فما ماءُ مُزْنٍ بات جَفْنَ سحابة ٍ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
فما ماءُ مُزْنٍ بات جَفْنَ سحابة ٍ | يصوبُ على أعلى الصُّخور ويسفحُ |
توزَّعَهُ عَبْرُ الرُّبا فكأنَّهُ | مُلاءٌ رحيضٌ بالفَلاة ِ مُطرَّحُ |
وإنْ صافحتهُ الرّيحُ وهي ضعيفة ٌ | تمرُّ عليه قلتَ: صُحْفٌ تُصَفَّحُ |
بأعذبَ من فيها إذا ما توسّنتْ | وهبَّتْ وجلدُ اللَّيلِ بالصُّبحِ يوضِحُ |
وما روضة ٌ باتَ الخُزامى يحفّها | ونَوْرُ الأقاحي وسْطَها يتفسّحُ |
كأنّ بمغناها تُفَضُّ لَطيمة ٌ | مُجَعْجِعَة ٌ أو مَنْدَلُ الهند ينفحُ |
بأطيبَ مِنْ أردانها حينَ أقبلتْ | وغصنُ النَّقا في دِرْعها يترنَّحُ |
وما مُغزِلٌ أَضحتْ بدوٍّ صَريمة ً | تفسّح في تلك الفيافي وتسرحُ |
تَفيءُ إلى ظلِّ الكِناسِ وتارة ً | تَشَوَّفُ من أعلى الهضابِ وتسنحُ |
بأحسنَ منها يومَ قامتْ فودَّعتْ | قُبَيلَ التَّنائي والمدامعُ تنزحُ |
وما وِردُ مطرودٍ عن الوردِ خامسٍ | وما هزَّهُ الدَّوحِ المُبِنِّ بقَفْرة ٍ |
تُسقّى الهيامُ حولَهُ وهو ظامئٌ | فلا الورْدُ يُدنيهِ ولاهو يبرحُ |
بأروى وأشهى من رُضابٍ تمُجُّهُ | ثنايا عِذابٌ من ثناياكِ تَمْتَحُ |
وما نوحُ قُمْرِيٍّ على فرعِ أيكة ٍ | يَمُنُّ له ذكرُ الفراقِ فيصدحُ |
له مدمعُ "الشاكي" جفوناً وقلبُهُ | بما جرّه فقدُ الأليفِ مُقَرّحُ |
بأشجى شجى ً مني غداة َ ذكرتُكمُ | ووادي مِنًى بالعيسِ والقومِ يطفحُ |
وماهزة ُ الدَّوحِ المُبِنِّ بقفرة ٍ | تُزعزعُ منه الرِّيحُ ما يتسمَّحُ |
إذا انتشرتْ فيهِ الشّمالُ عشية ً | رأيتَ حَماماً فوقهُ يترجحُ |
بأظهَرَ منّي هزّة ً يومَ أقبلتْ | تشكّى الهوى وحْياً به لا تُصّرِّحُ |
تعاورها خوفُ النّوى والعِدى معاً | فلاهيَ تَطويهِ ولاهيَ تُفصحُ |
وما مُنْيَة ٌ سِيقَتْ إلى كَلِفٍ بها | مُقيمٍ على تَطْلابِها ليس يبرحُ |
إذا لامَهُ اللاحون فيها طَما بهِ | إلى نَيلها شوقٌ لَجوجٌ مُبرِّحُ |
بأشهَى وأحلَى من لقائِك مَوهِنًا | وألحاظُ مَنْ يَبْغي النَّميمة َ نُزَّحُ |
وما مُقْفَقِلُّ الكفِّ شَحْطٌ عن النَّدى | له راحة ٌ من ضَنّة ٍ لا تَرَشَّحُ |
أتاهُ الغِنَى من بَعْدِ يأْسٍ وكَبْرَة ٍ | فليس بشيءٍ خِيفة َ الفَقْرِ يسمحُ |
بأبخلَ منِّي يومَ ساروا بنظرة ٍ | إليكِ وأحداقُ الرِّفاق تُلَمِّحُ |
حلفتُ بربّ الراقصاتِ عشيّة َ | إلى عَرفاتٍ وهي حَسْرى ورُزَّحُ |
ومَنْ ضَمَّهُ جَمْعٌ وبينَ بلادِهمْ | إذا اقتربوا سَهْبٌ عريضٌ مطوِّحُ |
وبالبُدنِ تُهدى في منى ً لمليكها | وتُدنى إلى أخرى الجمالُ فتُذبحُ |
لأنتِ على رُغمِ العدوِّ من الّذي | يُضئُ سوادَ الليلِ أبهى وأملحُ |
ونجواكِ تَشفي السُّقمَ طَوراً وتارة ً | يُعَلُّ بنجواكِ السَّليمُ المُصَحِّحُ |
وأنتِ وإنْ أوقدتِ في القلبِ جمرة ً | تَلَظى على كَرِّ الليالي وتَلْفَحُ |
أعزُّ عليهِ مَوضعًا من سوادِهِ | وأعذبُ فيهِ منْ مُناهُ وأرْوَحُ |