لا قوم أكرم من تميم إذ غدت
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
لا قَوْمَ أكْرَمُ من تَمِيمٍ، إذْ غَدَتْ | عُوذُ النّسَاءِ يُسَقْنَ كَالآجَالِ |
الضّارِبُونَ إذا الكَتِيبَةُ أحجَمَتْ، | وَالنّازِلُونَ غَداةَ كُلّ نِزَالِ |
وَالضّامِنُونَ عَلى المَنِيّةِ جَارَهُمْ، | وَالمُطْعِمُونَ غَداةَ كُلّ شَمالِ |
أبَني غُدانَة! إنّني حَرّرْتُكُمْ، | وَوَهَبْتُكُمْ لَعَطِيّةَ بنِ جِعَالِ |
فَوَهَبتُكمْ لأحقّكُمْ بقَديمِكُمْ | قِدْماً، وَأفْعَلِهِ لِكُلّ نَوَالِ |
لَوْلا عَطِيّةُ لاجْتَدَعْتُ أُنُوفَكُمْ | مِنْ بَينِ ألأمِ آنُفٍ وَسِبَالِ |
إني كَذَاكَ إذا هَجَوْتُ قَبِيلَةً، | جَدّعْتُهُمْ بِعَوَارِمِ الأمْثَالِ |
أبَنُو كُلَيْبٍ مِثْلُ آلِ مُجاشِعٍ؛ | أمْ هَلْ أبُوكَ مُدَعْدِعاً كَعِقَالِ |
دَعْدِعْ بِأعْنَقِكَ التّوائِمَ، إنّني | في بَاذِخٍ، يا ابن المَرَاغَةِ، عَالي |
وابنُ المَرَاغَةِ قَدْ تَحَوّلَ رَاهِباً، | مُتَبَرْنِساً لِتَمَسْكُنٍ وَسُؤالِ |
وَمُكَبَّلٍ تَرَكَ الحَديدُ بِسَاقِهِ | أثَراً مِنَ الرَّسَفَانِ في الأحْجَالِ |
وَفَدَتْ عَلَيْهِ شُيُوخُ آلِ مُجاشَعٍ | مِنْهُمْ، بِكُلّ مُسَامحٍ مِفْضَالِ |
فَفَدَوْهُ، لا لثَوابِهِ، وَلقَدْ يُرَى | بيَمِينِهِ نَدَبٌ مِنَ الأغْلالِ |
مَا كَانَ يَلْبَسُ تَاجَ آلِ مُحَرِّقٍ، | إلاّ هُمُ وَمَقَاوِلُ الأقْوَالِ |
كانَتْ مُنَادَمَةُ المُلُوكِ وَتَاجُهُمْ | لمُجاشِعٍ وَسُلافَةُ الجِرْيَالِ |
وَلَئِنْ سَألْتَ بَني سُلَيْمٍ أيُّنَا | أدْنَى لِكُلّ أرُومَةٍ وَفَعَالِ |
لَيُنَبّئَنّكَ رَهْطُ مَعْنٍ، فَأتهِمْ | بالعِلْمِ، وَالأنِفُونَ مِنْ سَمّالِ |
إنّ السّمَاءَ لَنَا عَلَيْكَ نُجُومُهَا، | وَالشّمْسُ مُشرِقَةٌ، وَكُلُّ هِلالِ |
وَلَنا مَعاقِلُ كُلّ أعْيَطَ بَاذِخٍ، | صَعْبٍ، وَكُلُّ مَبَاءَة مِحْلالِ |
إنّ ابن أخْتِ بَني كُلَيبٍ خَالُهُ، | يَوْمَ التّفَاضُلِ، ألأمُ الأخْوَالِ |
بَعْلُ الغَرِيبَةِ مِنْ كُلَيْبٍ مُمسِكٌ | مِنْهَا، بِلا حَسَبٍ وَلا بِجمالِ |
إني وَجَدْتُ بَني كُلَيْبٍ إنّمَا | خُلِقُوا، وَأُمِّكَ، مُذْ ثَلاثُ لَيالِ |
