أمّا الشَّبابُ فقد مضتْ أيّامُهُ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أمّا الشَّبابُ فقد مضتْ أيّامُهُ | واستلّ من كفّى الغداة َ زمامهُ |
وتنكَّرتْ أيّامُهُ وتَغيَّرتْ | جاراته وتقوّضتْ آطامهُ |
ولقد درى من فى الشبابِ حياته | أنّ المشيبَ إذا علاه حمامهُ |
عوجا نحيى ّ الرّبعَ "يدللنا" الهوى | فلربَّما نفع المحبَّ سَلامُهُ |
واستعبرا عنِّي بهِ إنْ خانني | جَفني فلم يمطُرْ عليهِ غَمامُهُ |
فمن الجفونِ جوامِدٌ وذوارفٌ | ومن السّحاب ركامهُ وجهامهُ |
دِمَنٌ رضعتُ بهنَّ أخلافَ الصِّبا | لو لم يكنْ بعدَ الرَّضاعِ فطامُهُ |
ولقد مررتُ على العقيق فشفّنى | أنْ لم تُغنِّ على الغصون حَمامُهُ |
وكأنّه دنفٌ تجلّد مؤنساً | عوّاده حتّى استبان سقامهُ |
من بعدما فارقته فكأنّه | نشوانُ تمسحُ تربَهُ آكامُهُ |
مَرِحٌ يهزُّ قناتَهُ لا يأتلي | أَشَرُ الصِّبا وغرامُهُ وعُرامُهُ |
تندى على حرّ الهجير ظلالهُ | ويُضيءُ في وقتِ العشيِّ ظَلامُهُ |
وكأنّما أطياره ومياههُ | للنّازليه قيانه ومدامهُ |
وكأنّ آرامَ النّساءِ بأرضه | للقانِصي طَرْدِ الهوى آرامُهُ |
وكأنّما برد الصّبا حوذانه | وكأنّما ورق الشّباب بشامهُ |
وعَضيهة ٍ جاءتْكَ من عَبِقٍ بها | أَزرى عليكَ فلم يجُزْهُ كلامُهُ |
ورماك مجترئاً عليك وإنّما | وافاك من قعر الطّوى ّ سلامهُ |
وكأنَّما تَسْفي الرِّياحُ بعالِج | ماقالَ أو ما سطَّرتْ أقلامُهُ |
وكأنّ زوراً لفّقتْ ألفاظهُ | سلكٌ وهى فانحلّ عنه نظامهُ |
وإذا الفتى قَعدتْ به أخوالُهُ | فى المجد لم تنهض به أعماقه |
وإذا خصالُ السّوءِ باعدن امرءًا | عن قومهِ لم تُدنِهِ أرحامُهُ |
ولكمْ رمانى قبل رميكِ حاسدٌ | طاشَتْ ولم تخدشْ سِواهُ سِهامُهُ |
ألقَى كلاماً لم يَضِرْني وانثنى | وندوبه فى جلده وكلامهُ |
هيهاتَ أنْ أُلفَى رَسيلَ مُسافِهٍ | ينجو به يوم السّبابِ لطامهُ |
أو أن أرى فى معركٍ وسلاحهُ | بدلَ السّيوف قذافهُ وعذامهُ |
ومن البلاءِ عداوة ٌ من خاملٍ | لاخلفَه لِعُلًى ولا قُدَّامُهُ |
كثرتْ مساويه فصار كمدحه | بينَ الخلائقِ عيبُهُ أوْ ذامُهُ |
والخُرْقُ كلُّ الخُرقِ من متفاوتِ الـ | ـأفعالِ يَتْلو نقضَهُ إبرامُهُ |
جَدِبِ الجَنابِ فجارُهُ في أزْمة ٍ | والضَّيفُ موكولٌ إليهِ طعامُهُ |
وإذا علقتَ بحبله مستعصماً | فكفقعِ قَرْقَرَة ٍ يكونُ ذِمامُهُ |
وإذا عهودُ القومِ كنّ كنبعهمْ | فالعهد منه يراعهُ وثمامهُ |
وأنا الذى أعييتُ قبلك من رستْ | أطوادُه واستشرفتْ أعلامُهُ |
وتتبّع المعروفَ حتّى طنّبتْ | جوداً على سننِ الطّريقِ خيامهُ |
وتنادَرتْ أعداؤهُ سَطَواتِهِ | كاللَّيثِ يُوهَب نائياً إرزامُهُ |
وترى إذا قابلته فى وجهه | كالبدرِ أشرقَ حينَ تمَّ تَمامُهُ |
