أما تَرى الدَّهرَ لا يَبقَى على حالِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أما تَرى الدَّهرَ لا يَبقَى على حالِ | طوراً بأمنٍ وأطواراً بأوجالِ ؟ |
أبغي النَّجاءَ وما أَنجو وإنْ غفلتْ | عنّى المنون كما لم ينجُ أمثالى |
شَواردٌ من مُصيباتٍ ثَبتْنَ لنا | يصبن ما شئن من نفسٍ ومن مالِ |
متى ينلْنَ الفتى قالوا: دَنا أجلٌ | يا هلْ أرى فى اللّيالى غيرَ آجالِ ؟ |
بذلٌ يؤوب إلى منعٍ ، وعافية ٌ | تجرُّ داءً ونُكسٌ بعدَ إبلالِ |
وما سررتُ بأيّامِ الكمال فما | " يعرو الفتى النّقصُ إلاّ عند إكمالِ " |
يا ليت شعرى َ والأهواءُ مولعة ٌ | برجم مُستترٍ في الغيبِ دَخَّالِ |
بأيِّ نوعٍ منَ المكروهِ تُخْرجني | هذي النَّوائبُ عن أهلي وعن مالي؟ |
وأى ُّ علقمة ٍ فى كفّ حادثة ٍ | " أجنى " لها كى أسقّاها " وتجنى " لى |
ما للنَّوائبِ يُعفِينَ الثُّمامَ كما | يَعْنُفْنَ بالنَّبعِ أوْ يُقذفْنَ بالضّالي؟ |
وما لهنّ وما يبغين من أربٍ | " يفنين " نفسى وقد أبقين أسمالى ؟ |
نلقَى المخاوفَ في الدُّنيا ونأمنُها | ونطلبُ العزَّ في الدُّنيا بإِذلالِ |
وتُستَذَمُّ لنا في كلَّ شارقة ٍ | وما لها مُبغضٌ منّا ولا قالي |
لِذاذة ٌ لم تُنَلْ إلاّ بمؤلمة ٍ | وصحَّة ٌ لم تدُمْ إِلاّ بإعلالِ |
فما أمنتُ بها إلاّ على حذرٍ | ولا فرغتُ بها إلاّ بأشغالِ |
ومسمعٍ جاء من أرجان يسمعنى | قولاً يكثّر من همِّي وبَلْبالي |
أَهدى على زعمهِ بَرْدَ اليقينِ بهِ | فشبّ بين ضلوعى جمرة َ الصّالى |
نعى إلى َّ قوامَ الدّين ؛ حادثة ٌ | أحال ما جاء منها كلَّ أحوالى |
فلو أَطَقتُ فنفسي لا تَضِنُّ بهِ | شققتُ قلبى ولم أعرضْ لسربالى |
ولم تنلْ عقرَ نفسى فى المصاب يدى | فبتّ أعقرُ أطلابى وآمالى |
أقول والرّبعُ مغبرٌّ جوانبهُ : | مَنْ بدَّلَ المنزلَ المأهولَ بالخالي؟ |
منْ أخرج اللّيث من " ذاك " العرين ومنْ | حطَّ المحلِّقَ في العَلياءِ مِن عالِ؟ |
مَنْ زعزعَ الجبلَ العاديَّ مَنْبتُه | ومَن طَوى ذلك الجوّالَ في جالِ؟ |
مَنْ حلَّ عُثْلَ المنايا فيهِ ثمَّ رَمى | قوائمَ السّابقِ الجاري بعُقّالِ؟ |
منْ ساجل الغيثَ هطّالاً بأذنبة ٍ | مَنْ كايَلَ البحرَ مِكيالاً بمكيالِ؟ |
منْ طاول الشّمَّ حتّى طالهنّ ذراً ؟ | من وازن الصّمَّ مثقالاً بمثقالِ ؟ |
سائلْ بمَلْكِ الورى لِمْ زلَّ أخْمَصُهُ | وهو الذي كان ثَبتاً غيرَ زوّالِ؟ |
وكيفَ أعجزَهُ هولٌ ألمَّ به؟ | وهو المدفّعُ أهوالاً بأهوالِ |
وكيفَ أصحرَ بالبيداءِ مُنْفرداً | مُخدَّمٌ بينَ أكنانٍ وأظلالِ؟ |
وكيف حطّ ملظُّ فى بلهنية ٍ | من ناعمِ العيش داراً غيرَ مِحْلالِ؟ |
وكيف لم يُعطني من ثِقْلهِ طَرَفاً | قَرْمٌ تحمَّلَ عنّي كلَّ أَثقالي؟ |
