عذيرك من نأي غدا وبعاد
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
عَذيركَ مِنْ نَأيٍ غَدَا، وَبُعَادِ، | وَسَيرِ مُحِبٍّ، لا يَسِيرُ بِزَادِ |
لِعَلْوَةَ، في هَذا الفُؤادِ، مَحَلّةٌ، | تَجَانَفْتُ عَنْ سُعْدَى بها وَسُعَادِ |
أتُحْسِنُ إصْفادي، فأشكُرَ نَيْلَها، | وإنْ كَانَ نزْراً، أوْ تَحُلُّ صِفادي |
وَكيفَ رَحيلي، والفُؤادُ مُخَلَّفٌ، | أسِيرٌ لَدَيْهَا، لا يُفَكُّ بِفَادِ |
فَوَالله ما أدْرِي، أأثْني عَزِيمَتي | عَنِ الغَرْبِ، أمْ أمضِي بغَيرِ فؤادِ |
وَلَيْلَتُنَا، والرّاحُ عَجْلَى تَحُثُّها | فُنُونُ غِنَاءٍ، للزّجَاجَةِ حَادِ |
تُدارِكُ غَيّي نَشْوَةٌ في لِقَائِهَا، | ذَمَمْتُ لَهَا، حتّى الصّباحِ، رَشادي |
وَمَا بَلَغَ النّوْمُ المُسَامِحُ لَذّةً، | سِوَى أرَقِي في جَبِهَا، وَسُهَادي |
عَلى بابِ قِنّسْرِينَ، واللّيْلُ لاطخٌ | جَوَانِبَهُ، مِنْ ظُلْمَةٍ، بمِدادِ |
كأنّ القُصُورَ البِيضَ، في جَنَبَاتِهِ، | خَضَبنَ مَشيباً، نازِلاً بِسَوَادِ |
كأنّ انْخِرَاقَ الجَوّ غَيّرَ لَوْنَهُ | لُبُوسُ حَدِيدٍ، أوْ لِبَاسُ حِدَادِ |
كأنّ النّجومَ المُسْتَسِرّاتِ، في الدّجى، | سِكاكُ دِلاصٍ، أوْ عُيُونُ جَرَادِ |
وَلاَ قَمَرٌ، إلاّ حُشَاشَةُ غَائِرٍ، | كَعَينٍ طَمَاسٍ، رُنّقَتْ لِرُقَادِ |
فَبِتْنَا، وَبَاتَتْ تُمزَجُ الراحُ بَينَنا | بأبْيَضَ رَقْرَاقِ الرُّضَابِ، بُرَادِ |
وَلَمْ نَفتَرِقْ حتّى ثَنَى الدّيكُ هاتِفاً، | وَقَامَ المُنادي، بالصّلاةِ يُنادي |
أبَا مُسْلِمٍ! ألْقِ السّلامَ مُضَاعَفاً، | وَرُحْ سَالِمَ القُطْرَينِ إنّيَ غَادِ |
سأشْكُرُ نُعْمَاكَ المُرَفْرِفَ ظِلُّهَا | عَليّ، وَهَلْ أنْسَى رَبيعَ بِلادي |
وَفَيْضَ عَطَايَا ما تأمّلَ ناظِرٌ | إلَيْهِنّ، إلاّ قَالَ فَيْضُ غَوَادِ |
وَكَمْ جَاءَتِ الأيّامُ رُسْلاً تَقُودُني | إلى نَائِلٍ، مِنْ رَاحَتَيْكَ، مُعَادِ |
وَمَا تُنْبِتُ البَطْحَاءُ مِنْ غَيرِ وَابِلٍ، | وَلاَ يَسْتَدِيمُ الشّكْرُ غَيرُ جَوادِ |