسحار |
وتعاطت الندماء كأس مدامها | وسرت بها الركبان والسمار |
فكأن للدنيا بحمدك ألسنا | تصغي لها الآفاق والأقطار |
وكأنما الأيام فيك مدائح | نظمت كما نظمت لك الأشعار |
والله جارك كم أجرت عباده | من كل خطب ليس منه جار |
وضربت عنهم كل جبار عتا | فحباك بيضة ملكه الجبار |
في جحفل كالليل جرار له | من عز نصرك جحفل جرار |
أمددت فيه بالملائكة التي | نصرت بها أعمامك الأنصار |
وكسوت فيه الشمس برد عجاجة | للموت تحت ظلامها إسفار |
والجو يحمى والدماء سواكب | والأرض ريا والسماء غبار |
والمقفرات سوابق وخوافق | والشاهقات أسنة وشفار |
كل رفعت صدورهن لغارة | ما إن لها قبل الصدور مغار |
وقد ادرعت لها سوابق عزمة | البر والتقوى لهن شعار |
بهرت فهن على ابن يحيى في الوغى | نور له وعلى ابن شنج نار |
تحمى فيودعها جوانح صدره | كي لا تبينه لك النظار |
أسد حطمت سلاحه فتركته | بالبيد لا ظفر ولا أظفار |
رهنا بإلقاء اليدين لقاهر | أعلى يديه الواحد القهار |
ملك كأنك يا محاسن فعله | من سيئات زمانك استغفار |
خصت به سبأ وعم بنصره | عليا قريش في الهدى ونزار |
ربذ القداح من الرماح وماله | إلا السباع وطيرها أيسار |
ونديم بيض الهند يوم دم العدى | خمر له والمأثرات خمار |
آيات نصر في الورى بسيوفها | أمن الهداة وآمن الكفار |
جاهرت حر بلادهم بجهادهم | حتى غدوا وهم لها أسرار |
وسريت حتى ظن من صبحته | أن الظلام على سراك نهار |
ولكم أطارهم لسيفك بارق | حتى دعوتهم إليك فطاروا |
وجنحت للسلم التي جنحوا لها | وقضاء ربك في العباد خيار |
فأتوك مستبقين قد قرب المدى | منهم إليك وذلل المضمار |
ودنا ابن رذمير يزلزل خطوه | أمل تقسم نفسه وحذار |
فؤاده من ذعر سيفك طائر | طورا ومن عجل إليك مطار |
وتقبل أيقن فرذلند ما له | إلا إليك من الحمام فرار |
كل يخر لأخمصيك وطالما | ساموك في رهج الخميس فخاروا |
فهناك أخلصت النفوس وأكدت | عقد العهود وشدت الأنصارأ |
وتواصل البعداء منك بطاعة | وصلت بها الأرحام والأصهار |
فعقدت في عنق الضلال مواثقا | دانت بها الرهبان والأحبار |
وكأنما كانت عقود تمائم | سكنت بها الأوجال والأذعار |
أحييت منها ملك رذمير وقد | مشت الدهور عليه والأعصار |
وأقمت تاج جبينه من بعدما | عفت المعالم منه والآثار |
وبسطت من قشتلة يد آمن | لرضاك فيها يارق وسوار |
ثم انثنوا يبأون منك بطاعة | رفعوا بها أعلامهم وأناروا |
ولهم بذكرك في العداة تبجح | وبقبل كفك في البلاد فخار |
ورفعت أجياد الجياد لأوبة | رفعت لها الآمال والأبصار |
فكأنما البشرى بذلك عندنا | كأس علينا بالسرور تدار |
والأرض أرضك كلها لك روضة | أنف وأنت سماؤها المدرار |
حتى قدمت وما تقلب ناظر | إلا له بقدومك استبشار |
حر المكارم حق قدرك أن ترى | وعبيدك السادات والأحرار |
ومجاهدا في الله حق جهاده | والله أبصر فيك ما يختار |
واسأل بضيفك كيف بعدك حاله | وقد اقتضته بعد دار دار |
غدرت به أيام عام قد وفى | أن الوفاء بعهده غدار |
ودنا به أجل الرحيل كأنه | أجل الممات دنا به المقدار |
عام كعمر الوصل ليلة زائر | وأسى تقاصر دونه الأعمار |
طالت لياليه الزمان بهمه | وكأنهن من السرور قصار |
بمشرد قلق الثواء بمنزل | لا ينثني فيه له الزوار |
مثواي فيه تقلقل وتأهب | وقراي فيه ذلة وصغار |
وحساب أيام كأن متاعها | نوم على وجل البيات غرار |
وطلاب مأوى قبل حين أوانه | فالدهر أجمعه لي استنفار |
لله من عام جرى عني به | جري الأهلة فيه والأقمار |
في أهل دار كالكواكب والنوى | بعد النوى فلك بهم دوارب |
كانوا جمالا للزمان فأصبحوا | وهم عليه بالتغرب عار |
تنبو الديار بهم وتلك ديارهم | غرض المصائب ما بها ديار |
قد أقفروا وطن الأنيس وأنست | بهم مفاوز بالفلا وقفار |
يتأوهون إذا رمت أوهامهم | دارا لساكنها بها استقرار |
ويهيجهم عين لهن مرابض | ويشوقهم طير لها أوكار |
وإليك يا منصور حطوا أرحلا | لعبت بهن تنائف وبحار |
فزعا إليك من الجلاء بأوجه | في كل عام للجلاء تثار |
ورأوا بقربك أنهم قتلوا النوى | فاستحييت ولها عليهم ثار |
قد طيرت غربان كل مغرب | وغرابهم للبين ليس يطار |
جرة عليك وما رأت من قبلها | خطبا له فيمن أضفت خيار |
وعلى الليالي منك عهد ثابت | ألا يباح لمن حميت ذمار |
والله قد أعلى محلك أن ترى | مكشوفة في سترك الأستار |
وحباك بالملك الذي لو شئت لم | تضق القصور بنا ولا الأحيار |
وأجار قدرك أن يسوغ لقائل | جار الزمان وأنت منه جار |
ولحق من أبقى ثناءك في الورى | أن تستقر به لديك الدار |