يُرْوِيهِمُ الثَّمْدُ، الّذِي لَوْ حَلّهُ | جُرَذانِ مَا نَدّاهُمَا بِبِلالِ |
لا يُنْعِمُونَ فَيَسْتَثِيبُوا نِعْمَةً | لهُمُ، وَلا يَجْزُونَ بِالافْضَالِ |
يَتَرَاهَنُونَ على جِيَادِ حَمِيرِهِمْ، | مِنْ غَايَةِ الغَذَوَانِ وَالصَّلْصَالِ |
وَكَأنّمَا مَسَحُوا بِوَجْهِ حِمَارِهم | ذي الرّقمَتَينِ جَبِينَ ذي العُقّالِ |
يَتْبَعْنَهُمْ، سَلَفاً على حُمُرَاتهِمْ، | أعْداءَ بَطْنِ شُعَيْبَةِ الأوْشَالِ |
وَيَظلّ من وَهَجِ الهَجِيرَةِ عَائِذاً | بالظّلّ، حَيثُ يَزُولُ كلَّ مزَالِ |
وَحَسِبْتَ حَرْبي وَهي تَخطِرُ بالقَنا | حَلْبَ الحِمَارَةِ يا ابنَ أُمّ رِعَالِ |
كَلاَ وَحَيْثُ مَسَحْتُ أيْمَنَ بَيَتِهِ | وَسَعَيْتُ أشْعَثَ مُحْرِماً بحَلالِ |
تَبْكي المَرَاغَةُ بالرَّغَامِ على ابْنِها، | وَالنّاهِقَاتُ يَنُحْنَ بِالإعْوَال |
سُوقي النّوَاهِقَ مأتَماً يَبْكِينَهُ | وَتَعَرّضِي لِمُصَاعِدِ القُفّالِ |
سَرِباً مَدامِعُها، تَنُوحُ على ابْنِها، | بِالرّمْلِ قَاعِدَةً على جَلاّلِ |
قالُوا لها: احْتَسبي جَرِيراً إنّهُ | أوْدَى الهِزَبْرُ بِهِ أبُو الأشْبَالِ |
ألْقَى علَيْهِ يَدَيْهِ ذُو قَوْمِيّةٍ، | وَرْدٌ، فَدَقّ مَجَامِعَ الأوْصَالِ |
قَدْ كُنْتُ لَوْ نَفَعَ النّذِيرُ نَهَيْتُهُ | ألاّ يَكُونَ فَرِيسَةَ الرّئْبَالِ |
إني رَأيْتُكَ إذْ أبَقْتَ فَلَمْ تَئِلْ، | خَيّرْتَ نَفْسَكَ مِنْ ثَلاثِ خِلالِ |
بَينَ الرّجُوع إليّ وَهْيَ فَظِيعَةٌ | في فِيكَ مُدْنِيَةٌ مِنَ الآجَالِ |
أوْ بَينَ حَيّ أبي نَعَامَةَ هَارِباً، | أوْ بِاللّحَاقِ بطَيّيء الأجْبَالِ |
وَلَقدْ هَمَمتَ بقَتلِ نَفسِكَ خالياً، | أوْ بِالفِرَارِ إلى سَفِينِ أوَالٍ |
فَالآنَ يا رُكْبَ الجِداءِ هَجَوْتُكمْ | بهِجَائِكُمْ وَمُحَاسبِ الأعْمالِ |
فاسْألْ فإنّكَ من كُلَيْبٍ وَالتَمِسْ | بِالعَسْكَرين بَقِيّةَ الأظْلالِ |
إنّا لَتُوزَنُ بِالجِبَالِ حُلُومُنَا، | وَيَزِيدُ جَاهِلُنَا على الجُهّالِ |
فَاجْمَعْ مَساعيَكَ القصَارَ وَوَافِني | بِعُكَاظَ يَا ابنَ مُرَبِّقِ الأحْمَالِ |
واسْألْ بِقَوْمِكَ يا جَرِيرُ وَدارِمٍ | مَنْ ضَمّ بَطْنُ مِنىً مِنَ النُّزَالِ |