وكيف ضلّ بأيدى الحادثات فتًى | مُعطِي النَّجاة ِ وهادي كلِّ ضَلاَّلِ؟ |
منْ للسّرير الذى تعنو الجباهُ له | مقسومة ً بين تعظيمٍ وإجلالِ ؟ |
من للرّواقِ إذا حفّ الوفودُ به | سامين نحو شرودِ النّطقِ قوّالِ ؟ |
من للعفاة ِ إذا ابتلّوا بنائلهِ | صباحَ يومٍ شديد الهضم للمالِ؟ |
من للسّوايق يعرورى " مناسجها " | وتَنْثني بالدَّمِ القاني بأجْلالِ؟ |
نزائعٌ كالنّعامِ الكدرِ نفّرها | صراصرٌ من حديدِ الظّفرِ نشّالِ |
أو كالسَّراحينِ تَفْري كلَّ مُقفرة ٍ | غرثى من الزّاد تنسالاً بتعسالِ |
من للقنا طال حتّى قال مبصره : | ما هزّ هذا القنا إلاّ بأطوالِ ؟ |
من للصّوارم تعرى من مغامدها | وتُكْتَسى أغْمُداً في هامِ أبطالِ؟ |
من للمكيدة حكّته لتبلوه | تحكّكَ القلصِ الجربى بأجذالِ |
من للكتائبِ خرساً غيرَ ناطقة ٍ | يجلجل الطّعنُ فيها أى ّ جلجالِ |
فيهنّ كلُّ هضيم الكشحِ معترقٍ | مُشَذَّبٍ كسَحوقِ النَّخْلِ طُوّالِ |
إذا مشى فى فضولِ الدّرع تحسبه | مقلّباً نخوة ً أعطافَ رئبالِ |
ذو ناظرٍ توقد الأضغانَ لحظتهُ | كصلِّ رملة ِ وادٍ بينَ أصلالِ |
قد كنتَ توعدنى العدَّ الغزيرَ ندًى | فالآن أقنع بعد العدِّ بالآلِ |
وما قنعتُ وبي في غيرهِ طمعٌ | واليأسُ أرْوَحُ ولاّجٍ على البالِ |
وكنتَ لي وَزَراً في كلِّ مُعضلة ٍ | أُمسي أشمِّرُ فيها فضلَ أذيالي |
وكنتَ أدنَى وقد ناديتُ مُنتصراً | إليَّ في الخطبِ من نفسي ومن آلي |
يا طالبى َّ خذا منّى اقتراحكما | ما مانعٌ دون ما أخشَى ولا والِ |
واستعجِلا في يديَّ اليومَ ثأرَكُما | بذلتُ ما لم أكن فيه ببذّالِ |
قد دَغْدَغَ الموتُ نُصَّاري وحاميتي | وضعضَع الموتُ أطوادي وأجبالي |
ونالني بالأذَى مَن كان يرمُقُني | قبيل هذا الرّدى بالمربأ العالى |
أصبحتُ فيك " أزيرُ الشّكّ " معرفتى | عمداً وأصرفُ ذاك الخُبْرَ عن بالي |
وأسأل الرّكبَ عندى مثل علمهمُ | أرجو تَعِلَّة َ إلْباسي وإشكالي |
قبرٌ على الكوفة الغرّاء نتبعه | فى كلّ يومٍ بإرنانٍ وإعوالِ |
كأنَّما مِسْكة ٌ في تربة ٍ فُتِقَتْ | من طيبِ عَرْفِكِ أو ناجودُ جِرْيالِ |
لم يدفنوك به لكنّهم هرقوا | وما دَرَوْا سَجْلَ إحسانٍ وإجمالِ |
وإنَّني آنفٌ سَقْيَ السَّحابِ لهُ | فتربة ٌ أنتَ فيها غيرُ مِمْحالِ |
جادتْك من صلواتِ الله أوعية ٌ | غزيرة ٌ ذاتُ إسجامٍ وإسبالِ |
مُلِثَّة ُ الوَدْقِ تَسْري اللّيلَ أجمعَهُ | فإنْ غَدتْ وصلتْ صُبحاً بآصالِ |
لا مسَّ منك البِلَى ما مسَّ من بشَرٍ | فإنْ بَلِيتَ فما معروفُكَ البالي |
وناب عنك جميلٌ كنتَ تعمله | حيثُ النَّجاءُ لمن ينجو بأعمالِ |
فالذِّكرُ عندي مقيمٌ إنْ نُسِيتَ وإِنْ | سُلِيتَ يوماً فغيري قلبُه السّالي |