إني تركت الصبا عمدا ولم أكد
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
إنّي تَرَكْتُ الصّبَا عَمداً، وَلمْ أكَدِ | مِن غَيرِ شَيبٍ وَلا عَذلٍ وَلا فَنَدِ |
مَن كانَ ذا كَبِدٍ حَرّى، فقَد نضَبتْ | حَرَارَةُ الحبّ عَن قلبي وَعن كَبِدِي |
يا رَبّةَ الخِدْرِ، إنّي قد عَزمتُ على الـ | ـسّلُوّ عَنكِ، وَلمْ أعْزِمْ عَلى رَشَدِ |
نَقَضْتُ عَهدَ الهَوَى إذْ خانَ عهدُهُمُ، | وَحُلتُ إذْ حالَ أهلُ الصّدّ وَالبُعُدِ |
عَزّيْتُ نَفسِي ببَرْدِ اليَأسِ بَعدَهُمُ، | وَما تَعَزّيْتُ مِنْ صَبرٍ، وَلا جَلَدِ |
إنّ الهّوَى وَالنَوَى شَيئانِ ما اجتَمَعَا | فَخَلَّيَا أحَداً يَصْبُو إلى أحَدِ |
وَمَا ثَنَى مُسْتَهَاماً عَنْ صَبَابَتِهِ، | مثلُ الزَّماعِ، وَوَخدِ العِرْمِسِ الأُجُدِ |
إلى أبي نَهْشَلٍ، ظَلّتْ رَكائِبُنَا | يَخدِينَ مِنْ بَلَدٍ نَاءٍ، إلى بَلَدِ |
إلى فَتًى مُشرِقِ الأخْلاقِ لوْ سُبكتْ | أخلاقُهُ مِن شُعاعِ الشّمسِ لم تَزِدِ |
يُمْضِي المَنَايا دِرَاكاً، ثمّ يُتْبِعُهَا | بِيضَ العَطايا، وَلمْ يُوعِدْ وَلم يَعِدِ |
وَلابِسٍ ظِلّ مالٍ للنّدَى أبَداً، | فيهِ وَقَائِعُ طَيْءٍ في بَني أسَدِ |
بَنُو حُمَيدٍ، أُناسٌ في سُيُوفِهِمِ | عزُّ الذّليلِ وَحَتفُ الفارِسِ النَّجِدِ |
لَهُمْ عَزَائِمُ رَأيٍ، لَوْ رَمَيْتَ بهَا، | عِندَ الهِيَاجِ، نُجومَ اللّيلِ لمْ تَقِدِ |
تَحَيّرَ الجُودُ وَالإحْسانُ بَيْنَهُمُ، | فَما يَجُوزُهُمُ جُودٌ إلى أحَدِ |
لَوْلا فَعالُهُمُ، وَالله كَرّمَهُ، | لَماتَ ذِكْرُ المَعَالي، آخِرَ الأبَدِ |
بِيضُ الوُجُوهِ مَعَ الأخلاقِ وَجدُهمُ | بالبَأسِ وَالجُودِ وَجدُ الأُمّ بالوَلَدِ |
مُحَمّدُ بنُ حُمَيْدٍ! أيُّ مَكْرُمةٍ | لمْ تَحْوِها بيَدٍ بَيْضَاءَ، بَعدَ يَدِ |
شَمَائِلٌ مِنْ حُمَيْدٍ فيكَ بَيّنَةٌ، | لها نَسيمُ رِياضِ الحَزْنِ والجلَدِ |
تَبَسّمٌ، وَقُطوبٌ، في نَدًى وَوَغًى، | كالبرْقِ وَالرّعدِ وَسطَ العارِض البرِدِ |
أعطَيْتَ، حتّى ترَكتَ الرّيحَ حاسرَةً؛ | وَجُدْتَ، حتّى كأنّ الغَيثَ لم يَجُدِ |