أبى الليل إلا أن يعود بطوله
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
أبَى اللّيلُ، إلاّ أنْ يَعُودَ بِطُولِهِ | عَلى عَاشِقٍ نَزْرِ المَنَامِ قَليلِهِ |
إِذا مَا نَهَاهُ العَاذِلُونَ تَتَابَعَتْ | لهُ أَدْمُعٌ لا تَرْعَوِي لِعَذُوِلِهِ |
لَعَلّ اقترَابَ الدّارِ يَثني دُمُوعَهُ، | فَيُقلِعَ، أو يُشفَى جَوًى من غَليلِهِ |
وَما زَالَ تَوْخِيدُ المَهَارِي، وَطَيُّهَا | بِنَا البُعْدَ من حَزْنِ الفَلاَ وَسُهُولِهِ |
إلى أن بدا صَحنُ العِرَاقِ، وَكُشّفتْ | سُجُوفُ الدّجَى عَن مائِهِ وَنَخِيلِهِ |
تَظَلُّ الحَمامُ الوُرْقُ، في جَنَبَاتِهِ، | يُذَكّرهَا أحْبَابَنَا بِهَدِيلِهِ |
فأحْيَتْ مُحِبّاً رُؤيَةٌ مِنْ حَبِيبِهِ، | وَسَرّتْ خَليلاً أوْبَةٌ مِنْ خَليلِهِ |
بِنُعْمَى أميرِ المؤمِنِينَ وَفَضْلِهِ، | غدا العَيشُ غَضّاً بعدَ طولِ ذُبُولِهِ |
إمَامٌ، رَآهُ الله أوْلَى عِبَادِهِ | بحَقٍّ، وأهْدَاهُمْ لِقَصْدِ سَبِيلِهِ |
خَليفَتُهُ في أرْضِهِ، وَوَلِيُّهُ الـ | ـرَضِيُّ لَدَيْهِ، وابنُ عَمّ رَسُولِهِ |
وَبَحْرٌ يَمُدُّ الرّاغِبُونَ عُيُونَهُم | إلَى ظَاهِرِ المَعْرُوفِ فيهِمْ، جَزِيلهِ |
تَرَى الأرْضَ تُسقَى غَيثَها بمُرُورِهِ | عَلَيْهَا، وتُكْسَى نَبْتَهَا بِنُزُولِهِ |
أتَى مِنْ بِلاَدِ الغَرْبِ في عَدَدِ النّقَا، | نَقَا الرّملِ، مِنْ فُرْسَانِهِ وَخُيُولِهِ |
فأسفَرَ وَجْهُ الشّرْقِ، حتى كأنّما | تَبَلَّجَ فيهِ البَدْرُ بَعدَ أُفُولِهِ |
وَقَدْ لَبسَتْ بَغدادُ أحسَنَ زِيّهَا | لإقْبَالِهِ، واستَشْرَفَتْ لِعُدُولِهِ |
وَيَثْنِيهِ عَنْهَا شَوْقُهُ وَنِزَاعُهُ، | إلى عَرْضِ صَحنِ الجَعفَرِيّ وَطُولِهِ |
إلى مَنْزِلٍ، فيهِ أحِبّاؤهُ الأُلي | لِقَاؤهُمُ أقْصَى مُنَاهُ، وَسُولِهِ |
مَحَلٌّ يُطِيبُ العيشَ رِقّةُ لَيْلِهِ | وَبَرْدُ ضُحَاهُ، وَاعتِدَالُ أصِيلِهِ |
لَعَمْرِي، لَقَد آبَ الخَليفَةُ جَعْفَرٌ، | وَفي كلّ نَفسٍ حاجةٌ من قُفُولِهِ |
دَعاهُ الهَوَى مِنْ سُرّ مَنْ رَاءَ فانكَفَا | إلَيها، انكِفَاءَ اللّيثِ تِلقَاءَ غِيلِهِ |
على أنّها قَدْ كَانَ بُدّلَ طِيبُها، | وَرُحّلَ عَنْهَا أُنْسُهَا برَحِيلِهِ |
وإفْرَاطُها في القُبحِ، عندَ خُرُوجِهِ، | كإفرَاطِهَا في الحُسنِ، عندَ دُخُولِهِ |
ليَهْنَ ابنَهُ، خَيرَ البَنينَ، مُحَمّداً، | قُدُومُ أبٍ عَالي المَحَلّ، جَليلِهِ |
غَدا، وَهوَ فَرْدٌ في الفَضَائِلِ كُلّها، | فهَلْ مُخبِرٌ عَن مِثلِهِ، أوْ عَدِيلِهِ |
وإنّ وُلاةَ العَهدِ في الحِلمِ والتُّقَى، | وفي الفَضْلِ مِنْ أمثالِهِ وشُكُولِه |