تَجِدِ المَكَارِمَ وَالعدِيدَ كِلَيْهِما | في دارِمٍ وَرَغَائِبَ الآكَالِ |
وَإذا عَدَدْتَ بَني كُلَيْبٍ لمْ تجِدْ | حَسبَاً لهُمْ يُوفي بشِسْعِ قِبَالِ |
لا يَمْنَعُونَ لَهُمْ حَرَامَ حَلِيلَةٍ | بِمَهَابَةِ مِنْهُمْ وَلا بِقِتَالِ |
أجَرِيرُ إنَّ أبَاكَ إذْ أتْعبَتْهُ | قَصَرَتْ يَداهُ وَمَدَّ شَرَّ حِبَالِ |
إنّ الحِجَارَةَ لَوْ تَكَلّمُ خَبّرَتْ | عَنْكُمْ بِألأمِ دِقّةٍ وَسِفَالِ |
لَوْ تَعْلَمُونَ غَداةَ يُطْرَدُ سَيبُكم | بالسّفْحِ بَينَ مُلَيْحَةٍ وَطِحَالِ |
وَالحَوْفَزَانُ مَسَوِّمٌ أفْرَاسهُ، | وَالمُحْصَناتُ يَجُلْنَ كلَّ مَجالِ |
يَحْدُرْنَ مِنْ أُمُلِ الكَثِيبِ عَشيّةً، | رَقصَ اللّقَاحِ وَهُنّ غَيرُ أوَالِ |
حتى تَدارَكَهَا فَوَارِسُ مَالِكٍ | رَكْضاً بِكُلّ طُوَالَةٍ وَطُوَالِ |
لمّا عَرَفْنَ وُجُوهَنَا وَتَحَدّرَتْ | عَبَرَاتُ أعْيُنِهِنّ بِالإسْبَالِ |
وَذَكَرْنَ مِنْ خَفَرِ الحَياءِ بَقِيّةً | بَقِيَتْ وَكُنّ قُبَيْلُ في أشْغَالِ |
وَارَيْنَ أسْوقَهُنّ حِينَ عَرَفْنَنا | ثِقَةً وَكُنّ رَوَافِعَ الأذْيَالِ |
بِفَوَارِسٍ لحقُوا، أبُوهُم دارِمٌ، | بِيضُ الوُجُوهِ على العَدُوّ ثِقَالِ |
كِنّا إذا نَزَلَتْ بِأرْضِكَ حَيّةٌ | صَمّاءُ تَخْرُجُ من صُدُوعِ جِبَالِ |
يُخْشَى بَوَادِرُها شَدَخْنَا رَأسَها | بمُشَدِّخَاتٍ للرّؤوسِ عَوَالي |
إنّا لَنَنْزِلُ ثَغْرَ كُلّ مَخُوفَةٍ | بِالمُقْربَاتِ كَأنّهُنّ سَعَالي |
قُوداً ضَوَامِرَ في الرّكُوبِ، كَأنّهَا | عِقْبَانُ يَوْمِ تَغَيّمٍ وَطِلالِ |
شُعْثاً شَوَازِبَ، قَدْ طَوَى أقرَابَها | كَرُّ الطّرَادِ، لَوَاحِقُ الآطَالِ |
بِأُولاكَ تَمْنَعُ أنْ تُنَفِّقَ، بَعْدَمَا | قَصّعْتَ بَينَ حُزُونَةٍ وَرِمَالِ |
وَبهِنّ نَدْفَعُ كَرْبَ كُلّ مُثَوِّبٍ، | وَتَرَى لها خُدداً بِكُلّ مَجَالِ |
إني بَنى لي دارِمٌ عَادِيّةً | في المَجْدِ، لَيْسَ أرُومُها بمُزَالِ |
وَأبي الّذي وَرَدَ الكُلابَ مُسَوِّماً، | وَالخَيْلُ تَحْتَ عَجاجِها المُنّجالِ |
تَمْشِي كَوَاتِفُها، إذا مَا أقْبَلَتْ، | بِالدّارِعِين تَكَدُّسَ الأوْعَالِ |
قَلِقاً قَلائِدُها، تُقادُ إلى العِدَى | رُجُعَ الغَذيّ كَثَيرَةَ الأنْفَالِ |
