أصبا الأصائل إن برقة منشد
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أصَبَا الأصَائِلِ إنّ بُرْقَةَ مُنْشِدِ، | تَشكُو اختِلافَكِ بالهُبوبِ السّرْمَدِ |
لا تُتْعِبي عَرَصَاتِهَا، إنّ الهَوَى | مُلْقًى عَلى تِلْكَ الرّسُومِ الهُمّدِ |
دِمَنٌ مَوَائِلُ كالنّجومِ، فإنْ عفتْ | فبِأيّ نَجْمٍ في الصّبَابَةِ نَهْتَدِي |
وَالدّارُ تَعْلَمُ أنّ دَمعيَ لمْ يَغِضْ؛ | فأرُوحَ أحمِلَ مِنّةٍ مِنْ مُسْعِدِ |
قامَتْ تَعَجّبُ مِن أسايَ، وَأرْسلَتْ | باللّحظِ في طَلَبِ الدّموعِ الشُّرّدِ |
مَا كانَ لي جَلَدٌ، فَيُودي، إنّما | وأودَى، غَداةَ الظّاعنينَ، تجَلُّدي |
وَرَمَتْ سَوَادَ القَلبِ حينَ دنَتْ على | عَجَلٍ، فأصْمَتْهُ بطَرْفٍ أصْيَدِ |
ما لي رَأيتُ النّاسَ مِنْ مُستَحسِنٍ | قُبْحَ السّؤالِ، وَسَائِلٍ مُسترْفِدِ |
كَرُمَ الأميرُ ابنُ الأميرِ فأصبحَ الـ | ـمُجْدَى إلَيهِ، وَهوَ عافٍ مُجتَدِ |
وَرَمَى العَدوَّ، فلَمْ يُقَصِّرْ سَهمُهُ | حتّى تخضخض في رَميٍّ مُقصِدِ |
وَاهتَزّ في وَرَقِ النّدَى، فتَحَيّرَتْ | حَرَكاتُ غُصْنِ البَانَةِ المُتَأوِّدِ |
عَقّادُ ألوِيَةٍ، تَظَلُّ لهَا طُلَى | أعْدائِهِ، وَكَأنّهَا لَمْ تُعْقَدِ |
مَغمُوسَةٌ في النّصرِ، تجدو عن يدٍ | مَمْلُوءَةٍ ظَفَراً، تَرُوحُ وَيَغتَدِي |
بَثَّ الفَوَائِدَ في الأبَاعِدِ وَالدُّنَى، | حتّى تَوَهّمْنَاهُ مَخْرُوقَ اليَدِ |
يُعطي على الغَضَبِ المُتَعتِعِ، وَالرّضَا، | وَعلى التّهَلّلِ، وَالعُبُوسِ الأرْبَدِ |
كالغَيْثِ يَسقي الخابطينَ بأبيَضٍ | مِنْ غَيْمِهِ، وَبأحْمَرٍ، وَبأسْوَدِ |
يَستَقصِرُ اللّيلَ التّمامَ، إذا انتَحى | بالخَيلِ ناحيَةَ العَدُوّ الأبْعَدِ |
لا ناهلَ الأجفانِ، إنْ كانَ الكَرَى | خِمْساً لِصَادِيَةِ العُيُونِ الوُرّدِ |
ما ضَرّ أهْلَ الثّغْرِ إبْطَاءُ الحَيَا | عَنهُمْ، وَفيهِمْ يوسفُ بنُ مُحمّدِ |
يَسَلُونَهُ، فَيكُونُ نَائِلُهُ الغِنى، | وَيُقَصّرُونَ عَنِ السّؤالِ، فيَبتَدي |
إنْ ساسَهُمْ حدث، فساعَةُ رَأيِهِ | كالدّهرِ، جَدّ الدّهرُ أوْ لم يَجدُدِ |
بادي سَماحٍ، غارَ في وَادي النّدَى | لَهُمُ، فأنجَدَ في العَلاءِ المُنجِدِ |
