أرقتُ للبرق بالعلياء يضطرمُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أرقتُ للبرق بالعلياء يضطرمُ | وحبَّذا ومضُهُ لو أنَّهُ أَمَمُ |
أمسى يشنُّ على الآفاقِ صبغنه | كأنّما الجوّ منه عندمٌ ودمُ |
ينزو خلالَ الدُّجى واللّيلُ مُعتكرٌ | نزوَ الشّرارة ِ من أرجائها الغممُ " |
ولامعٌ قابعٌ طوراً إِخالُ به الـ | اللّيلُ يضحك والآفاق تبتسمُ |
قد شاقنى وبلادى منه نازحة ٌ | إلى وجوهٍ بهنَّ الحسنُ يعتصمُ |
قومٌ يَضِنُّون بالجَدْوى فإن بذلوا | من غيرِ عمدٍ لشيءٍ في الهوى ندموا |
ويأمرونا بصبرٍ عن لقائهمُ | وكيفَ نصبرُ والألبابُ عندهُمُ؟ |
وعَيَّرتْني مشيبَ الرَأس خُرْعُبَة ٌ | وربّ شيبٍ بدا لم يجنه الهرمُ |
" لاتتشكّى ْ " كلوماً لم تصبكِ فما | يَشكو أذى الشَّيب إلاّ العُذرُ واللِّمَمُ |
شيبٌ كما شُنَّ في جُنحِ الدُّجى قَبَسٌ | أوِ انجَلَتْ عن تباشيرِ الضُّحى ظُلَمُ |
ما كنتُ قبل مشيبٍ باتَ يظلُمني | لظالم أبَدَ الأيّامِ أنْظَلِمُ |
يا صاحبيَّ على نَعْمانَ دونَكما | قلباً تَذَكُّرُ نَعْمانٍ له سَقَمُ |
كم فيه من قاتلٍ عمداً ولا قودٌ | وظالمٍ لمحبِّيهِ ولا حَكَمُ |
وماطلٍ ما اقتضيناهُ مواعدنا | إلا وفى سمعه عن قولنا صممُ |
وسلِّما فهناكَ الحبُّ مجتمعٌ | على شعابٍ بهنَّ الضَّالُ والسَّلَمُ |
يَلحَى العذولُ وما استنصحتُهُ سَفَهاً | وكلُّ من يَبْتديك النُّصْحَ مُتَّهَمُ |
وما على مثلهِ لولا تكلُّفُهُ | منَ الأَحِبَّة ِ لَمُّوا الحَبْلَ أمْ صَرَموا؟ |
يا مَنزلَ الغيثِ مُرخًى من ذَلاذِلِهِ | يحثُّه صَخَبُ التَّغريدِ مُهتزمُ |
كأنَّما سُحْبُهُ سُحْماً مهدَّلَة ً | زالتْ بها الصّمُّ أو "شلّتْ" بها النّعمُ |
سقى المنازلَ من أرْجانَ ما احتملتْ | رفهاً فلا حاجة ٌ تبقى ولا سأمُ |
مواطنٌ "أبّهاتُ" الملك ثاوية ٌ | فيهنّ والسّؤددُ الفضفاضُ والكرمُ |
الموردُ العذبُ مبذولاً لواردهِ | والمالُ يُظلمُ بالجَدْوى ويُهتَضَمُ |
وجانبٌ لا يخاف الدّهرُ فيه ولا | يهابُ من نَفَجاتٍ عنده العَدَمُ |
للنّازلين محلُّ القاطنين به | والأقربون لأضيافِ القِرى خَدَمُ |
وواهبٌ سالبٌ ماشاءَ من عَرَضٍ | ومنعمٌ محسنٌ طوراً ومنتقمُ |
"يلقى " على كثبِ النّعمى شراشرة ُ | فالحمدُ مجتمعٌ والمالُ مقتسمُ |
أما قناتك يا ملكَ الملوك فما | زالتْ تردّ نيوبَ القومِ إذْ عجموا |
صمّاً يرجّعُ عنها الغامزون لها | وفى أناملهمْ من غمزها ألمُ |
وقد بلوك ونارُ الحربِ موقدة ٌ | واليومُ ملتهبُ القطرين محتدمُ |
يومٌ كأنَّ أُسودَ الغاب ضارية ٌ | فرسانُهُ وقنا فرسانِهِ الأَجَمُ |
في ظهرِ مَعْروقة ِ اللَّحْيَيْنِ ثائرة ٍ | كأنَّما مسَّها من طيشِها لَمَمُ |
معقولة ٌ بازدحام الخيل تعثرها | ولا عِثَارَ بها، الأحشاءُ والقِمَمُ |
وفتية ٌ كقداحِ النّبعِ تحملهمْ | على خطارِ الرّدى "الأخطارُ" والشّيمُ |
بينَ القَنا والظُّبا مسلولة ً نَشؤوا | وفى ظهور الجيادِ القرّحِ احتلموا |
من كلّ ملتبسٍ بالطّعنِ منغمسٍ | يَعْتمُّ بالدَّمِ طَوراً ثمَّ يلتئِمُ |
تراهُمُ كيفما لاقوا أعادِيهَمْ | لا يغنمون سوى الأرواح إنْ غنموا |
محجّبين عن الفحشاء قاطبة ً | كأنّهمْ بسوى المعروف ما علموا |
إنْ ظاهروا البدرَ في ثوبِ الدُّجَى ظَهروا | أو ظالموا اللَّيثَ في عِرِّيسهِ ظلموا |
كم أَوْهنوا من جراثيمٍ وماوَهنوا | وأَرغموا من عرانينٍ وما رُغِموا |
وأرهقوا من عظيمٍ خنزوانته | يئطُّ فى القدِّ أو تهفو به الرّخمُ |
"تقيّلوا" منك أخلاقاً تثبّتهمْ | فى مأزقٍ هزّه الشّجعانُ فانهزموا |
وأقدموا بعد أَنْ ضاقَ المَكَرُّ بهمْ | لمّا رأَوك على الأهوالِ تَقتحمُ |
من مبلغٌ مالكَ الأطرافِ مألكة ً | فإنَّما العِيُّ في الأقوالِ مُحتَشَمُ |
بعدتمُ فحسبتمْ بعدكمْ حرماً | والأمنُ دونَ النَّوى منكُم هو و |
كلُّ ناءٍ وإنْ شطَّ البِعادُ بهِ | تناله من بهاءِ الدّولة ِ الهممُ |
كالشَّمسِ في الفلكِ الدَّوَّارِ قاصية ٌ | ويصطلى حرّها الأقوامُ والأممُ |
وإنّما غرّكمْ بالجهلِ أنّكم | سَرقتمُ ماظننتمْ أنَّه لكمُ |
تَغنَّموا سِلْمَه واخشَوْا صَريمتَه | فالسِّلْمُ من مثلِهِ ياقومُ مُغَتَنَمُ |
واستمسكوا بذمامٍ من عقوبتهِ | فليس تنفع إلاّ عنده الذّممُ |
بنى بويهٍ أتمّ اللهُ نعمتكمْ | ولا يزلْ منكمُ فى الملكِ محتكمُ |
وأنتَ ياملكَ الأملاك عشْ أبداً | فما سلمتَ لنا فالخلقُ قد سَلموا |
وانعمْ نعمتَ بذا النّيروزِ مرتقياً | إلى المحلّ الذى لم ترقهُ قدمُ |
مُبَلَّغاً كلَّ ماتَهوى وإِنْ قَصُرَتْ | عنه الأمانيُّ موصولاً لك النِّعمُ |