لم يبقَ لي بعدَ المشيبِ تَصابي
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
لم يبقَ لي بعدَ المشيبِ تَصابي | ذهب الشّباب وبعده أطرابي |
فالآنَ ما أرجو وصالَ خريدة ٍ | يومًا ولا أَخشى صُدودَ كَعابِ |
ياصاحبي قد عاد عذلك ظاهراً | فالشيبُ أعذلُ منك في أحبابي |
قد نابت الخمسون والسّبع التي | لي بعدَها في العَذْلِ عن أصحابي |
فلَربَّما حابى العَذولُ فلم يَلُمْ | والشّيبُ في الفَوْدينِ ليس يحابي |
لا تخشَ منِّي أنْ أنقِّبَ عن هَوى ال | ـبيض الأوانس والمشيبُ نِقابي |
بلغَ المشيبُ مآربًا ومآربًا | منّي ولم أبلغ به آرابي |
ورجوتُ منه شِفاءَ داءٍ كامنٍ | فازددته وَصَباً إلى أوصابي |
قد كان شافعيَ الشّباب إلى الدُّمى | والشيبُ بعد فراقِه أغرى بي |
فرباعهنّ سوى رباعي في الهوى | وجَنابُهنَّ هناك غيرُ جَنابي |
ولقد عَمَرتُ مُراسلاً من قبلهِ | فأعاد لي رُسُلي بغير جوابِ |
لا ذنبَ عندي منه إلاّ أنَّهُ | كان السّفير لفراقهِ الأحبابِ |
ولقد عتبتُ على الّتي صَرَمَتْ وقد | وصَلَ المشيبُ وما أفاد عتابي |
يا جملُ كيف نزعتِ حبلَكِ من يدي | لمّا نزعتُ من الصِّبا أثوابي؟ |
فقطعتِ وصلكِ لا لجرمٍ كانَ لي | وإلى وصالكِ جِيئتي وذَهابي |
ساق الذي بعث النّوى قَلبي كما | ساق الحُدَاة ُ ضحى ً "بِطاء" رِكابِ |
فمتى سألتَ عن الفؤادِ فإنَّهُ | قد سارَ بينَ هوادجٍ وقِبابِ |
يا طالباً يجتابُ كلَّ تنوفة ٍ | تُدمي ظهورَ العيس خيرَ جنابِ |
والشمسُ في الجوزاء رامية ٌ إلى | تلك المرامي كلِّها بُلعابِ |
عجْ بالوزير أبي المعالي أيْنُقي | واجعلْ إليهِ غيبتي وإيابي |
واقطعْ به - كي لا أسافرَ - أنسعي | واعقِرْ له - كي لا أريمَ - رِكابي |
فهوَ الّذي قد كنتُ عُمري أبتغي | وأرومُ مُقترحًا على أنصابي |
وإذا بلغْنَ بيَ المُنى مَوفورة ً | فشعابُ غيرِ المُدلِجين شعابي |
ليَ من ودادك واصطفائك رتبة ٌ | حُبٌّ أتيهُ به على أحبابي |
وإذا ملأتَ منَ الثَّناءِ مَسامعي | فكأَنْ ملأْتَ منَ الثّراءِ عِيابي |
وإذا رضيتَ فقد حظيتُ فإنني | أرضى بأن ترضى وذاك طِلابي |
لي كلَّ يومٍ من جميلك مِنَّة ٌ | غرّاء تأتيني وتقرعُ بابي |
وكرامة ٌ لمْ يدنُ منها مُكْرِمٌ | عبقتْ بها دون الأنام ثيابي |
كَرَّمتني فملكتَ منِّي رِبْقَة ً | تأبى انعتاقاً يومَ عِتْقِ رِقابِ |
وتَركتني وقْفًا عليكَ إِقامتي | وإلى ديارِك مَوئِلي ومآبي |
