من رقبة أدع الزيارة عامدا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
مِنْ رِقْبَةٍ، أدَعُ الزّيارَةَ عَامِدَا، | وَأصُدُّ عَنكِ، وَعن دِيارِكِ حائِدَا |
حَتّى إخَالَ مِنَ الصّبَابَةِ بَارِئاً، | خِلْواً، وَإن كنتُ المُعنّى، الوَاجِدَا |
فَكَأنّمَا كانَ الشّبابُ وديعَةً، | كَنزاً غَنيتُ بهِ، فأصْبَحَ نَافِدَا |
لَمْ ألْقَ مَقدُوراً على استِحْقاقِهِ | في الحَظّ، إمّا نَاقِصاً، أوْ زَائِدَا |
وَعَجِبْتُ للمَحْدُودِ يُحْرَمُ نَاصِباً | كَلِفاً، وَللمَجدودِ يَغنَمُ قاعِدَا |
وَتَفاوُتُ الاقسامِ، فيمَا بَيْنَهُمْ، | لا يَأتَلينَ نَوَازِلاً، وَصَوَاعِدَا |
ما خَطْبُ مَنْ حُرِمَ الإرَادَةَ وَادِعاً، | خَطبُ الذي حُرِمَ الإرَادَةَ جاهدَا |
وعشائر غمت عليك أمورهم | لا أصدقاء فيرفدوك ولا عدا |
أغْشَاهُمُ خَلَساً فأذْهَبُ رَاغِباً، | تِلقَاءَ حَيْثُ هُمُ، وَأرْجعُ زَاهِدَا |
قَدْ قُلتُ للرّاجي المَكارِمِ مُخطِئاً، | إذْ كانَ يَكتَسبُ المَلاوِمَ عَامِدَا |
لا تُلْحِقَنّ إلى الإسَاءَةِ أُخْتَهَا، | شَرُّ الأَساءةِ أنْ تُسِيءَ مُعاودَا |
وَارْفَعْ يَدَيْكَ إلى السّماحة مُفَضِّلاً، | إنّ العُلا في القَوْمِ للأعْلَى يَدَا |
شَرْوَى أبي الصّقْرِ الذي مَدّتْ لَهُ | شَيْبَانُ في الحَسَناتِ أبعَدَها مدَى |
وَيَسُرّني أنْ لَيسَ يُكْرَمُ شِيمَةً | مِنْ مَعشَرٍ، مَن ليسَ يُكرَمُ وَالدَا |
وَالفَاضِلاتُ، َضَرَائِباً وخَلائِقاً | للفَاضِلِينَ، مَنَاسبًا وَمَحَاتِدَا |
وَمتى سألْتَ عَنِ امرِىءٍ أخلاقَهُ، | صَدَقَتْ عَلَيْهِ أدِلّةً وَشَوَاهِدَا |
وُلّي الوِزَارَةَ مُبْقِياً في أُمّةٍ، | قَد كانَ شارَفَ هُلكُها أنْ يَافِدَا |
يَئِسَتْ مِنَ الإنْصَافِ حتى وُهّمَتْ، | باليأسِ، أنّ الله تارِكُها سُدَى |
يَسْرُونَ مِنْ بَغدادَ خَلْفَ قِبَابِهِ، | يَغْشَوْنَ آثَاراً لهَا، وَمَعَابِدَا |
لَوْلا تَكَاثُرُهُنّ في عَرَصَاتِهاِ، | لَصَبَغنَ نَوْراً، أوْ بَنَينَ مَسَاجِدَا |
أرْضَاهُ مَوْفُوداً إلَيْهِ، وَحَسْبُهُ | بي حِينَ أتْبَعْتُ القَوَافي وَافِدَا |
شُكراً لأنْعُمِهِ الجسامِ، وَلم تُضَعْ | نِعَمٌ مَلأنَ لَهُ البِلادَ مَحَامِدَا |
كَيفَ التّأخّرُ عَنْهُ، وَهوَ بطَوْلِهِ، | لَيسَ الوَحيدَ يَداً، وَلَستُ الجاحِدَا |
يُوليكَ صَدْرَ اليَوْمِ قاصِيَةَ الغِنَى، | بمَوَاهب قَد كُنّ، أمسِ، مَوَاعِدَا |
سُومُ السّحائِبِ ما بَدأنَ بَوَارِقاً | في عارِضٍ، إلاّ ثَنَينَ رَوَاعِدَا |
ومتى رجعت إليه شاكر نيله | رجعت مصادر ما أنال مواردا |