حتّى تذلّل بعد لأى ٍ صعبهُ | وانقادَ منبوذاً إليَّ خطامُهُ |
يهدى إلى ّ على المغيب ثناؤهُ | وإذا حضرتُ أظلّنى إكرامهُ |
فمضَى سَليماً مِن أداة ِ قوارضي | واستام ذمّى بعده مستامهُ |
والآن يوقظنى لنحتِ صفاتهِ | من طال عن أخذ الحقوق نيامهُ |
ويسومُني مالم أزلْ عن عزَّة ٍ | ونزاهة ٍ آباه حين أسامهُ |
"ويلسّنى " ولئنْ حلوتُ فإنّنى | مقرٌ وفى حنكِ العدوّ سمامهُ |
فلبئسَما منَّتْه منِّي خالياً | خطراتُه أو سُوِّلتْ أحلامُهُ |
أمَّا الطَّريفُ منَ الفخارِ فعندنا | ولنا من المجد التّليد سنامهُ |
ولنا من البيت المحرّم كلّما | طافتْ بهِ في مَوسمٍ أقدامُهُ |
ولنا الحَطيمُ وزَمْزَمٌ وتراثُنا | نِعْمَ التُّراثُ عن الخليل مَقامُهُ |
ولنا المشاعرُ والمواقفُ والَّذي | تهدى إليه من منًى أنعامهُ |
وبجدّنا وبصنوه دحيتْ عن الـ | ـبيت الحرامِ وزعزعتْ أصنامه |
وهما علينا أَطلعا شمسَ الهدى | حتى استنار حلالهُ وحرامهُ |
وأبى الذى تبدو على رغم العدا | غرّاً محجّلة ً لنا أيّامهُ |
كالبدر يكسو الّليلَ أثواب الضّحى | والفجرُ شبّ على الظلام ضرامهُ |
وهو الذي لا يقتضي في موقفٍ | إقدامهُ نكصٌ به أقدامهُ |
حتّى كأنّ حياته هى حتفه | ووراءَه ممّا يُخافُ أمامُهُ |
ووقَى الرَّسولَ على الفراشِ بنفسهِ | لمّا أرادَ حِمامَه أقوامُهُ |
ثانيهِ فى كلّ الأمور وحصنه | فى النّائباتِ وركنه ودعامهُ |
للَّهِ دَرُّ بلائهِ ودفاعِهِ | واليومُ يَغْشى الدَّارعين قتَامُهُ |
وكأنّما أجمُ العوالى غيلهُ | وكأنّما هو بينها ضرغامهُ |
وتَرى الصَّريعَ دِماؤه أكفانُهُ | وحنوطه أحجاره ورغامهُ |
والموت من ماء التّرائب ورده | ومنَ النّفوسِ مَرادُه ومَسامُهُ |
طلبوا مداهُ ففاتَهمْ سَبقاً إلى | أمَدٍ يشقُّ على الرِّجالِ مَرامُهُ |
فمتى أجالوا للفخارِ قداحهمْ | فالفائزاتُ قِداحُهُ وسهامُهُ |
وإذا الأمور تشابهت واستبهمتْ | فجِلاؤها وشفاؤها أحكامُهُ |
وتَرى النديَّ إذا احتبى لقضيَّة ٍ | عوجاً إليها مصغياتٍ هامهُ |
يُفْضي إلى لُبِّ البليدِ بيانُه | فيعى وينشئُ فهمه إفهامهُ |
بغريبِ لفظٍ لم تُدِرْهُ أَلْسُنٌ | ولطيفِ معنًى لم يفضّ ختامهُ |
وإذا التفتّ إلى التّقى صادقته | مِن كلِّ بِرِّ وافراً أقسامُهُ |
فاللَّيلُ فيهِ قيامُه مُتهجِّداً | يتلو الكتابَ وفي النَّهارِ صيامُهُ |
يطوي الثلاثَ تعفُّفاً وتَكرُّماً | حتّى يُصادفَ زادَه مُعْتامُهُ |
وتراهُ عُريانَ اللِّسانِ منَ الخَنا | لا يهتدى للأمر فيه ملامهُ |
وعلى الذى يرضى الإلهَ هجومه | وعلى الذى لا يرتضى إحجامهُ |
فمضَى برئياً لم تَشِنْهُ ذُنوبُهُ | يوماً ولاظفِرتْ به آثامُهُ |
ومفاخرٍ ما شئتَ إن عدّدتها | فالسَّيلُ أطبقُ لا يُعَدُّ زهامُهُ |
تعلو على من رام يوماً نيلها | من يذبلٍ هضباتهُ وإكامهُ |