كم لي إليك شفاعة ٌ مقبولة ٌ | ونداءُ مسموعِ النّداءِ مُجابِ |
فمتى أردتُ جعلتُ قولي رائداً | في نَيلِ موهبة ٍ وصرفِ عِقابِ |
فلقد كفيتُ وفي يديك معونتي | ولقد غَلبتُ وأنت من أحزاني |
ومتى ضَحيتُ ففي ذُراك أظِلَّتي | وإذا ظمئِتُ فمن نَداك شرابي |
وأنا الذي لك بالولاءِ مواصلٌ | فاغفرْ لذاك زيارة َ الإِغْبابِ |
سَلْ عن بسالتِهِ خفاجَة َ والظُّبا | في راحتيهِ تَعُطُّ كلَّ إهابِ |
والطّعنُ يَثني كلَّ من شابتْ له | تلك المفارق من دمٍ بِخِضاب |
وتوهّموا جهلاً بأنّكَ كالأُلى | شُلُّوا بأرماحٍ لهمْ وحِرابِ |
حتّى رأوْكَ مصمّماً فتساهموا | طُرقَ الفِرارِ بقفرة ٍ كذئابِ |
شرَّدْتَهمْ؛ فخيامُهم منبوذة ٌ | مِن غيرِ إعمادٍ ولا إطنابِ |
وسلبتَ أنفسَهم ولم تحفِلْ بما | أبقتْ مَصارعُهمْ منَ الأَسلابِ |
للهِ دَرُّ شجاعة ٍ بكَ أمكنتْ | نَصْلَ الأعاجم من طُلى الأعرابِ |
ولقد لَقَفْتَهُمُ بهمْ، فكأنَّما | حَضَّضْتَ بينَ ضراغمٍ في غابِ |
واليومَ لا يُنجيكَ من أهوالهِ | إلاّ الطّعانُ وصدقُ كلِّ ضِارابِ |
فالضَّربُ في هاماتهمْ منثورة ٌ | فوق الثّرى والطّعن في الأقرابِ |
هَدرتْ زمانًا بالفراتِ فُحولُهمْ | فاليومَ ما فيهمْ طَنينُ ذُبابِ |
أمَّا بنو عبد الرّحيمِ فإنهم | حدُّ الرّجاءِ وغاية ُ الطُّلابِ |
لم يَسْكنوا إلاّ القِلالَ ولم يُرَوْا | والنَّجمَ إلاّ في رؤوسِ هِضابِ |
ما فيهُمُ إلاّ النَّحيبُ لأنّه الـ | ـبيتُ الملئُ بكثرة ِ الأنجابِ |
القائلين الفصْلَ يومَ تخاصمٍ | والواهبينَ الجَزْلَ يومَ رِغابِ |
ومزاحمين لهم على راياتهم | رجعوا وقد نكصوا على الأعقابِ |
لن يصلحوا قُرُبًا لصَون سُيوفهمْ | وهُمُ السُّيوفُ لنا بغيرِ قِرابِ |
لا خيرَ في أسْلٍ بغير عواملٍ | فينا ولا سيفٍ بغيرِ ذُبابِ |
ليس الرِّياسة بالمُنى أو بالهوى | لكنَّها بركوبِ كلِّ صِعابِ |
لا تقربوا بذئابكمْ طَلَعاً عن النَّـ | ـسلانِ والعَسَلانِ ليثَ الغابِ |
وإذا الجياد جرينَ لم تحفَلْ وقد | عنَّ التسابقُ بالهجينِ الكابي |
وصوارمُ الأسيافِ عند ضريبة ٍ | ما كنَّ يومًا كالكليل النّابي |
خُذها فإنْ بُقِّيتُ شيئًا آنفًا | تَسمعْ لها ما شئْتَ من أَترابِ |
واسمعْ كلاماً لم يُحَكْ شِبْهٌ له | ملآنَ بالإحسانِ والإطرابِ |
روضًا ولكنْ ليس يجني زَهرَهُ | إلاّ يمنيك ملكَ الآدابِ |
وإذا المسامعُ أنصفتْ لم تقتنصْ | إلاّ كلامي وحدَه وخطابي |