أَكَلَتْ دَوَابِرَهَا الإكَامُ فَمَشيُها، | مِمّا وَجِينَ، كَمِشْيَةِ الأطْفَالِ |
فكأنّهُنّ، إذا فَزعنَ لصَارِخٍ، | وَشَرَعْنَ بَينَ سَوَافِلٍ وَعوَالِ |
وَهَزَزْنَ مِنْ جَزَعٍ أسِنّةَ صُلَّبٍ، | كَجُزُوعِ خَيْبَرَ أوْ جُزُوعِ أوَالِ |
طَيْرٌ تُبَادِرُ رَائِحاً ذا غَبْيَةٍ، | بَرْداً، وَتَسْحَقُهُ خَرِيقَ شَمَالِ |
عَلِقَتْ أعِنّتُهُنّ في مَجْرُومَةٍ، | سُحُقٍ مُشَذَّبَةِ الجُذُوعِ طِوَالِ |
تَغْشَى مُكَلِّلَةً عَوَابِسُهَا بِنَا | يَوْمَ اللّقَاءِ أسِنّةَ الأبْطَالِ |
تَرْعَى الزّعَانِفُ حَوْلَنَا بِقِيَادِهَا | وَغُدُوُّهُنّ مُرَوَّح التَّشْلالِ |
يَوْمَ الشُّعَيْبَةِ، يَوْمَ أقْدَمَ عَامِرٌ | قُدّامَ مُشْعِلَةِ الرُّكُوبِ غَوَالِ |
وَتَرَى مُرَاخِيَها يَثُوبُ لحَاقُهَا، | وِرْدَ الحَمَامِ حَوَائِرَ الأوْشَالِ |
شُعْثاً، قَدِ انْتَزَعَ القِيَادُ بُطُونَها | مِنْ آلِ أعْوَجَ ضُمّرٍ، وَفِحَالِ |
شُمُّ السّنَابِكِ، مُشْرِفٌ أقْتَارُها، | وَإذا انْتُضِينَ غَداةَ كُلّ صِقَالِ |
في جَحْفَلٍ لَجِبٍ كأنّ شَعَاعَهُ | جَبَلُ الطَّرَاةِ مُضَعْضَعُ الأمْيَالِ |
يَعْذِمْنَ، وَهْيَ مُصِرّةٌ آذانَهَا، | قَصَرَاتِ كُلّ نجيبَةٍ شِمْلالِ |
وَتَرَى عطِيّةَ، والأتَانُ أمَامَهُ، | عَجِلاً يَمُرّ بِهَا عَلَى الأمْثَالِ |
وَيَظَلّ يَتْبَعُهُنّ، وَهَو مُقَرْمِدٌ، | مِنْ خَلْفِهِنّ، كَأنّهُ بِشِكَالِ |
وَتَرى عَلى كَتِفَيْ عَطِيّة مَائلاً | أرْبَاقهُ عُدِلَتْ لَهُ بِسخَالِ |
وَتَرَاهُ مِنْ حَمْيِ الهَجِيرَةِ لائِذاً | بالظّلّ، حِينَ يَزُولُ كُلَّ مَزَالِ |
تَبِعَ الحِمَارَ مُكَلَّماً، فأصَابَهُ | بِنَهِيقِهِ مِنْ خَلْفِهِ بِنِكَالِ |
وابنُ المَرَاغَةِ قَدْ تَحَوّلَ رَاهباً، | مُتَبَرْنِساً لِتَمَسْكُنٍ وَسُؤالِ |
يَمْشِي بهَا حَلِماً يُعَارِضُ ثَلّةً، | قُبْحاً لتلكَ، عَطيَّ، مِن أعْدالِ |
نَظَرُوا إليّ بِأعْيُنٍ مَلْعُونَةٍ، | نَظَرَ الرّجَالِ، وَمَا هُمُ برِجَالِ |
مَتَقَاعِسينَ على النَواهِقِ بالضّحى، | يَمْرُونَهُنّ بِيَابِسِ الأجْذَالِ |
إنّ المَكَارِمَ، يا كُلَيْبُ، لغيرِكُمْ، | وَالخَيْلَ يَوْمَ تَنَازُلِ الأبْطَالِ |