سرى من خيال المالكية ما سرى
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
سرَى من خَيالِ المالكِيّةِ ما سَرَى، | فَتَيّمَ ذا القَلْبِ المُعَنّى، وَأسهَرَا |
دُنُوٌّ بأحْلامِ الكَرَى منْ بعِيدةٍ، | تُسيءُ بنا فِعْلاً، وَتَحسُنُ منظَرَا |
وَما قَرُبَتْ بالطّيْفِ إلاّ لتنْتَوي، | وَلا وَصَلَتْ في النّوم إلاّ لتَهْجُرَا |
لقدْ منعتْ والمنعُ منْها سَجِيّةٌ، | وَلَوْ وَصَلَتْ كانتْ على الوْصْل أقدرَا |
تعَذّرَ منها الوَصْلُ وَالوَصْلُ مُمكِنٌ، | وَقَصْرُ نَوَالِ البِيضِ أن يتعذّرَا |
فَلْو شاءَ هذا القلْبُ في أوّل الصّبا، | لَقَصّرَ عنْ بعضِ الصبا، أو لأقصرَا |
وَلكِنّ وَجْداً لمْ أجِدْ منهُ موْئِلاً، | وَمَوْرِدَ حُبٍّ لم أجِدْ عنهُ مصْدرَا |
هَوَىً، كان غَضّاً بيْنَنَا مُتَقَدَّماً، | كما صَابَ وَسمِيُّ الغَمامِ، فبَكّرَا |
نَظَرْتُ، وَضَمّتْ جانِبَيّ الْتفاتَةٌ، | وَما التَفَتَ المُشْتاقُ إلاّ لينْظُرَا |
إلى أُرْجُوَانِيٍ مِنَ البَرْقِ، كُلّما | تَنَمّرَ عُلْوِيُّ السّحَابِ تَعَصْفَرَا |
يُضيءُ غَماماً فَوْقَ بَطْياسَ وَاضِحاً | يَبُصّ، وَرَوضاً دون بَطْياسَ أخْضَرَا |
وَقَدْ كانَ محْبُوباً إليّ لَوَ أنّهُ | أضَاءَ غَزَالاً عِندَ بَطْياسَ أحْوَرَا |
لَقَدْ أُعْطِيَ المُعْتَزُّ بالله نِعْمَةً | منَ الله، جلّتْ أن تُحَدّ وَتُقدَرَا |
تَلافَى بهِ الله الوَرَى مِنْ عظيمَةٍ، | أناخَتْ على الإسلامِ، حَوْلاً وَأشهُرَا |
وَمنْ فتْنَةٍ شَعْوَاءَ غَطّى ظلامُها | على الأفْقِ، حتى عادَ أقتَمَ أكْدرَا |
أغَرُّ مِنَ الأمْلاكِ، إمّا رَأيْتَهُ | رَأيْتَ أبا إسْحاقَ، وَالقرْمُ جَعفرَا |
أُعِينَ بِأسْيافِ المَوَالي وَصَبْرِهِمْ | على المَوْتِ، لمّا كافحوا الموْتَ أحمرَا |
تَقَدّمَ في حقّ الخلافَةِ سَهْمُهُ، | إذا رَدّ فيها غَيرَهُ، فَتَأخّرَا |
وَيُصْبحُ معروفاً لهُ الفضْلُ دونَهُمْ، | وَما يَتَداعَاهُ الأباعِدُ مُنْكَرَا |
أقامَ منارَ الحقّ، حتى اهتدَى بهِ، | وَأبْصَرَهُ مَنْ لمْ يكُنْ قطّ أبْصَرَا |
وعادَتْ على الدّنْيا عوائِدُ فضْلِهِ، | فأقْبَلَ منْها كلُّ ما كانَ أدْبَرَا |
بحِلْمٍ كأنّ الأرْضَ منْهُ توَقّرَتْ، | وَجُودٍ كأنّ البَحْرَ منْهُ تَفَجّرَا |
عَمَرْتَ، أمِيرَ المُؤمِنينَ، مُسَلماً، | فَعُمْرُ النّدَى وَالجودِ في أن تُعمَّرَا |
وَلَيْسَ يُحاطُ المجْدُ وَالحمدُ وَالعلا | بأجْمَعِها، حَتى تُحاطَ وَتُنصَرَا |
كرمت فكان القطر أدنى مسافة | وأضيق باعا من نداك وأقصرا |
وَلمّا تَوَلّيْتَ الرّعِيّةَ، مُحْسِناً، | مَنَعْتَ أقاصي سِرْبهِا أن تُنَفّرَا |
جَرَيْتَ، وكان القُطْرُ أدْنى مسافةً، | وأضْيَقَ باعاً منْ نَداكَ وأقْصَرَا |
نَهَضْتَ بِأعْبَاءِ الخِلافَةِ كافِياً، | وما زلت مرجوا لها منتظراً |
فلمْ تَسْعَ فيها إذ سعَيْتَ مُثبَّطاً، | وَلمْ ترْمِ عَنْها إذْ رَمَيْتَ مُقصِّرَا |
وَما زلْتَ إن سالَمْتَ كنتَ مُوَفَّقاً | رَشيداً، وَإن حارَبْتَ كُنتَ مظَفّرَا |
لَئِنْ فُتَّ غاياتِ الأئِمّةِ سَابِقاً، | فطُلْتَ المُلوكَ سائِساً وَمُدبِّرَا |
فَلا عَجَبٌ في أنْ يغِيضُوا وَتَعتلي، | ولا مُنْكَرٌ في أنْ يَقِلّوا وَتَكثُرَا |
وَقَدْ تَرَكَ العبّاسُ عِندَكَ وَابْنُهُ | عُلا طلْنَ مرْمى النجمِ حيْثُ تحَيّرَا |
هُما وَرّثاكَ ذا الفَقارِ، وَصَيّرَا | إليْكَ القَضِيبَ وَالرّداءَ المُحَبَّرَا |
فَأيُّ سَناءٍ لَسْتَ أهْلاً لِفَضْلِهِ، | وَأوْلى بهِ منْ كلّ حيٍّ وَأجْدَرَا |
وَأنْتَ ابنُ مَن أسقى الحجيجَ على الظما، | وَناشَدَ في المَحلِ السحابَ فأمْطَرَا |