يُذكي عَزَائِمَ لَوْ عُنِينَ بسَبْكِهِ، | لَسَبَكنَ هَضْبَ شَرَوْرَيَينِ الجامِدَا |
إنّ المَناكِبَ لَيسَ تَعرِفُ أيّداً | مِنها، وَلمْ تَجشَمْهُ عِبْئاً آيِدَا |
أغْرَى الخُيولَ بأصْبَهانَ، فلا تَسَلْ | عَنْ رَأيِهِ وَالجَيشِ حينَ تَسَانَدَا |
وَكَأنّمَا الصَّفّارُ كانَ بفارِسٍ | فرْعَوْنَ مِصرٍ، إذْ أضَلّ، وَما هَدَى |
أتْبَعْتَهُ العِجْلِيَّ ثمّ رَفَدْتَهُ | بالْكُوتَكِينَ، مُكَاتِفاً، وَمُعَاضِدَا |
فالخَوْفُ من خَلفِ العُلَيجِ، وَدونَهُ | مِنْ مُوبِقاتِ الحَرْبِ أوْحاها رَدَى |
تَدْبيرُ أغْلَبَ مَا يُنَهْنَهُ غَالِباً | لمُشَايِحيهِ، مُبَادِياً وَمُكَايِدَا |
صَغُرَتْ مَقاديرُ الرّجالِ، وَقَارَبُوا | في السَّعْيِ حتى ما تَرَى لكَ حاسِدَا |
لَوْ نَافَسوكَ لخَالَسُوكَ مِنَ النّدَى، | ما يُصْلِحونَ بهِ الزّمانَ الفَاسِدَا |
قعدوا، وأين قيام من قد طلنه | شرفات ما تبني ذرا وقواعدا |
لمْ تَخلُ مِنْ فِئَةٍ تَحُفُّكَ رَغْبَةً، | وَخَلائِقٍ يُبْرِزْنَ شَخْصَكَ فَارِدَا |
وَأحَقُّ ما عُجّبتُ مِنْهُ ضَرُورَةٌ، | تُغرِي المَقُودَ، بأنْ يُطيعَ القَائِدَا |
تَأبَى الألوفُ على الألوفِ، تُرَى لهَا | تَبَعاً، وَتَتّبِعُ الألوفُ الوَاحِدَا |
وَلَقَدْ بَرَعْتَ عَلى الملوكِ مَحَلّةً | عَلْواً، وَأفنِيَةً يَرُقْنَ الرّائِدَا |
وَمَدَدْتَ تَطّلِبُ الذي لمْ يَطْلُبُوا، | كَفّاً تُنَاوِلُكَ السّمَاءَ وَسَاعِدَا |
أسْهدْتَ لَيْلَ عَوَاذِلٍ، لوْلا اللُّهَى | تُصْفَى كَرَائِمُها، لَبِتنَ هَوَاجِدَا |
يَشْفِينَ مِنْكَ الغَيظَ، دونَ مَعاشرٍ | يُسْقَوْنَ بالذّمّ الزُّلالَ البَارِدَا |
وَإذا وَسَمْنَكَ وَالبَخيلَ بنَبْزَةٍ، | كنتَ المُضَلِّلَ، وَالبَخيلُ الرّاشِدَا |
وَلَقَدْ عَلِمْتُ بأنّ هَمّكَ يَعتَلي | في صَاعِدٍ، حتى تُنَفِّذَ صَاعِدَا |
بالنّصْرِ يَمْتَثِلُ المُعَادُ المُبْتَدَا، | وَالمَالُ يَتّبِعُ الطّرِيفُ التّالِدَا |
مَجْدٌ، وَما انفَكّ الزّمانُ مُوَكَّلاً | بالمَجْدِ، يُلحِقُهُ الأغَرَّ المَاجِدَا |
هَذي نَوَافِلُكَ، التي خُوّلْتَها، | رَجَعَتْ غَرَائِبُها إلَيْكَ قَصَائِدَا |
تُعْطيكَ شُهْرَتُهَا النّجُومَ طَوَالِعاً، | وَتُرِيكَ أنْفُسُهَا الجِبَالَ خَوَالِدَا |
مُتَعَسِّفَاتٌ، مَا تَزَالُ رُوَاتُهَا | تَأبَى عَلَيْهَا أنْ تَسِيرَ قَوَاصِدَا |
وَهْيَ القَوَافي مَا تَقَرُّ ثَوَابِتاً | لِمُمَدَّحٍ حتى تَعِيرَ شَوَارِدَا |
عِلَلٌ لإتْوَاءِ الذّخَائِرِ، كُلّمَا | جُلِبَتْ عَلى مَلِكٍ أبَاحَ التّالِدَا |
وَالبَحْرُ، لَوْلا أنْ تُسَيَّرَ سُفْتُهُ | وَالرّيحَ، ما برِحَتْ عَلَيْهِ رَوَاكِدَا |