كم ذا سَرَى بالموتِ عنّا مُدْلِجُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
كم ذا سَرَى بالموتِ عنّا مُدْلِجُ | أبكي اشتياقًا بي إليه وأنشِجُ |
وأوَدُّ أنِّي ما تَعرَّى جانبي | منّي ولم يُخْرجْهُ عني مُخرجُ |
وكذا مضى عنّا القُرونُ يكبُّهمْ | خطبٌ أخو سَرفٍ وصَرْفٌ أعوجُ |
خَدَعَتْهُمُ الدُّنيا برائقِ صِبْغِها | واقتادَهُمْ شَوقًا إليها الزِّبْرِجُ |
فتطامَحوا وتَطاوحوا بيدِ الرَّدَى | وتقوّموا ثم انثنوا فتعوّجوا |
وكأنهم لما عموا بظلامِ أرْ | ماسٍ لهمْ ما أَشرقوا أو أبْلجوا |
لم يُنجِهمْ وقدِ الْتَوى بهمُ الرَّدى | وإليهِ يُمضى أو عليه يُعَرَّجُ |
وهو الزمان فمسْمِنٌ أو مُهزِلٌ | طولَ الحياة ِ ومحزنٌ أو مُبهِجُ |
ومسلِّمٌ لا يَبْتَلي ومُسالمٌ | وموادِعٌ لا يختلي ومُهَيِّجُ |
والمرءُ إمّا راحلٌ أو قد دنا | منهُ وما يدري الرَّحيلُ المزعجُ |
بينا تراهُ في النّديِّ "منشِّراً" | حتى تراهُ في الحفيرة يُدرجُ |
تَسري به نحو الرَّدى طولَ المدَى | بيضٌ وسودٌ كالرّكائبِ تهدجُ |
وإذا الردى كان المصير فما الأسى | منّا على نشبٍ وثوبٍ يَنْهَجُ؟! |
لولا المقادِرُ قاضياتٌ بيننا | خَبْطًا لما سَبق الصحيحَ الأَعرجُ |
ياناعيَ ابنِ محمدٍ ليتَ الذي | خبّرتَنيهِ عن الحقيقة ِ أعوجٌ |
أفصحتَ لا أفلحتَ بالنبإِ الذي | للقلبِ منه توقّدٌ وتوهجٌ |
ولَطالما ضنَّ الرِّجالُ بمثلِ ما | صرّحتَ عنه فجمعوا أو لَجْلَجوا |
يا ذاهبًا عنّي ولي مِن بعدهِ | قلبٌ به متلهّبٌ متأجْجٌ |
أعزِزْ عليَّ بأنْ أراكَ مُسَرْبَلاً | بالموتِ تُدفن في الصعيد وتولَجَ |
في هوّة ٍ ظلماءَ ليس لداخلٍ | فيها على كرّ اللّيالي مَخْرَجُ |
بيني وبينك شاهقٌ لا يُرتقى | طُولاً وبابٌ للمنيَّة مُرْتَجُ |
ويُصَدُّ عنك القاصِدونَ فما لهمْ | أبدًا على شِعْبٍ حَلَلْتَ مُعَرَّجُ |
كم ذا لنا تحتَ التُّراب أناملٌ | تندى ندى ً وجبين وجهٍ أبْلَجُ |
من أين لي في كلِّ يومٍ صاحبٌ | يَرضاهُ منِّي الدَّاخلُ المُتَوَلِّجُ؟ |
هيهاتَ فرَّ من الحِمامِ مغامِرٌ | حيناً وَكَعَّ عن الحِمامِ مُدَجَّجُ |
وكَرِعْتُ منك الردَّ صِرفاً صافياً | وَلَكَمْ نَرى ودًّا يُثابُ ويُمزَجُ |
لا تُسْلِني عنهُ فتسلية ُ الفتى | عمّن به شَغَفُ الفؤادِ تَهيّجُ |
ولكمْ غَطا منّي التجمّلُ في الحَشى | مِن لاعِجاتٍ في الأضالعِ تَلْعَجُ |
فاذهبْ كما شاء القضاءُ وكن غداً | في القومِ إمَّا سُوِّدوا أو تُوِّجوا |
لَهُمُ بأفنية ِ الجِنانِ مساكنٌ | طابتْ مساكنُها وظلٌّ سجْسَجُ |
وسقى ترابَكَ كلُّ مُنخرِقِ الكُلى | يسري إذا ما شئتَهُ أو يُدلِجُ |
للرَّعدِ فيهِ قعاقِعٌ وزماجِرٌ | والبرق فيه توهجٌ وتموجُ |
والنَّوْرُ في حافاتِهِ مُتفسِّحٌ | والأُقحوانُ بجانبيهِ مُفَلَّجُ |
وإذا سقاكَ اللهُ من رحماتِهِ | فَلأَنتَ أسعدُ من أتاهُ وأفلجُ |