وَنَضَا غِرَارَيْ سَيْفِهِ لِيُوَقّيَا | طَرَفَيْهِم عِنْ كلّ خَطبٍ مُؤيِدِ |
فكَفَاهُمُ فِسْقَ المُوَحِّدِ أنْ سَعى | فيهِمْ بإلإصلاح، وَشِرْكِ المُلحِدِ |
أوَما سَمِعْتَ بيَوْمِهِ المَشْهُودِ في | لُكّامِهِمْ إنْ كُنتَ لَمّا تَشْهَدِ |
يَوْمَ الزَّوَاقيلِ الّذينَ تَقاصرتْ | أعمارُهُمْ، فتَقَطّعَتْ عَنْ مَوْعِدِ |
شَهَرُوا عَلى الإسْلامِ حَدّ مَناصِلٍ، | لَوْلا التِهابُ حُسامِهِ لَمْ تُغْمَدِ |
وتَوَقّدُوا جَمراً، فَسَالَ عَلَيهِمِ | مِنْ بَأسِهِ سيل الغَمَامِ المُزْبِدِ |
حُمْرُ السّيُوفِ، كأنّما ضربت لهمْ | أيدي القُيُونِ صَفائحاً مِن عَسجَدِ |
وَكأنّ مَشيَهُمُ، وَقد حملوا الظُّبا، | مِنْ تحتِ سَقفٍ بالزّجَاجِ مُمَرَّدِ |
مَزّقْتَ أنْفُسَهُمْ بقَلْبٍ وَاحِدٍ، | جُمِعَتْ قَوَاصِيهِ، وَسَيفٍ أوْحَدِ |
لمْ تَلْقَهُمْ زَحْفاً، وَلكِنْ حَملَةً | جاءَتْ كضَرْبَةِ ثَائِرٍ لَمْ يُنْجَدِ |
في فِتْيَةٍ طَلَبُوا غُبارَكَ، إنّهُ | كَرَمٌ تَرَفّعَ مِنْ طَرِيقِ السّؤدَدِ |
كالرّمحِ فيهِ بِضْعَ عشرَةَ فِقْرَةً، | مُنْقَادَةً خَلْفَ السِّنَانِ الأصْيَدِ |
أطفأتَ جَمرَتَهُمْ، وَكانتْ ذا سنا | وَالعُمْقُ بَعضُ حَرِيقِها المُتَوَقِّدِ |
وَالنّارُ، لَوْ تُرِكَتْ على ما أذكيت | مِنْ خَلْفِها وَأمَامِهَا، لَمْ تَخْمَدِ |
وَقَعَدْتُ عَنكَ، وَلوْ بمهجَةِ آخَرٍ | غَيرِي، أقُومُ إلَيهِمِ لَمْ أقْعُدِ |
ما كانَ قَلبك في سَوَادِ جَوَانحي، | فأكونَ ثَمّ، وَلا لساني في يَدِي |
وَأنا الشّجاعُ، وَقد بدا لكَ مَوْقِفي | بعَقَرْقَسٍ، وَالمَشْرَفِيّةُ شُهّدِي |
وَرَأيتَني، فرَأيتَ أعْجَبَ مَنظَرٍ، | رَبَّ القَصَائدِ في القَنَا المُتَقَصِّدِ |
طَائِيُّكَ الأدْنَى أسَاءَ إسَاءَةً | في أمْسِهِ المَاضِي، وَأحسنَ في غَدِ |
فاسلَمْ سَلامةَ عِرْضِكَ المَوْفورِ منْ | صَرْفِ الحَوَادِثِ، وَالزّمانِ الأنكَدِ |
فلَقَدْ بنَيْتَ المَجدَ حتّى لوْ بَنَتْ | كَفّاكَ مَجْداً ثانِياً لَمْ تُحْمَدِ |
وَجَعَلْتَ فِعْلَكَ تِلوَ قَوْلِكَ قاصراً | عُمْرَ العَدُوّ بهِ، وَعُمْرَ الموْعِدِ |
وَمَلأتَ أحْشَاءَ العَدُوّ بَلابِلاً، | فارْتَدّ يَحسُدُ فيكَ مَنْ لمْ يَحسُدِ |